اللغة العربية في أوغندا

مع انتشار الإسلام انتشرت اللغة العربية في مختلف بقاع الأرض، بوصفها لغة القرآن الكريم، ووسيلة التخاطب بين المسلمين، وتوسّعت في الانتشار مع بروز الحضارة الإسلامية إلى الوجود، بحيث صارت لغة العلم والمعرفة والتجارة، وقد ساهمت عوامل كثيرة من بينها الدين الإسلامي في تأثير اللغة العربية على لغات الشعوب التي انتشر فيها الإسلام، وكغيرها من الشعوب تأثرت الشعوب الإفريقية باللغة العربية، وأخذ بعض تلك الشعوب بها كبديل للغاتهم الأصلية، حتى صارت هي الأكثر استخداما في كثير من الدول الإفريقية، كما أن الحرف العربي هو الحرف الذي اعتمدته معظم اللغات أو اللهجات غير المكتوبة.
استخدمت اللغة العربية كذلك كلغة للتعليم والثقافة والأدب، وظهرت الكتب والمصنفات التي وضعها كثير من العلماء الأفارقة المسلمين باللغة العربية في شتى مجالات العلم؛ وخاصة العلوم اللغوية والشرعية، كما دُوّنت عشرات من اللغات الإفريقية بالحرف العربي، بل والأكثر من ذلك أن العربية استخدمت كلغة للإدارة والحكم في كثير من الدول الإفريقية، فوُضِعت بها المراسيم، وصيغت بها القوانين، وصارت لغة المراسلات والمكاتبات الحكومية.
ولعلّ من أهم نتائج التواصل العربي – الإفريقي لقرون نشأة الثقافة السواحيلية واللغة السواحيلية، وقد ظهرت هذه الثقافة في القرن الثامن الميلادي، وتمركزت في منطقة شرق إفريقيا وبعض الجزر المحيطة بها، و اللغة السواحيلية اقتبست كثيراً من الكلمات العربية، التي تمثّل 20% في لغة التخاطب، و30% من السواحيلية المكتوبة، و50% من السواحيلية القديمة، ولقد كتبت السواحيلية أصلاً بالحرف العربي، مثل كثير من اللغات الإفريقية ذات المنبت المماثل.
أيضا أثّرت اللغة العربية كثيرا على اللغة الصومالية التي تنتمي إلى المجموعة الكوشية والتي كانت تكتب إلى وقت قريب بالحرف العربي قبل أن يتم كتابتها بالحرف اللاتيني في سبعينيات القرن المنصرم، ولا زالت تحمل كثيرا من الكلمات والجمل العربية، كما أن الصوماليين يجيدون التكلم بالعربية أكثر من أقرانهم الأفارقة.
غير أن اللغة العربية شهدت تراجعا ملحوظا خلال قدوم الاستعمار الأوروبي للأراضي الإفريقية، وما تلاه من تشديد الخناق على كل الجهود الرامية إلى نشر الإسلام واللغة العربية، فانتهى بذلك المدّ الإسلامي، وهو ما أدّى إلى انحسار نسبي للغة العربية أمام تقدّم اللغات الأوروبية.
وصل الإسلام أوغندا من خلال التجار العرب، والسواحليين المسلمين من شرقي أفريقيا أيام الدول الإسلامية التي قامت بتلك المنطقة في عهد النبهانيين، وامبراطورية الزنج الإسلامية، ودولة بو سعيد، وظل هؤلاء التجار يترددون في رحلات تجارية بين ساحل شرقي أفريقيا وأوغندا، واستوطن العديد منهم بقاعًا مختلفة في أوغندا، ونشروا الإسلام حيثما أقاموا، واعتنق الإسلام على أيديهم العديد من الأوغنديين، وازدهرت الدعوة الإسلامية في عهد ملك الباغندا كيووا، وكذلك في عهد الملك كاليما الذي طرد المنصّرين.
غير أن بريطانيا بعد احتلالها لأوغندا عرقلت انتشار الدعوة الإسلامية، فمنعت قدوم المسلمين من الشمال وأقامت جامعة ماكريري في أوغندا كبديل لجامعة الخرطوم، لتعوق اتصال المسلمين بالشمال، وفصلت المسلمين من الوظائف الحكومية، وعهدت للبعثات التنصيرية بالإشراف على التعليم في أوغندا، والثقافة الإسلامية، وهكذا مثّل الاحتلال عقبة خطيرة في سبيل الدعوة الإسلامية.
انتشرت اللغة العربية بين المسلمين بفضل الإقبال المتزايد على حفظ القرآن الكريم والجهود التى تبذلها المؤسسات الإسلامية الأوغندية لنشر اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم.
الجامعة الإسلامية في أوغندا كنموذج من أشهر المراكز الإسلامية التي تنشر الإسلام واللغة العربية بين المسلمين منذ عقود طويلة، ورغم أن المقررات والمناهج قائمة على اللغة الإنجليزية – باستثناء العلوم الشرعية والعربية – إلا أن مادة اللغة العربية أساسية في كل التخصصات والكليات.
هناك أيضا معهد بلال الثانوي في العاصمة الأوغندية كمبالا الذي يقدّم المواد الدينية والمادّية معا باللغة العربية، بالإضافة إلى كونه يهيئ الطالب لدخول المرحلة الجامعية والتخصص في العلوم الشرعية والعربية.
في المجتمع الأوغندي يمكن القول بأن نسبة كبيرة خصوصا منهم المسلمين تحبّذ تعلّم اللغة العربية من منظور كونها لغة عالمية وذات حضارة قديمة، بالإضافة إلى كونها تمثل لغة الإسلام عند المسلمين، وللعلاقة الوطيدة التي تربطها باللغة السواحيلية (اللغة الثانية عند المجتمع الأوغندي).

إبراهيم عبد القادر محمد عبد الله

كاتب وباحث ، حاصل على الماجستير في الشريعة من الجامعة الإسلامية في أوغندا .. يعمل كأمين عام لجامعة شرق إفريقيا في بونتلاند .. ومحاضر في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة.
زر الذهاب إلى الأعلى