جوبالاند.. وداعا للإنتقالية

المقدمة

تعد مناطق جوبالاند من اكثر المناطق التي تأثرت بالحروب الاهلية في الصومال ما بعد سقوط الحكومة المركزية ، حيث لم تنعم هذه المناطق بالامن والاستقرار قرابة عقدين من الزمن.

وكانت مدينة كسمايو احدى المعاقل الرئيسية لزعماء الحرب في الصومال ، بدءا من حسين عيديد وعمر جيس وبري هيرالي ومورغن حيث تعاقب هؤلاء في الاستيلاء على المدينة ونواحيها ، الا ان احدا من هؤلاء لم يتمكن من بسط السيطرة الكاملة على هذه المناطق واعادة الامن والاستقرار اليها.

وخلال التسعينات اختار بعض الاسلاميين الصوماليين هذه المناطق لتكون لهم بمثابة معقلهم الرئيسي ، فقد اسس الشيخ الراحل حسن تركي امارة معسكر راس كمبوني ليدرب المقاتلين الاسلاميين في هذا المعسكر.

وبما ان الدستور الصومالي قرر في عام 2004م بالانتقال الى الحكم الفيدرالي، فقد حاول سياسيوا هذه المناطق ايجاد حلول لهذه المناطق وتأسيس ولاية فيدرالية في هذه المناطق ، الا ان كثيرا من هذه المحاولات باءات بالفشل.

واثناء بروز المحاكم الاسلامية كانت مدينة كسمايوا احدى المدن المهمة التي وقعت في قبضة المحاكم الاسلامية بقيادة الشيخ حسن تركي والسيد احمد محمد اسلام مدوبي، وعين مدوبي واليا لهذه الولاية، الا انه وكما هو معروف لم تكن فترة المحاكم طويلة فقد تدخلت القوات الاثيوبية ودحرت المحاكم الاسلامية وهزمتها واستولت على المدن التي كانت تحت سيطرة المحاكم بما فيها مدينة كسمايوا.

وبعد خروج القوات الاثيوبية من الصومال سيطرت حركة الشباب المجاهدين بالتعاون مع الحزب الاسلامي على المدينة ، لكن لما لبث ان اختلف الجانبان في كيفية ادارة المدينة ، ونشب حرب بين الطرفين انتصرت على اثرها حركة الشباب ودحرت قوات الحزب الاسلامي بقيادة احمد مدوبي.

ولم ييأس احمدمدوبي من الرجوع الى المدينة بل هيأ جيشا قويا من أجل اعادة السيطرة على المدينة ، ودخلت قواته بالتعاون مع القوات الكينية مدينة كسمايو ودحروا حركة الشباب من المدينة.

تاسيس ولاية جوبالاند

وبعد سيطرته على المدينة سعى احمد مدوبي الى تاسيس ادارة لهذه المناطق، حيث دعا مدوبي لاعيان القبائل والمجتمع المدني في هذه المناطق تأسيس ولاية جوبالاند، وعقد في مقر جامعة كسمايو بمدينة كسمايو مؤتمر لتاسيس الولاية شارك فيه المئات من ابناء هذه المناطق، واختيرا احمد مدوبي رئيسا للولاية.

الا ان الحكومة الفيدرالية عارضت هذا الامر حيث نشبت خلافات بين ادارته وبين الحكومة الفيدرالية الا ان انتهت بتوقيع اتفاقية اديس ابابا في شهر اغسطس عام 2013م ، اعترفت بموجبها الحكومة الفيدرالية ولاية جوبالاند بقيادة احمد محمد اسلام (احمد مدوبي) لفترة انتقالية تنتهي خلال سنتين من توقيع الاتفاقية.

