
الدعوة إلى الله تعالى وإلى توحيده وطاعته من أفضل الطاعات وأقرب القربات ، لأنها تربط الناس بخالقهم ورازقهم ( وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ ) .
والدعاة إلى دين الله تعالى أفضل الناس لأنهم يقومون أعمال الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ( الَّذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسيبًا ) ، وهم ورثة الأنبياء وفي الحديث( العلماء ورثة الأنبياء ) ، وأدلاء الناس على الخير .
ولكي يؤدي الداعية رسالته على وجه الكمال والتمام ينبغي بأن تكون لديه مؤهلات علمية وخلقية حوتهما آيتين من القرءان الكريم الأولى منهما قول الله تعالى ( قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ ) يوسف ١٠٨ .
فاشتملت هذه الأية أهم شرط يؤهل الداعية بأن ينضم في سلك الدعاة إلى الله تعالى وهي ( البصيرة ) ، وهذه البصيرة تعني البصيرة بالعلم وبما يدعو به ، وَمِمَّا يدعو إليه ) الإسلام والتوحيد والأخلاق …. ) ، والمعرفة التامة في أحوال المدعوين ، ومعرفة ذلك شرط في نجاح الدعوة .
ثم نبهت الأية بعضا من أخلاق الداعية، ومنها :
أن تكون دعوته لله تعالى ( خالصة له ) ، ولا يـمزجها أو يشوبـها بشيء من حظوظ النفس كأن يدعو إلى الله تعالى ومع ذلك يريد ربط الناس بنفسه أو أراد الشهرة والسمعة والجاه من خلال الدعوة ، والأية أشارت ( أدعو إلى الله ) ، إلى الله سبحانه فقط لا لغيره مهما علا شأنه وعظمت مكانته .
ثم أشارت الأية إلى أهمية التعاون والتكاتف في سبيل الدعوة ( أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني ) ، لأن الداعية يحتاج إلى من يؤازره ويعاونه في هذا الشأن ، وكان الأنبياء كذالك .
ثم أشارت الأية بأهمية التوكل على الله تعالى ، ولا يطمع الداعية فيما أيدي الناس ولا يعتمد عليهم ولا يسألهم أجرا في دعوته ( وَيا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مالًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّهِ ) ، كما حذرت الأية من الداعية من مخالفة قوله بفعله ( وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ ) لأن التمايز من أهل الفسق والفجور من صفات الدعاة كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ( وَما أُريدُ أَن أُخالِفَكُم إِلى ما أَنهاكُم عَنهُ إِن أُريدُ إِلَّا الإِصلاحَ مَا استَطَعتُ وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنيبُ ) هود ٨٨ .
وأما الأية الثانية فهي قول الله تعالى ( ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ) النحل ١٢٥. فأشارت الأية الكريمة الأساليب والطرق الناجحة في الدعوة :
الأولى : الدعوة بالحكمة ، والحكمة وضع الشيء في مكانه وموضعه ، الشدة في موضعا ، والرفق واللين في موضعه ، واليسر والعسر في موضعهما ، والعلم في موضعه ، فمن خلت دعوته الحكمة فلا تسأل عن خبره .
الثانية : الموعظة الحسنة : الذي لا يعرف أحوال الناس وما يدور حولهم ، وما يجب قوله ، وما ينبغي السكوت عنه، وما يعظ الناس به ، وليس في كلمته وموعظته أولويات ، ولا يفرق بين مراتب وفوارق المدعوين أو كانت موعظته غير حسنة فدعوته لا تنجح .
الثالثة : الجدال بالتي هي حسن ، والهدف الأساسي منه هو بيان الحق وتوضيحه بأجمل صورة وألطف عبارة ، ولا يراد منه الغلبة والقهر وإخضاع المخاصم ، لأن الاقناع العاطفي لا يجدي نفعا ، بل لابد من إقناع عقلي ، ولا يكون ذلك إلا بواسطة العلم وبيان أدلته .
ثم يتأبط الداعية ويتحلى بجانب كبير من الأخلاق والشمائل والصفات المحبوبة إلى النفس وإلى الناس كالتواضع ، ولين الجانب ، والرفق ، والسماحة ، والعفو ، والبشاشة ، والعفة والنزاهة ، واحترام الناس ، وتبجيل الكبار ، وسلامة المنطق ، وحسن السيرة ، وغير ذلك من أخلاق الأخيار والصلحاء ، وليس معني ذلك بان يحوز بنِسَب عالية مما عددناه وذكرناه بل هي أمور نسبية كل يعمل على قدر طاقته وحاجته .
فمن حاز نصيبا من هذه الأمور فله أن يتصدر في ميدان الدعوة ويسهم في نشر الخير بين الناس .
والغريب أن بعض الناس يظن أن هناك أمورا أخري ينبغي للداعية أن يتحلى بها ، وهي أمور في غالبها أوجدهاوأدخلها في مجال الدعوةبعض ضعاف النفوس حتي يتمكنوا من احداث شرخ بين الدعاة وبين الأمة ، وهي أمور لا اعتبار لها لدي الشرع ، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر : أن يكون الداعية :
قد تخريج من جامعة معينة ، أو درس بالبلد الفلاني ، أو عنده تزكية من الشيخ الفلاني فقط ، أو انضم إلى احدى الحركات الإسلامية أو صار من مناصريها ، أو يحضر ويشارك ويدعى إلى المؤتمرات والملتقيات الدعوية ، أو يتولى مسؤولية جماعة معروفة ، أو قيد اسمه في مجموعة فكرية معينة ، أو له حضور دائم أمام الشاشات التلفزيونية، أو زكاه وأوصاه بالاستعانة به أحد منظري الحركات ، أو يملك حسابا في مواقع التواصل الإجتماعية كفيس بوك أو توتير أو يوتوب ، أو أسس صفحة شخصية مصدرة بلقبه العلمي البارز في الشبكة الدولية ، أو يتولى مسؤولية الإمامة أو الخطابة أو الإدارة في أحد المساجد والمراكز ، أو له جمهور مؤيد في المجتمع ، أو تتقاطع مصالحه مع بعض الجهات المتنفذة ، أو يكتب في المواقع والمجلات ، أو يرأس بعض الجمعيات الخيرية ، أو له علاقة متينة مع القائمين على المراكز والمساجد ، وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن حصرها .
وأخيرا يجب على العلماء والدعاة أن يتقوا الله تعالى في أعمالهم ، وأن يكون همهم الأول والأخي في ابلاغ رسالة الإسلام ، والتعاون مع كل من يحمل علما شرعيا سواء كان موافقا أو مخالفا ، قريبا كان أو بعيدا ، محبا أو مبغضا ، مقيدا اسمه في الحركة أم لا ، ما دام ينطلق من أصول شرعية ، ويرمي إلى هدف متفق عليه ، ولا ينساقوا أمام حظوظ النفس وساوس الشيطان ، وما زال العلماء والدعاة يختلفون ويتنازعون ولكن ديانتهم تأبى إلا الانصاف والعدل والإفادة عن الآخر ما دام أهل لذلك ، فهذا إمام أهل السنة في زمانه الإمام أحمد – رحمه الله – يقول لبعض تلاميذه :
من أين أقبلتم ؟ . قالوا: من مجلس أبي كريب . فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح . فقالوا: إنه يطعن عليك!!
قال: فأي شيء حيلتي ؟ ، شيخ صالح قد بُلي بي ! .
فالإمام أحمد لم ينتقم لنفسه ولم يبخس حق صاحبه العلمي وإجادته لعلم الحديث ، كما لم يمنع الطلبة من استفادته .
وأهل السنة يحبون أهل الخير والفضل ولا يهدرون حسنات اخوانهم من أجل مناكفات علمية أو فكرية أو حزبية أو جهوية أو مصلحية ، ولله در الإمام الهمام الذهبي حيث يقول : (ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن) ، سير أعلام النبلاء .20/46
اللهم يا مقلب ثبت قلوبنا على دينك ، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم ، واصلح شأننا كله . آمين .
عبد الباسط شيخ إبراهيم ، غرة ذي القعدة 1436ه ، 16/08/2015