الكاتب الصومالي ومسؤولية الكلمة

من المظاهر الصحية التي بدأت تظهر وبقوة في الساحة الصومالية، التوجه نحو الكتابة، وامساك القلم للبوح بمشاكل الأمة، وتطلعاتها، كل حسب رأيه ووجهة نظهره، حتى وصلت إلى حد إقامة معرض دولي للكتاب في العاصمة مقديشو في نهاية الشهر الماضى، وهي في الحقيقة خطوة ناجحة في الاتجاه الصحيح.
إن المجتمع الصومالي قد كان يوصف منذ تاريخه الطويل بأن أبناءه لا يكتبون ولا يقرأون، فكان هذا الباب مغلوقا ومصدودا أمامهم، وكأن عفريتا منعهم من الانضمام إلى الأمم القارئة والكاتبة، فإذا أردت أن تجد كتابا تاريخا يتناول حقبة تاريخية من حياة الأمة الصومالية، فنادرا ما تجد مؤلفا صغيرا – من كاتب صومالي – يتناول هذه الفترة، لذا قد كنا وما زلنا نتطفل على المؤلفات الأجنبية التي تكتب عنا، التي ربما تكون في الغالب مشوبة بالأخطاء التاريخية، إما عن قصد كالمؤلفات التي كتبها الاستعمار والأقلام التي استأجرها، أو ينقصها المعلومات الدقيقة كمحاولات الكتَّاب العرب – المخلصة منهم طبعا.
وظاهرة الكتابة وسطوع أنجم من الكتاب الصوماليين، تنبئ بأمر بالغة الأهمية يجعلنا نتفاءل بمستقبل مشرق، وهو أن هناك محاولات جادة من المثقفين الصومالين للانضمام إلى عالم القراءة، لأن النتاج الكتابي لا يتدفق ببراعة ابداعية إلا إذا تشبع صاحبه بالقراءة المثمرة، وتتلمذ على كتب الجهابذة، وقرأ لكثير من أصحاب الأقلام العملاقة.
لكن.. هناك أمر يجب أن ينتبه له من يأخذ القلم ويسود الصفحات والشبكات الاجتماعية، بأن هذه المهنة ليست كما يظنه الكثير، إنها مهنة صعبة وشاقة، وتنبعث صعوبتها في المسؤولية الملقاة على عاتق صاحب الكلمة، لأنه يخوض حربا ضاريا، سلاحها الكلمة والرأي، وأسلوب عرضها، فبصنعته واحترافيته، يصبح إما بطلا أمميا يحمل همَّ الأمة، أو شهيد للخير والحق والحقيقة، أو منافقا خائنا عميلا يرتزق بقلمه، فيطوع ملكته لمداراة ومداهنة أصحاب الظلم والفساد، أو نصرة لأهل البغي والإضلال، فتكون نجوميته وبالا على الأمة، ونقمة عليها.
إنها مهمة شاقة ومكلفة إلى حد بعيد، إذا نظرناها بهذا المنظار، لأنك حينما تقدم على الكتابة فقد انبريت إلى مهنة رسالية جليلة، تنقلها إلى من يقرأ لك فلا بد أن تحترم جمهورك الذين احترموك، وتفضلوا طواعية ليقرأوا لك، فإنهم وضعوك في سُلم أولوياتهم، إذ اختاروا مقالك أو كتابك من بين بلايين المنشورات في العالم.
وتتضاعف مسؤولية الكاتب الصومالي عندما ننظر إلى المرحلة التي تعيشها الأمة الصومالية، من انقسامات فكرية وقبلية، وتدخلات أجنبية، وما يحاك لها من مؤامرات ليل نهار.
فالسياسي يستطيع أن يخفي الحقائق، ويتكلم بخلاف الواقع، ولكن الكاتب عليه يترجم عن الحقيقة، ويكون المرآة المخلصة التي تظهر كل ما تراه كما هو، من غير مزايدة في العيوب، ولا إخفاء للمحاسن، بل تعرضها على السواء. وتلك نعمة يمنها الله على من يشاء: أن تهدى إلى القول الطيب في كل الأحوال في الرضا والسخط، (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ) الحج: 24. فلتكن كلماتك طيبة ومترجمة عن شعور وإيمان عميق للفكرة التي تريد أن تنقلها للجمهور، وتخيَّر من الكلام كما تختار أطايب التمر(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)الإسراء: 53.
أما ما يتشدق به الكثير من حرية الرأي والتعبير، فيلسعون بأقلامهم لحوم الناس وأعراضهم تحت هذه الذريعة (حرية الرأي) فإن الحرية لا تجيز بأيِّ حال من الأحوال أن تأكل لحوم الناس؛ (كل مسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)
وتكون مسؤولية صاحب القلم أكبر وأخطر، حينما يكون هذا الكاتب متميزا ومشهورا، لأنه ربما يستفيد تعاطف الناس معه، فيدلس عليهم، ويؤثرهم تأثيرا سلبيا، فيحمل وزره ووزر من عمل على أفكاره وآراءه، و يكتب له سيئاته وسيئات من عمل بأطروحاته ونظرياته، بل تبقى آثاره حتى بعد رحيله عن الدنيا، وانضمامه إلى عالم الأموات لأنه:
ما من كاتب إلا سيفنى……………….. ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ……………. يسرك في القيامة أن ترا ه
إن الأقلام التي تريدها الأمة هي إقلام تبني ولا تهدم، وتمد جسور التواصل والتكاتف بين كافة شرائح المجتمع، أقلام تؤلف بين القلوب، ولا تفرق الصفوف، همُّها نقل العلم والحكمة، وتنمية الوعي الجماعي التعاوني، وتضميد الجراحات، ومحاربة الأفكار الهدامة التي لا تمت بثقافة الأمة بصلة.
أما الأقلام التي لا تصب في هذا الاتجاه، وتسبح ضد التيار، وتعمل على صبِّ الزيت في النار، أو تنفث السموم القاتلة، والأفكار المنحرفة، والتي همُّها إفساد ذات البين، وتعكير صفو الإخاء، فهي أقلام الأولى والأجدر منها أن تتوقف، بل أن تُكسر، فلا نفع فيها، فهي بلية محضة وشر مستطير.

شعيب عبدالرزاق محمد

خريج من جامعة كسمايو، كلية التربية، قسم الدراسات الاسلامية، يعد ماجستير في التربية، فسم المناهج وطرق التدريس، من جامعة دار الحكمة في مقديشو.
زر الذهاب إلى الأعلى