تجديد الفكر الإسلامي ومساراته في الصومال (ركن اسبوعي 5)

التجديد عند الشيخ علي عبد الرحمن المجيرتيني

هو الشيخ الشاعر علي بن عبد الرحمن فقيه هو نموذج من العلماء الصووماليين الموسوعيين الذين ظهرت على أيديهم مظاهر التجديد الإسلامي، في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي تصحيحا ونقدا وتأصيلا وتأليفا، كما سنرى ذلك عند ذكر ملامح هذا التجديد.

حياته ورحلاته العلمية

ولد رحمه الله في بادية منطقة نوجال سنة 1787م على وجه التقريب ، ونشأ في حجر والديه نشأة في ظل الثقافة الدينية حيث كان أبوه عالما فقيها اشتهر بفقي خيرى، وفي هذه الأجواء العلمية تلقى بدايات العلوم الشرعية واللغوية تحت رعاية العالمين المذكورين – أبيه وخاله ،وما أن تفتحت أمامه سبل المعرفة وقويت مداركه العلمية حتى ارتحل إلى الحجاز قاصدا حج بيت الله الحرام ،والتقى هناك علماء مكة والمدينة واستفاد منهم ثم توجه إلى البصرة لطب العلم ، وقام فيها مدة من الزمن درس العلم فيها على يد جماعة من العلماء خاصة علوم الآلة ثم ذهب إلى بغداد، وقصد كلا من البصرة والكوفة ولقي فصحاء العراقيين ، حيث مكث في كل منها عدة سنوات؛ لأتقان الشعر والعروض والقوافي والتبحر في علوم المنطق والرياضيات وعلوم الجغرافيا والمساحة والكيمياء وعلم الفلك ،وأخذ عن علمائها حينئذ علوم الشريعة كالتفسير والحديث والفقه،[1] وازداد شغفه بالسياحة والتجوال لطلب العلم فزار الشام ثم اليمن ثم الهند وكذلك زنجبار وبها تزوج ولا يزال هناك بعض ذريته اندمجوا في سكانها-حسب روايات شفوية من ذريته- وكذلك بقي بعض ذريته في الحجاز ، وبنى في مكة مسجدا ، وبعد تجوله في كثير من بلدان العالم الإسلامي ، وتحصيله لكثير من المعارف ، والعلوم الشرعيه المختلفة عاد إلى بلاده ، وشرع في نشر العلوم ، وإزالة الجهل الذي وقر في نفوس كثير من أبناء الشعب الصومالي، فأسس عدة مراكز لنشر العلم في عدة مناطق من أهمها : روح (  Rooxa )على بعد 50 كيلو شمال جالكعيو و(حلن ) )(xalin ) وجد آلو ( God aalo  ) ولاسعانود، وكان يتجول في القبائل الصومالية في مناطق الشرق يدرس أحوالها ، ويصلح ما يجري فيها من الخلافات والتعصب القبلي، وكان الشيخ علاّمة كبيرا متعدد المواهب فكان مفسرا فقيها ، شاعرا أديبا باللغتين الصومالية والعربية وإن كانت أشعاره بالعربية أقل من أشعاره الصومالية ، مما يدل على  خبرته الواسعة وتمكنه من ناصية اللغة ، وتفوقه في فن العروض والقافيه.

شيوخه : أولهم الشيخ فقيه بن إدريس وهو خاله الذي تلقى على يده مبادئ العلوم الشرعية واللغوية حتى تأهل للرحلة إلى الخارج ، ولا شك أن الشيخ علي- رحمه الله –  لقي كثيرا من الشيوخ  استفاد منهم ، وتخرّج علي يدهم في  فنون العلم ، في أثناء رحلاته التي امتدت فترة في أرجاء واسعة من  العالم الإسلامي وللأسف لم نظفر بمرجع يبين أسماء أولئك الشيوخ.

انتقاله إلى مركا ووفاته :انتقل الشيخ إلى منطقة الشبيلى السفلى بعد أن يئس من إقبال أهالي مناطق نجال وحواليها وهناك لقي ترحيبا حارا من أهالي مركة ونواحيها ،وقد نزل الشيخ في عجارن Cagaaran  قرب مدينة مركا ، وأسس فيها مركزا علميا كبيرا وبنى فيها مسجدا كان من خلاله ينشر العلم الشرعي توفي الشيخ علي رحمه الله مابين عامي 1852-1854م  في عجارن التابعة لمدينة مركا التي تبعد 90 كيلا من مقديشو جنوبا على ساحل المحيط الهندي.

عصر الشيخ –رحمه الله-

عاش الشيخ على -رحمه الله- بفترة تميزت بتغيرات سياسية واجتماعية واسعة النطاق في القرن التاسع عشر الميلادي حيث ظهر شبح الاستعمار الأوربي على أجزاء من العالم الإسلامي فما أن فتح عينه على هذه الدنيا حتى احتلت فرنسا مصر عام 1798م وأما الجزائر فقد احتلها عام 1830م واحتلت بريطانيا مرفأ عدن في حياته 1839م وظهرت طلائع المبشرين والرحالين تجوب في شرق إفريقيا، ولم تكن تلك الأحداث تكفي لإيقاظ الشعب الصومالي الذي يعيش في منطقة نائية عن مركز الأحداث ، ويعيش حياته الطبيعية في الأراضي الشاسعة التي يقطنها في القرن الإفريقي ، ولم ينتبه إلى ما يحاك ضده من مؤامرات، ولكن رحلات الشيخ إلى أجزاء من العالم الإسلامي ،وتبحره في شتى العلوم مكنته من فهم الظروف التي كان يعيشها العالم الإسلامي ، ويتنبأ من قد يستجد من أحوال ، فحاول تنبيه قومه على المخاطر التي هم مقبلون عليها والتي تستدعي التحرك، ولذلك فإن جهوده الإصلاحية لم تجد حظها من التجاوب، وقال راقم سيرته الشيخ جامع عمر عيسى إن الحاج على المجيرتيني كان بطلا مغوارا ، وقد عاصر بداية التغلغل الاستعماري، ومحاولاتهم الأولى للحصول على موطئ قدم في السواحل الإسلامية مثل عدن التي احتلوها عام 1839م  ، ولم يكن بأقل علما ولا وعيا بمخاطر غزو النصارى من قائد الدروايش السيد محمد عبد الله حسن؛ ورغم اجتهاده  في جمع الأنصار حول مشروعه، وتوقانه للجهاد وكان تواقا للجهاد، ومناوأة النصارى الغزاة ولكن الظروف الزمنية المواتية التي ساعدت قائد الدراويش السيد محمد عبد الله حسن لم تتوفر في زمنه، وهي وضوح أمر المستعمر الذي فرض حكمه على الصوماليين ووضعهم تحت رحمة الحديد والنار والإتاوات.

تكوينه العلمي والفكري

المتفق عليه بين المؤرخين الذين تناولوا سيرته والروايات الشفاهية عن أسرته أن الشيخ في بداية الطلب ارتحل إلى أرض الحجاز وسواء أكان دافع رحلته الأولى طلب العلم أو للحج  فإنه مكث في أرض الحرمين مدة تكفي لتخريجه عالما فذا ظهرت فيه كفاياته ومواهبه العلمية مزدانه بذكائه الخارق وألمعيته الجبارة ، وبعد أن عاد إلى بلاده رجع ثانية إلى الحجاز، وفي هذه الرحلة التقى بتلاميذ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في مكة المكرمة[2]، والأرجح أن ذلك أثناء حكم الدولة السعودية الأولى على الحجاز بعد أن استولت جيوشها الحرمين سنة 1223هـ 1811م ويبدو أنه رحلته الأولى لم تخل من متابعة لتأثير دعوة الإمام والمجادلات العلمية والردود التي صاحبتها إذ أن وجوده في الحرمين يعطية فرصة الاطلاع واستماع آراء كل فريق عن كثب

ملامح التجديد المنهجية لدى الشيخ

وللأسف فإن المصادر المتوفّرة حاليا عن الشيخ لا تضع بين أيدينا معلومات كافية عن نشاط الشيخ في مناطق الشرق التي قدمها أولا قبل انتقاله إلى المناطق الجنوبية إذ كانت هناك سلطنات محلية أو مشيخات استرابت في أمر الشيخ ورأت في بعض مشروعات الشيخ الإصلاحية اعتداء على سلطاتها فآثر الانتقال إلى جنوب الصومال بعد صراع مرير استمرّ فترة من الزمن لا نملك تحديده ، والقليل مما حفظ عن حياته المليئة بالصراع والكفاح يدل على أنه تميز بمشروع ومنهج تغيير وإصلاحي يدل على الأصالة والتجديد ومنها ما يلي:

. التحرر العقلي ونبذ الإيمان بالخرافات

تميز منهج الشيخ علي بن عبد الرحمن العلمي بتصحيح الفكر والتحرر من سلطة التقليد والأوهام وتقديس الأشخاص الذي شاع في عصره، بل ومناصرته لآراء الإصلاح الديني في الجزيرة العربية، وهي أول تحول منهجي نجده في التاريخ الصومالي المعاصر، وهذا ظاهر في مخطوطته السالفة الذكر ( الأجوبة الغيبية) ورسالته إلى زعماء القواسم وهي مطبوعة حيث عد في رسالته (الأجوبة الغيبية) الإمام محمد بن عبد الوهاب من المجددين بدأ من عمر بن عبد العزيز إلى أن قال ( وللحادية عشرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) مما يدل على أنه كان سلفي المعتقد ،وأيضا في أشعاره الصومالية  دلالات على ذلك مثل قوله ما معناه : إني لا آكل ما أهل لغير الله ولا ذبائح القبور ، هذا هو منهجه العام ولكن بعض أشعاره يفهم منها أنه جارى المذهب الصوفي الذي كان سائدا في المنطقة كما يظهر من بعض الأبيات في قصيدة له مشهورة متداولة اعتمد فيها حروف الهجاء من الألف إلى الياء وهي مشهورة متداولة بين حفظة الشعر ورواة التاريخ في الصومال .

  • الروح الجهادية والوعي الإصلاحي

في بداية القرن التاسع عشر وصل العمانيون من الأسرة البوسعيدية سواحل الصومال ، وشرق إفريقيا ، وكان الصوماليون وخصوصا في المناطق الشرقية استاءوا من تصرّفات سلاطين هذه الأسرة وموالاتهم للأوربيين ، فاستنجدوا بأسرة القواسم الذين أجمع المؤرخون على أنهم كانوا في تلك الفترة أهم قوّة بحرية وبريّة في الخليج العربي ، فقد سيطروا في هذا الوقت على شئون الخليج نتيجة لصلابتهم وشجعاتهم [3] وقد استجاب الشيخ سلطان بن صقر لتلك الرسالة وأسرع  بإرسال سفينة لنجدة إخوانه عرب الصومال[4] . وكانت الصومال حينئذ تحت نظر التاج العثماني[5] ويقول في رسالته للقاسمي: “..فيجب عليك أن تمدنا برجال وأموال وتساعدنا بسواعي وأقوال لأنك إذا أمرت السواعي المساعرة (الأصل) والرجال المسافرة أن يساعدونا بتفافيق( يعني البنادق) والسفن ويحاربون معنا على الكلاب والكفار العفن فنسألك بوجه الإله الذي لا يجوز رد السائلين به أن تساعدنا وتمدنا بالإعانة الواجبة عليك لقوله-صلى الله عليه وسلم- ( الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” ويورد النصوص مثل: ” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ”  ” وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ” وقال صلى الله عليه وسلم ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ..الحديث وقال صلى الله عليه  وسلم ( لأن يهدي الله بك رجلا  واحدا خير لك من حمر النعم ) وقال –صلى الله عليه وسلم- ” من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ” وبعد إيراده للنصوص السالفة وغيرها يدعوه إلى نصرة الصوماليين قائلا : ” فيجب عليك أن تتعاون باليد واللسان ويجب علينا السمع والطاعة..”[6].

والجهاد هو المشروع الذي نذر الشيخ لنفسه ، ويبدو أن النجدة التي توقعها من زعماء القواسم السنيين تأخرت أو لم تتمكن لسبب أو لآخر ، فتعجل وفارق أرض مجيرتينيا وتوجه بطلابه ومشرعه الجهادي إلى جنوب الصومال، حيث سمع بالحركة التصحيحية التي حارب الشركيات وفرضت تطبيق الشريعة في بارطيرى فتحرك وتوجه إلى ملك زنجبار مكرها واستمد منه السلاح فأعطاه سلاحا محملا في عدة سفن ورجال، وقد نصر البيماليين ووقف إلى جانبهم في حربهم لسطان جيلدي المغرور الذي أخمد حركة تطبيق الشريعة التي ظهرت في بارطيرى.

  • الدعوة إلى تطبيق الشريعة

كان رحمه الله مصلحا ثائرا على كثير من  الأوضاع القائمة ، ولكن الأوضاع اختلفت عند الرجلين في عهد الأخير لم يكن هناك قوات أجنبية كافرة يقاتلها أو عدوٌّ يجابهه من ولكن وجد تضييعاً للعمل بالشريعة من جانب السلاطين والأمراء المحليين الذين لا يقيمون وزنا لدين الله ولا يعملون به فوجّه إليهم سهام حربه  …قاتل مع السلطان نور عثمان وترك لأجله منطقة الشرق ، وحارب يوسف محمود ، وحارب أيضا مع بعض رؤساء هذه المنطقة ( نجال ونواحيها ) وهاجم بربرة وحاول الاستيلاء عليها هاجم عدة مواقع أخرى أما السيد محمد فكان همه منصبا حول الجهاد ومقاومة المستعمر فلم يجد فرصة لبناء حركة علمية[7] . التألم من تضييع ملوك المسلمين لتطبيق الشريعة ؛ لأنه قال في مقدمة الرسالة : ” فإن ملوك أهل الإسلام ضيعوا سياسة الشريعة، ولينوا أركانها المنيعة، ونادموا سلاطين الكفار” وهو السبب الذي من أجله تحول إلى مرحلة التطبيق والفعل ، هاجر أرض المجيرتين إلى مدينة مركا بعد أن سمع أخبار حركة تجديدية وهي حركة بارطيرى التي سعت لتطبيق الشريعة يتزعمها الشريف عبد الرحمن وشريف إبراهيم، وقد احتلت قوات يقودها الشريفان مدينة براوة عام 1840م ، وطبقوا الشريعة الإسلامية بقوة السلاح، وكان الاستيلاء على براوة وهي معقل للطريقة القادرية أثار القلق والخوف في قلب سلطان جليدي السلطان يوسف محمد، وسلطان قبيلة هنتري الشيخ مادو مهد معلم، وكلاهما درس العلوم الدينية فترة سابقة في مدينة براوة [8]. وكانت سلطنة بيمال التي تقع مركزها في مركا متحالفة مع الحركة الدينية التي ظهرت في برطيرا كما تقتضيه التحالفات السياسية؛ لكون البيمال خصوم سلطان جليدي الأشداء, وفي عام 1843م أغار سلطان جليدي السلطان يوسف محمود الحركة الدينية التي ظهرت في باطيرا…والتي تزعمها الشريفان المذكوران، وكان معه جيشا عرمرم قدر بأربعين ألفا من قبائل شتى، واستمرت المعارك أياما، وانتهت بانتصار حاسم لسلطان جيلدي يوسف محمود، وعندما عاد إلى مقر سلطنته مدينة أفجويى ونواحيها أراد القضاء على شوكة بيمال واستمرت المعارك التي شارك فيها الشيخ علي المجيرتيني كل ذلك دفاعا عن التحالف الذي أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية، وتوفي الشيخ علي المجيرتيني بموضع قرب مركا عاصمة البيمال عام 1852 تقريبا.

  • اصلاح المناهج العلمية

وهكذا فإن من أهم سمات المجدد أن يولي عناية للمنابع التي تصنع الفكر، ويعمل فيها يد الإصلاح والتنقيح ودوره في هذا المجال –رحمه الله -يتضح تمام الوضوح من إلقاء نظرة سريعة على رسالته السالفة الذكر ، وفي رسالته إلى زعماء القواسم ، حيث ضمنها منهجه التجديدي، ونظراته النقدية لبعض العلوم التي شاعت في عصره، ومن ملامح ذلك الإكثار من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة ، ودعوته إلى تصفية المنهج العلمي مما يتعارض مع ظاهر علوم الشريعة كالسحر والتنجيم وعلوم الفلسفة فيقول موجها نقده للأسراريين في صفحة 19 ( فيا ويح من بعد في الدنيا من الأبرار وسير غدا من الكفرة ) وقال في موضع آخر ص6 وهو يرد السائل في علم الأسرار( مع أني لست ممن يعجبه غير علم الشريعة، لأن ما سواها إما محرمة شنيعة، وإما هي إلى وصولها ذريعة غدا ليس في غيرها ما ينفع صاحبه في الآخرة ، ولا أحكام فصل الحكومات حاشرة ، ولا مواعظ لذوي الاعتبار زاجرة ، ولا آيات للتحليل والتحريم ، ولا سنن للنواهي والأوامر آمرة ناهية ) وقال في موضع آخر من المخطوطة ينتقد الفلسفة ( وفي وريقتك ما تلمح به إلى طعن الشريعة ونقضها فحينئذ لا يجوز لمن له مسكة أن يسكت عن فحصها كيف وقد أفتى برد شهادة الفيلسوف أئمة فحول بلغوا حد الألوف ، ورجع الغزالي إلى تحريمها .. . )) [9]

  • اهتمامه الشديد بالمسائل العقدية

تدل تآليفه ورسائله على اهتمامه بالمقولات الإسلامية وكثرة دوران مصطلحات مثل البدعة والسنة والتوحيد والشرك والتنديد ؛ والموالاة على أساس السنة فها هو يفر من سلطان زنجبار الخارجي –حسب تعبيره- إلى سلاطين أسرة القواسم ( أجداد حكام إمارة الشارقة اليوم) وكانت بينهما معاداة في الخليج، كما نجد أن له ولعا شديدا في نقد الانحرافات ، والرد على المذاهب الباطلة وهو في رسالته إلى زعماء القواسم يتهم سعيد بن سلطان ( و قد زاره في مقره بزنجبار) ملك أرض السواحل العماني بأنه خارجي وليس من أهل السنة والجماعة، وملامح الوعي تضمنتها الأشعار التي يرويها العامة التي دلت استنارته وتقدمه على عصره ..قال الشيخ عبد القادر نور فارح – رحمه الله – :إن قبره في عجارن أصبح مزارا للصوفية مع موقفه الشديد من مظاهر الانحراف العقدي، وقد سمعنا من كبار السن يقولون للزوار: (إن الشيخ علي المجيرتيني لم يأذن أن تقتربوا من قبره أكثر من كذا مسافة فلا تجاوزوه)[10].

  • التأليف

ألف –رحمه الله – في معظم فنون العلوم الشرعية واللغوية والعلوم العقلية كالحكمة والهيئة والهندسة والفلك والكيمياء علما بأن هذه العلوم كانت تدرّس في مراكز العلم في العالم الإسلامي كالأزهر ، فقد وصف أحد الرحالين الأوربيين المسيو بونة موري برامج التعليم في الجامعات الكبيرة في العالم الإسلامي مثل الأزهر في مصر ، والقرويين في فاس ، والزيتونة في تونس وغيرها فقال : إن العلوم التي فيها تنقسم إلى قسمين : الأول : العلوم الإعدادية ( ما يسمونه بالآلات ) كالنحو والصرف والبيان والمنطق والقراءة والعروض والحساب والجبر ، والثاني : العقائد وأدب الدين وأسباب التنزيل والحديث والفقه ( قال ) : ويقرؤون في بعض مدارس فاس الكيمياء والطب والهندسة والإنشاء والتصوّف والموسيقى[11].” والأرتماطيقى والمساحة والجبر والمقابلة والتقويم، وكان الجبرتي أستاذ علم الفلك في الأزهر [12]

ولشدة تمكنه من شتى العلوم أكثر من التأليف ففي التفسير ألف كتابا حاول فيه تبيسط (تفسير الجلالين) وسمّاه: (إرساء الجبلين لإرساخ تفسير الجلالين) كما وضع كتابا آخر يفسر فيه بعض السور من القرآن الكريم ، وهذا الكتاب شرح أوائل السور وسمّاه : ” تنبيه أولى العبر إلى بمعاني فواتح السور” وفي القراءات ألف (شرح عقيلة الأتراب للإمام الشاطبي في الخط العثماني) وسماه ( كشف النقاب عن عقيلة الأتراب ) وألف رسالة أخرى شرح فيها بسم الله الرحمن الرحيم في كتابه شرح بسم الله الرحمن الرحيم وسمّاها ( القرطلة الجامعة في أسرار البسملة ) وفي اللغة ألف شرح القاموس المحيط واسمه ( الناموس النشيط ) المنبئ عن القاموس المحيط، وفي الفقه ألف (كشف الغمام عن أحكام مخالفي الإمام) وكشف القناع عند أولى التعصب والابتداء ( كذا ) و(القول المقبول بتحريم الملاهي والطبول) ، كما ألف فتاواه بعنوان (فتح المولى في أجوبة الشيخ علي) وفي المساجلات العلمية ألف رسالة ( الأجوبة الغيبية للسؤلات الغربية) وهي عبارة عن عدة أجوبة عن أسئلة وجهها إليه الشيخ عبد القادر حاج البكري حول غرائب علومه منها علم الهندسة وعلم الهيئة وعلم الكيمياء والارتماطيقى وعلم الحرف الطبيعي وعود الاكسير وشجرة عوسج وعشرة المقولات واستخدام الأرواح ، ومع ضخامة تلك التأليفات إلا أنه لم يعثر منها إلا رسالتان: إحداهما مخطوطة ألفها بتاريخ 1242هجرية وهي ( الأجوبة الغيبية عن السؤالات الغربية) والثانية هي رسالته إلى زعماء القواسم في الخليج العربي، وهي رسالة مطبوعة، ولقد حفظت هذه المخطوطة ( الأجوبة الغيبية)[13] أسماء معظم مؤلفاته ،ولو وصلت إلينا لكانت إسهاما مضيئا لعلمائنا في بناء صرح الحضارة الإسلامية كما كشفت المخطوطة عن جوانب مهمة من الحركة العلمية ودلت على توفر علوم كثيرة في مراكز العلم في بلادنا مثل علم القراءات والتجويد والعلوم العقلية .

 المراجع والهوامش:

[1] – الشيخ جامع عمر عيسى، صفحات من تاريخ العلامة علي عبد الرحمن فقيه (1787م -1852م) طبعه بصنعاء 1430هـ 2009م

[2] – الشيخ جامع عمر عيسى، صفحات من تاريخ العلامة، مصدر سابق.

[3] – رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي 1837 الطابعون : دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، الشارقة، إ.ع.م سنة الطبع: 1996  ص: 142 قلت: هذه الرسالة طبعت سنة 1996 ، وقد نسبها محققها الدكتور محمد القاسمي حاكم الشارقة إلى زعماء الجرحجس من قبيلة الإسحاق القاطنة شمال الصومال، لأنه حين أراد تحقيق المخطوطة بحث في الإمارات لعله يهتدي إلى من يعرف شيئا عن كاتب الوثيقة فصادف رجالا من الإسحاق وأخبروه ذلك؛ ولكن المؤرخ جامع عمر عيسى استنادا إلى النقد الخارجي ( إثبات الوثيقة بالسند إلى مصدرها) والنقد الداخلي للوثيقة ( اتساق المعلومات مع الأحوال وخلوها من التناقض) والأسماء الواردة سواء الحاج علي كاتب الرسالة والسلطان فارح حرسي شخصيتان معروفتا النسب والسيرة ، ومعروف علاقة أحدهما بالآخر مما أثبت صحة نسبتها إلى الحاج علي بنسبة تكاد تصل إلى 100%. انظر ترجمة شيخ المؤرخين الصوماليين، إعداد محمد عمر أحمد، مخطوط

[4] – نفس المصد، ص: 144.

[5] – نفس المصدر السابق، ص   : 181

[6] –  نفس المصدر السابق.

[7] – رواية شفهية سمعتها منه رحمه الله.

[8] – أورد أخبار شي من تلك الحوادث، فارح محمود محمد ، مذكرات في التاريخ الصومالي، من 1400-2000م. ط 2004، كلمبوس أوهايو.

[9] – الشيخ جامع عمر عيسى، صفحات من تاريخ العلامة علي عبد الرحمن،  انظر كذلك إلى : مسيرة الإسلام في الصومال الكبير  للشيخ عبد الله عمر نور ص : 119-120 مخطوط وقد طبع فيما بعد .

[10] – مذكرات داعية، لقاء مع الشيخ ، مخطوط.

[11] – حاضر العالم الإسلامي ج 2 ص :400، 401 .

[12] – تاريخ العرب فليب حتي ص : 841   الطبعة السابعة

[13] – بذل المؤرخ الشيخ جامع عمر عيسى جهدا جبارا لتحقيق هذه المخطوطة والبحث عن قصائد الشيخ وسيرته حتى أخرج إلينا سفرا مهما من تاريخه سماه صفحات من تاريخ العلامة علي عبد الرحمن فقيه (1787م -1852م) طبعه بصنعاء 1430هـ 2009م

 

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى