مسيرة التعليم في الصومال بين الأمس واليوم ( ركن إسبوعي 1)

كما هو معلوم، التعليم لأي بلد أو أمة جزء لا يتجزء من تاريخ البلد ويخضع لكافة التغيرات والتقلبات التي يتعرض لها البلاد ، ففي بعض الأحيان يزدهر ويتقدم ، ويتدهور ويتراجع تارة أخرى ، وهذه المسيرة للتعليم الصومالي طويلة ومتشعبة ، لكنني نكتفي بذكر أهم معالمها وأبرز أحداثها .
وعند الكتابة عن التعليم في الصومال يمكن أن نقسم مراحل التعليم في الصومال إلى خمسة مراحل ، وهي :- التعليم فيما قبل الاستعمار، والتعليم في عهد الاستعمار ، والتعليم في عهد الاستقلال حتى سقوط الحكومة عام 1991م، التعليم في عهد الفوضى والحروب ، التعليم في المرحلة الراهنة

أولا: التعليم قبل الاحتلال الأجنبي
كان التعليم في هذا العهد تعليما غير نظامي ؛ لآنه لم تكن له مراحل تعليمية مسلسلة ولا فصول دراسية منظمة ، أو منهج دراسي محدد، ولم تكن هناك دولة أو هيئة خيرية أخرى تشرف عليه وتموّله.
“ومعنى ذلك أن التعليم الذي كان سائدا في القطر الصومالي قبل استحداث النظم التعليمية العصرية .. كان يتمّ بقسميه النظري والمهني على طرق تعليمية غير نظامية …) (محمد علي عبدالكريم وآخرون : 1978 ، 7 )
وكان التعليم الديني وتوابعه يمثل الجزء الرئيس من التعليم في هذه الفترة، وقد بدأ هذا التعليم بعد دخول الإسلام في هذا القطر وانتشاره بين أهله، وكان هذا التعليم يتقسم إلى ثلاثة أقسام:-
1- تعليم القرآن الكريم وتحفيظه للأطفال وغيرهم في الكتاتيب .
2- تعليم علوم الشريعة ومستلزماتها من علوم اللغة العربية.
3- تعليم السلوك والتربية الروحية .
وقد ازدهر التعليم الديني في عدة مدن ، فمثلا مدينة هرر كانت مركزا رئيسيا لتعليم العلوم الدينية في المنطقة الغربية، وكذلك مدينة مقديشو في المنطقة الجنوبية .(محمد علي عبدالكريم وآخرون : 1978 ، 11 )
وإلى جانب التعليم الديني ، كان هناك التعليم المهني ، وكان غالبا يتمّ على طريقة تقليدية تعتمد على التلقين والإرشاد من المعلم والتلقي العملي المباشر منه ، وبعض الحرف مثل الحياكة وصنع الأحذية والصباعة كانت تقوم في الغالب على أساس وراثي محض؛ يعني أن مزاولة تلك الحرف كانت تحتكرها طبقات معينة من الشعب يتوارثها أفرادها ابنا عن أب وجيلا عن جيل ، بحيث لا يشترك معهم في مزاولتها غيرهم من بقية أفراد المجتمع،(محمد علي عبدالكريم وآخرون : 1978 ، 7 )
من أهم سمات التعليم في هذه المرحلة :-
– اللغة العربية كانت لغة الدراسة بالنسبة للعلوم النظرية لكونها أول لغة عرفها الصوماليون بعد لغتهم المحلية.
– كان المعلم أوالمرشد سيد الوقف في العملية التعليمية يتحكم بزمان وكيفية التعلم .
– الطابع السائد في النظام التعليمي في هذه الفترة هو الطابع الأهلي ، وذلك لكون كل قرية أو منطقة سكنية مسئولة عن توفير التعليم لأبنائها عن طريق التعاقد مع معلم خلوة يتولى تعليم النشئ القرآن الكريم وعلومه ودروس التربية .
– طول فترة التعلم مع قلة الخريجين .
– ” صوملة طريقة التهجي عند تعلّم القرآن ، وهي طريقة سارية المفعول حتى الآن في كثير من الخلوات القرآنية ، ويرجع الفضل في وضعها ونشرها في أرجاء الصومال الشيخ الجليل المعروف بشيخ يوسف الكونين الذي عاش منذ ثمانية قرون مضت – من الآن- في بلدة دغر التي لا تزال آثارها قائمة بجوار مدينة هرجيسا”(راشد البراوي: 1973 ، 76)
– كثرة التنقل وعدم الاستمرار مما يسبب كثرة التسرب وعدم الانتظام في الدراسة.
– التعقيد والشدّة في التعامل مع المتعلمين وسوء العلاقات بين المعلم والمتعلمين بسب عدم الخبرة في أساليب التدريس.
ثانيا : التعليم في عهد الاستعمار
التعليم في بدايات عهد الاستعمار وبعدما استولى المستعمرون على الصومال قامت الإرساليات المسيحية بإنشاء بعض المدارس التابعة للكنيسة ، ولكنها لم تجد إقبالا من قبل الشعب الصومالي المتمسك بعقيدته الإسلامية ، بل ثاروا عليه فهاجموا البعثة التبشيرية وأحرقوا كنائسها ، فنقلهم الإنجليز إلى جيبوتي، وبلغ عددهم 375 مدرسة ، وانتهى بذلك النشاط التبشيري في الشمال في يونيو 1912م
وفي الجنوب كانت حركة التبشير أقل حدّة، ففتحت بعض المدارس التابعة لها في بعض مدن الجنوب ، ولكنها لم تجد أتباعا يعتنقون المسيحية، واستمرّت المدارس التبشيرية إلى عهد ثورة(21 أكتوبر 1969م) التي قضت عليها نهائيا وأممّت مدارسها الخاصة.
وفي عام 1936م تأسست أولى المدارس النظامية الأهلية في الوطن متمثلة في مدرسة معلم جامع بلال تلبية لرغبات بعض الأهالي الصوماليين. وكان التعليم فيها باللغة العربية، ومدة الدراسة فيها خمس سنوات، ويرجع إليه الفضل في وضع أسس التربية في الجنوب، حيث بذل جهودا جبّارة في نشر المعرفة بين أبناء الأمة،وتوعية الجماهير توعية وطنية ، رغم معارضة السالطات الإستعمارية، ومقاونها لتأسيس هذه المدارس.(محمد عبدالكريم : 1978 ، 60 )
وتتابعت الجهود الوطنية لفتح المدارس الأهلية ، وخاصة بعد انتهاء حرب العالمية الثانية وهزيمة إيطاليا.
وفي عام 1951 أرسلت مصر الشيخ عبدالله المشد و شيخ محمود خليفة من علماء الأزهر الشريف للوقوف على الأوضاع التعليمية في الصومال، وبعد زيارتهم جميع مدن الصومال واللقاء مع المثقفين وعلماء الدين ،قدما تقريرا إلى الحكومة المصرية التي أصدرت أمرا بتقديم 22 منحة دراسية إلى الصومال، وإيفاد بعثة أزهرية في عام 1952. وفي هذا العام تمّ فتح معهد الدراسات الإسلامية في مقديشو بإشراف البعثة الأزهرية.( محمد عبدالكريم: 1978، 64)
وقد تطوّر التعليم بعد حضور البعثة المصرية حيث تمّ وضع منهج شامل للتعليم، وقامت مصر بوضع الكتب المقررة للمدارس الوطنية على نفقتها الخاصة ، وكان التعليم في تلك المدارس مشتركا في جميع المراحل التعليمية.
أهم سمات هذه المرحلة :-
كان التعليم في هذه الفترة يتميز بالتالي :-
– أهداف التعليم والطابع الإداري فيها كان استعماريا متمثلا في إبقاء الأمة في دائرة الجهل والتخلف حتى لا ينفضوا عن أنفسهم غبار الاستعباد ، وكذلك حرص الاستعمار على إبعاد الأمة عن تعاليم الإسلام السامية .
– المناهج كانت صورية ، إذ كانت خالية من الأهداف الرئيسية في تربية النشئ ، وكذلك كانت الموضوعات الدراسية بعيدة عن بيئة الطالب ومجتمعه وعقيدته؛ جيث كانت تدرس تاريخ أوربا وبطولاتها الحربية ومستعمراتها .
– ضعف خبرة بعض المدرسين الذين كانوا من القوات الأجنبية وضعف تدريبهم تربويا.
– جهود البعثة المصرية في تطوير التعليم في البلاد ، وهي وإن كانت إدارتها مصرية إلا أنها كانت وثيقة الصلاة بعقيدة المجتمع ومتجاوبة مع تطلعاته.
– ندرة معاهد المعلمين مع ضعف مقدرتها الاستيعابية.
المراجع :
– محمد على عبدالكريم وآخرون: تاريخ التعليم في الصومال . مقدسشو-الصومال 1978م .
– راشد البراوي. الصومال الجديد : فلسفة وأمل . ( مكتبة الأنجلو المصرية . القاهرة :1973م)

أ/ شافعي عبدالعزيز حاج طفى

ماجستير الإدارة والتخطيط التربوي جامعة النيلين - السودان ، يحضر الدكتوراة في التخطيط التربوي بجامعة بخت الرضا في السودان
زر الذهاب إلى الأعلى