ماذا بعد اتفاقية اديس ابابا

شرعت ادارة احمد مدوبي خلال السنتين التي تلت توقيع اتفاقية اديس ابابا الى تأسيس ولاية تقوم على الاسس الدستورية ، والعمل على جمع اهل هذه المناطق على مائدة الحوار واستكمال مستلزمات قيام ولاية حقيقية تسير على درب الولايات الفيدرالية الاخرى، ومن اهم الانجازات التي عملت عليها الادارة الانتقالية خلال هذين العامين:

  1. كتابة دستور للولاية

من اهم المقومات التي تسوجب القيام لتاسيس ولاية فيدرالية هي كتابة دستور للولاية، لذا شرعت الادارة المؤقته في التحضير لكتابة دستور للولاية يتوافق مع الدستور الصومالي العام ، وعينت لجنة من الخبراء لاعداد مشروع الدستور ، وبعد الانتهاء من اعمال كتابته تم عرض مسودة الدستور على اهل هذه المناطق ، وعقدت ورشات عمل من اجل المناقشة على هذه المسودة الا ان اجيز اخيرا في حاضرة الاقليم المؤقته كسمايوا في الأول من هذا الشهر.

  1. تشكيل برلمان الولاية

من اهم الاشياء التي ركزت عليها الادارة المؤقته تشكيل برلمان للولاية يقوم بالمهمة التشريعية لأعمال الولاية ويقوم بالوجبات الديمقراطية المفروضة عليه ، وقد تم دعوة زعماء العشائر واعيان المجتمع الدولي وبمراقبة من المجتمع الدولي ممثلة بالامم المتحدة ومنظمة الايغاد لبدء عملية تشكيل برلمان الولاية، وقد تم اخيرا استكمال تشكيل اعضاء البرلمان البالغ عددهم 75 عضوا.

  1. الانتخابات الرئاسية

بعد كتابة الدستور وتشكيل برلمان الولاية وانتهاء الفترة الانتقالية وفقا لاتفاقية اديس ابابا ، شرعت ولاية جوبالاند في التحضير لعقد انتخابات رئاسية من اجل اختيار رئيس للولاية.

وقد ترشح لهذه الانتخابات اربع مرشحين من اجل الفوز بمقعد رئاسة الولاية .

وعقدت هذه الانتخابات بمدينة كسمايو في الخامس عشر من هذا الشهر بمراقبة من المجتمع المدني والصحافة الصومالية والعالمية، وصوت اعضاء برلمان الولاية على من سيكون الرئيس الجديد للولاية.

وقد فاز احمد محمد اسلام ( احمد مدوبي) رئيسا جديدا لهذه الولاية بعد نيله على 68 صوتا من اعضاء البرلمان.

وشهدت مناطق جوبالاند وخاصة مدينة كسمايو احتفالات وابتهاجات من اجل الترحيب بعملية اختيار احمد مدوبي.

وفي خطابه بعد اختيار احمد مدوبي ذكر السيد محمد عبدي افي ـــ مندوب منظمة الايغاد في الصومال ـــ ان الانتخابات سارت بالشكل الديمقراطي وكانت نزيهة وشفافة بالشكل المطلوب ، وان جوبالاند تجاوزت الفترة الانتقالية، وحث الرئيس الجديد على العمل على استكمال المهمات الدستورية المفروضة عليه ، والسعي الى قيادة جوبالاند الى الاستقرار والرخاء.

ماذا بعد اختيار احمد مدوبي؟

بعد المخاض العسير التي مرت به ولاية جوبالاند تمكن برلمان الولاية من اختيار احمد مدوبي رئيسا جديدا للولاية ، الا ان هناك عقبات جمة امام الرئيس الجديد ، لذا يكون السؤال الرئيسي كيف يتمكن احمد مدوبي وحكومته من اجتياز هذه العقبات وقيادة الولاية الى برً الامان وبسط الامن والاستقرار في هذه الولاية، وسنستعرض فيما يلي اهم العقبات التي تواجه الرئيس الجديد.

  1. ملف المصالحة

رغم ان حكومة الولاية عقدت الكثير من مؤتمرات المصالحة لعشائر وسكان هذه المناطق، الا انه ما زال هناك بعض السياسيين وابناء هذه المناطق ما زالوا يعترضون على كيفية ادارة احمد مدوبي وحكومته للولاية ، لذا سيكون ملف المصالحة بين عشائر وابناء هذه الولاية من اهم التحديات التي تواجه الرئيس الجديد من اجل استكمالها والوصول الى مصالحة حقيقية بين سكان الولاية.

  1. ملف العلاقة مع الحكومة الفيدرالية

خلال السنتين الماضيتين من حكم الادارة المؤقته لجوبالاند شهدت العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة جوبالاند نوعا من التوتر وصلت في بعض الاحيان الى التدهور وقطع العلاقة فيما بينهماز

ويتهم كثير من سياسي المنطقة الحكومة الفيدرالية الى انها ليست جادة في تحسين علاقاتها مع الولاية وانها لا تكترث بأمور الولاية بينما تسعى الى تحسين علاقاتها مع بعض الولايات الاخرى وعمل دعايات لها، بينما يرى انصار الحكومة الى ان احمد مدوبي وحكومته يسعون الى الاستقلال الاداري عن الحكومة والتعامل بمبدأ المساواة مع الحكومة الفيدرالية.

وقد صوت البرلمان الفيدرالي على عدم شرعية برلمان الولاية ، مما ادى الى تدهور العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند وصل الى حد قطع العلاقات فيما بينهما، الا انه وبعد زيارات مكوكية قام بها كل من الرئيس الصومالي حسن شيح محمود ورئيس الوزراء عمر عبد الرشيد الى كسمايو تم الاتفاق على تأسيس لجنة مشتركة فيما بينهم للنظر في هذه الامور وكيفية ايجاد الحلول لها.

لذا يعد هذا الملف من اهم الملفات التي تحتاج من الرئيس الجديد وحكومته وضع سياسة تصالحية مع الحكومة الفيدرالية والوصول الى حلول من اجل تحسين العلاقة فيما بينهما؟

  1. ملف الأمن

يعد ملف الامن من اهم الملفات التي تواجه الحكومة الجديدة ، ويعد هذا الملف عموما من اهم الملفات التي ينظر اليها انه اهم تحدٍ امام حكومة احمد مدوبي ، ففي هذه المناطق ما زالت حركة الشباب تتمتع بنفوذ كبير وتسيطر على كامل اقليم جوبا الوسطى ، فكيف تواجه حكومة احمد مدوبي هذا الملف وكيف تتمكن حكومته من تقوية امن المناطق التي تسيطر عليها حاليا،وكيف تسيطر على جميع مناطق الولاية ذاك مما تجيب عنه الاشهر المقبلة.

  1. تأسيس ولاية قائمة على  العمل بالدستور

بما ان الدستور قد استكمل وقد شكل البرلمان وبدأت الحكومة اعادة جزء من النظام القضائي للولاية ، فإنه يتوجب الفصل بين هذه السلطات وقيام كل سلطة بمهامها واختصاصاتها حسب دستور الولاية الموائم للدستور الفيدرالي ، وتأسيس نظام قضائي متكامل للولاية له فروعه المتنوعة ويصل لجميع مناطق الولاية ، وشروع السلطة التشريعية بمهام التشريع ومحاسبة الجهاز التنفيذي ، وقيام الحكومة بالادوار المطلوبة منها .

  1. ملف استيعاب المثقفين والشباب العاطلين

بما ان الولاية تجاوزت الفترة الانتقالية ، فإنه من المتوقع وصول عدد كبير من مثقفي هذه المناطق ورجال الاعمال والعمال ، لذا يتوجب على الحكومة الجديدة ايجاد بيئة صالحة لاستيعابهم وايجاد مشاريع لاستثمار خيرات الولاية واستيعاب عدد كبير من العمال وايجاد فرص عمل حقيقية لقطاع العمال خاصة الشباب العاطلين عن العمل والذي يأملون الكثير من الحكومة الجديدة

 

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى