الصومال في القرن العشرين (الحلقة 22)

استقلال الصومال وانضمامها إلى الأمم المتحدة

تقديم موعد الاستقلال:

بعد انتخاب الجمعية التشريعية الثانية وتأليف الوزارة، بدأت الحكومة فى اجراءات الاستقلال والذى كان الهدف والغاية.

ومن أهم الإنجازات التى قامت بها الجمعية: تقديم موعد الاستقلال وإقناع الجمعية العمومية ومجلس الوصاية والحكومة الإيطالية بأن الصوماليين وصلوا إلى مرحلة من الوعي وحسن الإدارة تمكنهم من إدارة شؤونهم.

ولقد أصبحت الصومال عضوا فى عدة منظمات دولية، أهما: الاتحاد الدولي للبريد والبرق 1953م ومنظمة اليونسكو، واللجنة الاقتصادية الإفريقية التابعة لهيئة الأمم المتحدة 1958م، وهناك أيضا اتصالات جارية بين الصوماليين والدول ذات التمثيل الدبلوماسي فى البلاد فى كيفية التبادل الدبلوماسي بعد نيل الصومال استقلالها، إضافة إلى الشخصيات الصومالية، والوفود التى كانت تشارك فى المؤتمرات الدولية سواء كانت بصفة مستقلة أو مع إيطاليا، فمثلا منذ عام 1956 يرافق الوفد الإيطالي ثلاثة من الصوماليين لتحديد الحدود بين الصومال وإثيوبيا كخبراء، ومن عام 1957م بدأت إيطاليا تدرب بعض الصوماليين فى قنصلياتها وسفاراتها فى الخارج حتى يتسنى للصومال فتح سفارات وقنصليات فور استقلالها.

وقد تقدم السيد عبد الرشيد على شرمأركى ومعه عدد من النواب فى:  20/8/1959م باقتراح إلى الجمعية التشريعية ينص على الاستقلال قبل الموعد المحدد، فجرى تعديل الاقتراح ليكون ذا صفة قانونية، فوافقت الجمعية بالإجماع فورا.

وكان نص طلب تقديم الاستقلال كالآتى:

“بعد الاطلاع على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى اتخذته فى جلساتها العامة المنعقدة فى: 05/12/1959، وبعد الاطلاع على المادة 4 من إلإعلان المبادئ الأساسية الملحقة باتفاقية الوصاية، وبعد الاطلاع على أوامر حاكم صوماليا الإداري بتاريخ 5 يناير 1956م، بشأن تأسيس وصلاحيات الجمعية التشريعية الصومالية، وبعد الاطلاع على مرسوم حاكم صوماليا الإداري بتاريخ 7 مايو 1956 الذى يؤسس حكومة صومالية، وبعدالاستماع إلى التأكيدات الرسمية المتكررة لهيئات الدولة الإيطالية سواء فى الأوساط الدولية أو أمام هذه الجمعية التشريعية التى بموجبها تكون إيطاليا مستعدة لأن تدرس بعين الإعتبار المطلب الذى يمكن الشعب الصومالي تقديمه بواسطة هيئاته التأسيسية والمراد به تقبل الاستقلال التام قبل حلول أجل الوصاية.

وباعتبار أنه العون الوحيد بفضل مراعاتها الحقيقية والصادقة للتعهدات التى قامت بها فى اتفاقية الوصاية، فقد مكنت صوماليا من أن تتم هيئاته المستقلة وتكمل بناءها الإداري قبل الأجل المحدد فى اتفاقية الوصاية.

وبالنظر إلى النضج السياسي الذى توصل إليه الشعب الصومالي وإلى نمو مؤسساته الحرة التى سمحت له بالحصول على التقدم والنجاح الفعلي فى الحقل الاقتصادي والاجتماعي:

نؤيد الإقتراح التالي:

إن الجمعية التشريعية الصومالية ترجو غاية الرجاء فخامة حاكم صوماليا الإداري أن يعبر للدولة الوصية عن رغبة الشعب الصومالي الاجتماعية التى عبر عنها رسميا بواسطة هيئاته التأسيسية، ويلتمس من الحكومة ، وذلك بخلاف ما تقتضيه المادة 24 من اتفاقية الوصاية بخصوص حلول أجل الوصاية فى 2 ديسمبر سنة 1960..”

وبالنسبة لموقف إيطاليا بهذا الطلب، صرح السينيور البرتوفولكى A.folchi وكيل الدولة الإيطالية للشؤون الخارجية فى مؤتمر صحفى عقب قرار الجمعية التشريعية بالموافقة على هذا الطلب، وذلك فى 30 أغسطس 1959م بأن قال فى حديثه للصحافة الإيطالية والعالمية: بــ “أن قرار الجمعية التشريعية الصومالية كان تعبيرا صادقا عن بيانات سابقة للحكومة الإيطالية والتى كانت تهدف إلى رغبة الحكومة الإيطالية فى التعجيل بالاستقلال وتقصير مدة الوصاية حسب آمال ورغبات الشعب الصومالي”.

لذلك ففى شهر نوفمبر 1959م تقدمت الحكومة الإيطالية بطلب الاستقلال إلى هيئة الأمم المتحدة، وفى 28 نوفمبر أصدر مجلس الوصاية بالإجماع قرارا جاء فيه: أن أول يوليو سنة 1960م سيكون تاريخا لاستقلال صوماليا، وعلى ذلك قررت الجمعية العامة فى دورتها الرابعة عشر 1959 إنهاء العمل باتفاق الوصاية على صوماليا، عندما تصبح مستقلة، وأو صت بقبولها عضوا فى الأمم المتحدة بعد حصولها على الاستقلال.

وبذلك تقدم الاستقلال عن موعده بستة شهور. وكان فى هذا اعتراف من هيئة الأمم المتحدة بالنضج السياسي الذي وصل إليه الشعب الصومالي ومقدرة أبنائه على تحمل مسؤوليات الحكم، مما أدى إلى ابتهاج واحتفالات في كافة أنحاء الصومال تمجيدا لذكرى الاعتراف العالمي باستقلال صوماليا فى أول يوليو 1960م وفى منتصف شهر يناير عام 1960 اشترك السكرتير العام للأمم المتحدة “داج همرشلد” فى جلسة الجمعية التشريعية الصومالية التى ناقشت مسألة منح الجمعية التشريعية سلطة الجمعية التأسيسية لسن الدستور الصومالي، وفى هذه الجلسة تحدث مستر داج همرشلد قائلا: “إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد استجابت لرغباتكم المشتركة فتقرر بالاجماع تعيين أول شهر يوليو عام 1960م ليكون يوم استقلالكم، وهو يوم لا يفصلنا عنه الآن إلا شهور معدودة، وفى هذا اليوم ستصبح صوماليا دولة حرة ذات سيادة ومستعدة لتأخذ مكانها حول موائد المجالس العالمية باعتبارها عضوا فى الأمم المتحدة…”

وقد شرعت حكومة الصومال الداخلية والجمعية التشريعية فى إنجاز  مهمات الإستقلال، ففى 3 فبراير وافقت الجمعية التأسيسية على اقتراح لتأسيس الجيش الصومالي، وذلك بمنح الحكومة السلطات الكفيلة للحصول على الاعتمادات اللازمة لتنفيذ المشروع، وقد وافق الحاكم الإداري على ذلك.  واعتبرت الفرق المتنقلة Mobile Crops  لقوات الشرطة ، أول نواة للقوات المسلحة الصومالية.  وبدأ التجنيد اعتبارا من 12 أبريل عام 1960، وأصدر مجلس الوزوراء مرسوما بنفس التاريخ لتعيين العقيد داود عبدالله حرسي قائدا عاما للجيش الوطني الصومالي.  وشكلت الجمعية التشريعية لجنة فنية لصياغة دستور البلاد منذ سبتمبر 1957 واستطاعت بعد عام أن تعد صياغة تمهيدية لدستور مكون من 141 مادة، وفى عام 1959 استطاع الدكتور محمد شيخ قبيو بالتعاون مع خبير إيطالي العمل فى صياغة موجزة من 64 مادة من الصياغة السابقة.

وفى مارس سنة 1960 تشكلت اللجنة السياسية لإعداد الدستور وفق قرارا الجمعية التأسيسية بموجب المادة 2 من القانون بتاريخ 8/1/1960، فأصبحت اللجنة تضم: ثلاثين نائبا من أعضاء الجمعية التشريعية وممثلين من الأحزاب السياسية، إضافة إلى بعض رجال الدين، ووزير الدستور محمد قبيو، وكان لممثلى المحافظات والنواحي الصومالية حق حضور جلسات اللجنة السياسية بصفة مراقبين.

ومع ذلك فقد امتنعت الأحزاب المعارضة الأساسية للبلاد عن الاشتراك فى أعمال اللجنة السياسية بحجة أن ما يدور فى البلاد خلال السنوات الأخيرة لا يتفق وأهداف الأمم المتحدة، ويتعارض مع توصياتها العديدة فى التطوات السياسية للبلاد.  ولذلك قدمت هذه الأحزاب المعارضة فى 13 أبريل 1960 خطابا إلى كل من رئيس الجمعية التشريعية الصومالية وإلى السلطات الإدارية الإيطالية فى الصومال وإلى المجلس الإستشاري للأمم المتحدة فى الصومال، ذكرت فيه بأنهم اتفقوا على عدم الإشتراك فى أعمال اللجنة السياسية إلا إذا نفذت توصيات الأمم المتحدة كاملة.

وعند إعداد الدستور تمت مراعاة ضروريات الحياة الصومالية فى مختلف مظاهرها وأشكالها..فمثلا أكد القسم الأول من الدستور أن الجمهورية الصومالية تشجع بالوسائل القانونية والسلمية وحدة الأراضى الصومالية، كما نص على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة وأن أحكام الشرع تنظم الأحوال الشخصية، وقد قرر الدستور المساواة بين أفراد الشعب وجواز تقديم الشكاوي للأجهرة العليا للدولة والإقامة فى أي مكان والتجول بحرية والحرية الشخصية والحقوق الأساسية.

ونظرا لأن معظم أعضاء اللجنة الفنية للصياغة الأولى للدستور الصومالي، كانوا قضاة وموظفين إيطاليين بجانب الصوماليين ذوي الثقافة الإيطالية لم يكن غريبا أن يكون الدستور متأثرا بالدستور الإيطالي.  وبالنسبة للجنسية الصومالية، فإن الدستور لم يجدد جنسية الصومالي، بل تركها غير محددة وغامضة بأن الصومالي هو كل فرد يتحدث اللغة الصومالية ويتبع العادات والتقاليد الصومالية… ولذلك فإن الدستور لم يوضع للإقليم الجنوبي، إقليم الوصاية، فحسب وإنما وضع لكافة الصوماليين ويصبح ساري المفعول على كل الصوماليين فى مختلف الأقاليم الخمسة.

ويرى الباحث أن هذا الموقف إيجابي لأن الصوماليين كانوا ولازالوا يسعون غلى توحيد كافة الأقسام الصومالية، ويعتبرون أنها جزء واحد، إذا فلو قدرنا أنهم قصروا الجنسية الصومالية على من يسكن فى الجمهورية المستقلة فقط فإن ذلك يتنافى مع مطالبهم، وكأنهم اعترفوا إبعاد الأقاليم الأخرى عن أنفسهم.

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى