جوبالاند.. الأهمية الاستراتيجية وآفاق المستقبل(1-3)

تشكل منطقة جوبالاند في الصومال التي تشمل محافظات جوبا الوسطى، جوبا السفلى، وجذو أهمية قصوى بالنسة للقوى المحلية والاقليمية والدولية لما تتمتع من مزايا لا تتوفر لغيرها من المناطق الصومالية الأخرى وباعتبار وقوعها في الحدود مع اثيوبيا وكينيا المحمي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي تعمل بكل ما في وسعها لتكون جوبالاند حذيقتها الخلفية والقبة الحديدة لاعتراض هجمات حركة الشباب ضد بلدها.

بالاضافة الي ذلك تكتسب جوبالاند أهمية خاصة من موقعها الجيو الاستراتيجي المطل على المحيط الهندي والواقع على خط الإستواء، وما تتمتع به من ثروات طبيعية هائلة حباها الله دون غيرها من المناطق الاخرى، حيث اكتشفت مؤخرا كميات كبيرة من البترول والغاز الطبيعي في الحدود البحري المتنازع عليه بين الصومال وكينيا، في حين تشكل الاراضي الصالحة للزراعة في منطقة جوبالاند غالبية مساحة الاقليم وتقدر تلك الاراضي الزراعية اكثر من 450 هيكتار[1]، كما تغطي اجزاء كبيرة من الاقليم ادغال كثيفة بسبب الامطار الكثيفة التي تهطل فيها طوال العام.

الموقع والحدود

يقع الاقليم في أقصى جنوب الصومال، في الحدود مع كينيا، ويجري بها المجري الأدنى لنهر جوبا، الذي يعتبر صالحا للملاحمة حتى بارديري الواقعة على بعد ٣٠٠ كليو متر في وسط اقليم زراعي. ويصب نهر جوبا في المحيط الهندي عند ميناء كسمايو الذي يمتاز بهدوئه[2]. ويحده من الغرب اقليم انفدي شمال شرق كينيا ومن الشمال اثيوبيا ومن الشرق اقليم شبيلي السفلى، باي وبكول ومن الجنوب محيط الهندي وعاصمته مدينة كسمايو الساحلية وفيها احدى أكبر المواني في المناطق الجنوبية. ويعتبر ميناء كسمايو الهام الثاني بعد ميناء مقديشو.

عدد السكان والمساحة

يقدر عدد سكان الاقليم بـ ١.٣ مليون نسمة ومساحته تصل حوالي 87,000 كلم مربع[3]. ويتمع الاقليم بثروات طبيعة هائلة ولا سيما الثروة الحيوانية والثروة السمكية والزاعة، ويمر بها نهر جوبا اكبر الأنهار في الصومال.

الثروات الطبيعية:

الثروة الرئيسية في الصومال هي الثروة الحيوانية ، وبصفة خاصة الابل والماشية والاغنام والماعز، وتمثل العمود الفقري للحرفة الصومالية، وتحتل المركز الاول من تجارة الصادرات ،والمركز الأول في عدد العاملين في هذا الميدان، وهذه القطاعات تشكل 75% من السكان كرعاة للماشية، حيث توجد بها مالا يقل عن 40- 50 ميلون رأس من الابل والبقر والغنم والماعزوغير ذلك[4]

ويشغل السواد الأعظم من الصومالين برعي الماشية، ويقاس المرء بمقدار ما يملكه الشخص من رؤس الماشية، كما يستخدم في دفع المهور والدية ويتجاوز بسبة المتشغلين في هذه الحرفة حوالي ٨٥٪ من السكان، ولقد ساعد على انتشار هذه الحرفة بين السكان حتى أنها تعتبر بحق الحرفة الاساسية لهم كثرة الشعب الذي يغطي مساحات شاسعة من البلاد نتيجة لسقوط بعض الامطار في فصل الصيف وتصلح هذه الاعشاب لتربية الإبل والماعز والاغنام والابقار مع ملاحظة أن الأغنام والأبقار تصلح تربيتها في المناطق التي تتمتع بوفرة الأعشاب نتيجة لكثرة الأمطار فيها نسبيا بينما الابل والماعز منتشر في المراعي الفقيرة.[5]

وبالتالي فمنطقة جوبالاند على رأس تلك المناطق الغنية بالثروة الحيوانية وتمتلك ثروة حيوانية هائلة تشمل الابقار والاغنام والأبل وكانت عائدات قطاع الثروة الحيوانية جزاء كبيرا من ميزانية الدولة في الحكومات السابقة وكانت ميناء كسمايو المنفذ البحري العام لتصدير المواشي الي الخارج وبحسب وزير الثروة الحيوانية في حكومة سياد بري كان ٣٠٪ من نسبة المواشي التي تم اصدارها الي الخارج عبر ميناء كسمايو، ولأهيمة منطقة جوبالاند انشاء فيها مصنع لانتاج اللحوم والتي كانت تصدر سنويا ٦٠ رأس ماشية [6].

الأهمية الاقتصادية

أما أهميتها الاقتصادية فتكمن في الثروات السمكية والحيوانية وخصوبة أراضيها ووقوعها على ضفاف وادي جوبا، ولهذه الأهمية خصّص الرئيس السابق سياد بري وزارة خاصة سماها “وزارة وادي جوبا”، وكانت التقارير في ذلك الحين تؤكد على أن الوادي يمكنه أن يؤمّن معيشة أربعين مليون نسمة، وقد زرعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة(الفاو) في ذلك الوقت بساتين في المدينة اعتُبِرت أنجح مشروع زراعي في الصومال خلال العقدين السابقين إلا أنه تضرر نتيجة القتال بين القبائل ، يُضاف إلى ذلك النفط الذي اكتُشف أخيرًا على ضفاف المحيط والذي أصبح موضع اهتمام كبير على مستوى العالم.

نتيجة لهذه الأهمية صارت جوبالاند محط انظار الجميع وخصوصا الحكومة الاتحادية وقوى اقليمية تبحث عن موطئ قدم في المنطقة ولا سيما إثيوبيا وكينيا اللتان يعتبران جوبالاند جزاء من أمنهما القومي ويدعمان بشكل قوي احمد اسلان مدوي رئيس الاقليم باعتباره حليفا استراتيجا لهما وأداة ضغط ضد الحكومة الإتحادية .

ظروف النشأة

لم يكن إنشاء إدارة جوبالاند بحلتها الجديدة أمر ا سهلا على الاطلاق ، واستغرقت عملية انشائها مدة طويلة نتيجة صراعات بين القوى الاقليمية والحكومة الاتحادية على هيمنة المنطقة ولم تترك الحكومة الاتحادية سبيلا لوضع بصمتها على الإدارة. فقامت بدعم مليشيات مسلحة يقودها العقيد بري هيرالي للانقلاب على شرعية مدوي المدعوم من قبل القوات الكينية في الاقليم وكذلك تقدمت بشكوي الي الامم المتحدة ضد كينيا بشأن دورها في كسمايو.

لكن هذه التحركات الهادفة الي وضع حد لطموح احمد مدوي ووقف القوة الجديدة التي تطلع من الجنوب لم تكلل بالنجاح، واضطر الحكومة والرئيس حسن وبعد مفاوضات سياسية معقدة قادها وزير العدل السابق فارح شيخ عبد القادر الذهاب الي اديس أبابا وابرام اتفاق يقضي بانشاء إدارة مؤقتة يقودها احمد مدوبي تعمل لمدة عامين، وهذه المدة انتهت في١٥ من الشهر الجاري.

رغم هذا الاتفاق لم تتخل الحكومة الفدرالية بوضع العصي على دواليب جوبالاند لإعادة الي بيت الطاعة ولم تأل جهدا في منع ايجاد استقرار سياسي في كسمايو فيما يبدو حتى لا يتفرغ اسلان مدوي لامور اخرى تضيق الحناق للحكومة الفدرالية والرئيس حسن شخ محمود وكان آخر هذه المحاولات تصويت البرلمان الاتحادي على حل برلمان جوبالاند مما اغضب الرئيس احمد مادوبي والذي اعلن بدوره عن تعليق علاقاته مع الحكومة المركزية، ردا على تلك الخطوة التي كانت مفاجأة بكل المقاييس. وكان هدف الحكومة من هذه الخطوة قطع الطريق على الاتنخابات الرئاسية كانت مقررة اجراؤها في جوبالاند يوم 15 من شهر اغسطس الجاري والتشكيك في شرعية احمد مدوي ان فاز بهذه الانتخابات. ومن جانبها واصلت إدارة جوبالاند تحديدها للنظام في مقديشو وقررت اجراء الانتخابات ضاربة عرض الحائط قرار البرلمان الاتحادي المتعلق بحل برلمان جوبالاند ورفضت التزام باتفاقية اديس أبابا. وفي الجزء الثاني من المقال نحاول الاستشراف على مستقبل جوبالاند وعلاقتها مع القوى المحلية والاقليمية ، وماهي الخطوات المطلوبة لمواجهة التحديات التي تعتري طريقها ولتحقق انجازات على كافة الأصعدة.

[1]  الصراع والخلاف في جوبالاند .. دراسة منشورة باللغة الصومالية، مركز(siposs) ص 6

[2] الصومال وطنا وشعبا، للدكتور محمد عبد المنعم يونس، ص 72

[3][3] – جوبالاند والصراع على ثرواتها مرجع سابق ص9

[4] – الصومال .. عبد الله هاني رجب عطا الله ، بحث مقدم لمجلس شؤون عربية افريقية. ص32

[5] – احمد صوار، .. الصومال الكبير، كتب سياسية.. الكتاب 121

[6] – الصراع والخلاف في جوبالاند. مرجع سابق ص9

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى