مؤتمر بروكسل ليس نهاية المطاف

152

إنتهي مؤتمر بروكسل، وحصل الصومال  من المانحين على أكثر من مليار يورو. هذا المبلغ يفوق ما كان يأمل الأتحاد الاوروبي. وعدت له بريطانيا بـ 50 مليون جنيه استرليني، والسويد 170 مليون يورو، والدنمارك 124 مليون يورو، والمانيا 90 مليون يورو… والإتحاد الاوروبي، 650 مليون يورو. فهذه طبعا خطوة الي الأمام، كما وصفتها مسؤولة العلاقات الخارجية للإتحاد الأوروبي، كاترين أشتون أو أنها إنجاز جذير أن ينعت بالتاريخي كما فعل الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود.

ولكن ليس هذا نهاية الأمر، ولا كما يقال نقطة، ومن أول السطر. صيحيح، قطعنا شوطا مهما نحو الهدف. الا أن العمل الحقيقي، لم يبدأ بعد، فالوفاء بالتعهدات وتنفيذ ما أتفق عليه على المِحَك، وهو ما سيحدد مدى جدية الطرفين، الحكومة الصومالية والدول المانحة، ورغبتهما الحقيقية في بناء دولة القانون، وتحسين حياة المواطنين في شتى المجالات، بعيدا عن المزايدات السياسية، واللغط الإعلام الرسمي، الذي يغطي دائما سحبا كثيفة على مجريات الأمور. فعلى المجتمع الدولي أن يفي بتعهداته وإلتزاماته تجاه الصوماليين، كي يبرهن أن الجهود الجارية ماهي الا إنعكاس لرغبة أكيدة في إنتشال البلاد من الهاوية التي سقط فيها قبل عشرين عاما، وليست رسالة سياسية كما وصفها مصدر دبلوماسي أوروبي .

أما الحكومة الصومالية، فيقع عليها العبء الأكبر. ولا بد أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الوطن والمواطن. ولا بد أن تعلم أن هناك أكثر من ثمانية ملايين شخص في الداخل، والخارج، يراقبون أعمالها عن كثب. فهؤلاء يهددهم خطر الموت، وضياع الهوية، ويحدوهم الأمل بأن يروا قريبا وبلادهم قد ساده الأمن والإستقرار، وتتوفرت فيه مقومات العيش الكريم. لذلك على الحكومة أن تعطي الأولوية لهؤلاء الناس، وليس لمجموعة أو فئة لا لها هم سوى ملء الجيوب من السيب. ولا يؤلمها نكأ الجرح ، ولا تنبض لها من إستشافه فريصة. تجدهم أينما وجدت المصلحة. فهم اليوم يتداعون الي قصعة المساعدات الدولية، وغدا تجدهم يتطاولون في البنيان، بينما مسيحقي هذه المساعدات، يتضورون جوعا، ويموتون كمدا في الطرقات، ولايترك لهم سوى الصبابة.

في الشهور المقبلة ستكون فاصلة، فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، وبناء نظام سياسي شامل لا يقصي أحدا. كما حدث في العقود الماضية. ونرى  ملامحه  في السلطة الحالية. ومن أجل تغيير هذا السلوك الإقصائي، وتأكيد صدقية الحكومة في دعوتها للمشاركة في النهوض للبلد، وبناء المستقبل الباهر، لا بد من تشكيل هيئة مستلقة تضم  ممثلين من كافة شرائح المجتمع، وجميع ألوان الطيف السياسي في البلاد بالإضافة الي مراقبين من الدول المانحة، تتولى ملف إعادة الإعمار، ومتابعة تنفيذ ما أتفق عليه، بعيدا عن تدخلات المال السياسي؛ لأن هذا الموضوع، خطير ومعقد، فإذا إختلطت به السياسة، والمصالح التجارية، ينتابه الإهتزاز ويتعرض للفساد، ويكون مصيره الفشل. وقد حدث ذلك في عمليات إعادة إعمار العراق وأفغاستان. فتشكيل هذه الهيئة، يحقق شيئين مهمين في سبيل إنجاح عملية الإعمار، ثقة المواطنين، وعدم التلاعب في المشروعات التنموية.

فالواقع، أن الثقة بين المجتمع الصومالي قد إهتزت بشكل كبير، وحتى، تعمقت هوة الخلافات بينهم في السنوات الأخيرة، جراء الحروب والإنتهاكات التي وقعت في البلاد، ولاتزال آثار مشكلة فقدان الثقة بادية للعيان في بعض المناطق، أو يمكن رؤيتها أثناء الإجتماعات الدولية التي يشاركها الصوماليون. وما حدث في مؤتمر بروكسل، خير دليل على ذلك، حين حال مسؤولون من الحكومة دون نشر الكلمة التي ألقاها رئيس إدارة بنتلاند عبدالرحمن فرولي في الإجتماع.

ومن إجل أستعادة هذه الثقة، فالمسؤولية  تقع على الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. وعليه أن يتخذ قبل فوات الأوان، خطوات جريئة، لبناء الثقة، وترميم جسور التواصل بين المواطنين والأنظمة، وهذا يتطلب أولا الي إعادة النظر في سياسات الحكومة تجاه الإدارات المحلية، وينبغي إعطائها دورا كبيرا  في عملية بناء الصومال الجديد.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى