اشدُد بِهِ أَزري وَأَشرِكهُ في أَمري

من الصفات العظيمة والعقول الراقية التي حباها الله تعالى على الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام – والموفقين من أهل العلم والدعوة بأن أوقد في قلوبـهم وعقولهم الحسَّ العالي والشعور الحقيقي والتفطن اللازم في عظم تحمل المسؤولية وخطورتها في الدارين، ويعرفون بأن  الواحد منهم لا يستطيع القيام في إتمام المهمة الملقاة عليه على الوجه المطلوب إلا إذا وجد من يقف معه، ويؤازره ، ويتعاهد عليه بالنصح والإرشاد ، ويشاركه في الأمر ابتداء وانتهاء ، ويتعامل معه بالصراحة والشفافية ، ويكون له أخ صدق في جميع مراحل الحياة وبعد الممات .

وإذا نظرنا إلى سير الأنبياء والعلماء والفضلاء نجد النماذج الحية والأمثلة الكثيرة التي تدل على تبنيهم وتطبيقهم مبدأ الشراكة في العمل العام الذي يعود نفعه على الأمة جمعاء .

وهذا موسى عليه الصلاة والسلام وهو رسول ونبيُّ مسدَّد من الله تعالى ومع ذلك لما أُوحي إليه الوحي سأل ربَّه سبحانه أن يرسل معه أخاه هارون عليه السلام ويشركه في أداء الرسالة حتى يقوما على العمل المناط عليهما على وجه الكمال والتمام فقال﴿وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي ، هارونَ أَخِي  ، اشدُد بِهِ أَزري  وَأَشرِكهُ في أَمري ،  كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا ،  وَنَذكُرَكَ كَثيرًا ،  إِنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرًا﴾ ،  ﴿وَأَخي هارونُ هُوَ أَفصَحُ مِنّي لِسانًا فَأَرسِلهُ مَعِيَ رِدءًا يُصَدِّقُني إِنّي أَخافُ أَن يُكَذِّبونِ  ، قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخيكَ وَنَجعَلُ لَكُما سُلطانًا فَلا يَصِلونَ إِلَيكُما بِآياتِنا أَنتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغالِبونَ﴾.

ويدل على صنيع موسى عليه السلام هذا بأن عمل الفرد مهما بلغ من الروعة والجمال والكمال فإنه سيكون دون عمل الجماعة والمجموعة المتعاضدة .

وما من نبيِّ إلا كان معه حواريون وأنصار وأصحاب يؤازرونه ويقفون معه في كلمحطاته الدعوية ، فهذا عيسى عليه السلام يقول لأصحابه ﴿ مَن أَنصاري إِلَى اللَّهِ قالَ الحَوارِيّونَ نَحنُ أَنصارُ اللَّهِ﴾ سورة الصف ، وفي ال عمران ﴿ قالَ مَن أَنصاري إِلَى اللَّهِ قالَ الحَوارِيّونَ نَحنُ أَنصارُ اللَّهِ آمَنّا بِاللَّهِ وَاشهَد بِأَنّا مُسلِمونَ﴾.

وفي قصة أصحاب القرية أرسل الله تعالى إليهم رسولين ، فلما لم يؤمنوا ، فقواهما الله تعالى بثالث ليكونوا شركاء في الدعوة إلى التوحيد ، فقال ﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا أَصحابَ القَريَةِ إِذ جاءَهَا المُرسَلونَ  إِذ أَرسَلنا إِلَيهِمُ اثنَينِ فَكَذَّبوهُما فَعَزَّزنا بِثالِثٍ فَقالوا إِنّا إِلَيكُم مُرسَلونَ﴾ يس ١٣-١٤.

فهذا خير خلق الله تعالى كلهم أجمعين يشرك أصحابه في تنظيم أمور الدعوة والدولة وتحقيق مصالح الأمة العليا ، فأبو بكر وعمر رضي الله عنها يلازمان النبي صلى الله عليه في جميع مراحل الدعوة ويشاركانه في اتخاذ القرارات الصعبة ، فلا ينفرد النبي ( ص ) في أمر من أمور الأمة والتي لم ينزل فيها وحي يُتْلَى إلا وكان للصحابة فيها رأي ومشاركة ، فمصعب بن عُمير ينوب عن النبي (ص) في دعوة المدينة ، ويوصي معاذا وأبا موسى الأشعري عند بعثهما إلى اليمن التعاون والتفاهم فقال لها ( تطاوعا ولا تختلفا ) ، وثابت بن قيس بن شماس يتولى الخطابة أمام الوفود الزائرة بالمدينة ، ولا يفارق النبي ( ص) المدينة ولا يبتعد عن مسجده الشريف إلا وأوكل إلى أحد الصحابة بتولي الإمامة والإمارة فيها ، وكان كل فرد من أفراد الصحابة يساهم ويشارك في مسيرة الدعوية حسب قدرته من غير أن ينقص من قدره شيئا ، ولأجل هذا العمل الجماعي الذي لا يقصي أحدا  أثمرت الدعوة وأرست قواعد صلبة لها في جزيرة العرب حتى تلا لأ نجمها في المعمورة .

وهذه النصوص والقصص التي نقلنا بعضها تبين لنا جليا بأن عمل الجماعي المنظم ، والمؤسس على الكفاءة والمقدرة العلمية والجسمية ، ثم يتساوى الناس فيه كُلُّ على قَدره من غير إقصاء أحد سواء كان موافقا أو مخالفا ، محبا أو غير مرغوب فيه، يؤسس مستقبلا باهرا للأجيال الحالية واللاحقة .

ولأهمية هذا الموضوع وتنميته وتطويره وعظم فائدته للمجتمع جعلت الدول المتقدمة في ترسيخ أذهان الناشئة وتربيتهم في قبول الآخر وإشراكه في الوظائف العمومية ولو بعد انتهاء خدمته وتقاعده  من أولويات المواد الدراسية في مدارسها .

وكان الواجب على أهل الديانة والدعوة أن يكون هذا المبدأ من أولوياتـهم وشغلهم الشاغل ، لأنه يقرب البعيد ، ويصلح المخاصم ، ويصفي القلوب ، ويخفف الحمل ، ويسرع الإنجاز ، ويظهر التآزر والتكامل ، ولكن لا ينتهي عجبي من أناس يتدرثون بلباس التدين والعلم ويرفعون عقيرتهم بدعوة الناس إلى التكاتف والتآزر وجمع الكلمة ومشاركة الجميع ومساهمتهم في اثراء العمل الجماعي التي تصب في مصلحة الأمة ، ولكن أفعالهم وتصرفاتهم في أرض الواقع تنسف كل ادعاءاتهم ، كأنهم تأبطوا قول الشائن ( خُذْ عِلْمي ولا تَأْخُذْ عَمَلِي ) .

اللهم اصلح القلوب والأعمال ، وألف بين القلوب .

عبد الباسط شيخ إبراهيم  ١٣شوال ١٤٣٦هـ ، ٢٩يوليو ٢٠١٥م .

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى