الضربات الأميركية ضد “داعش” في الصومال تكشف حجم التهديدات

يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وجهت الولايات المتحدة ضربتين جويتين منفصلتين إلى مواقع تنظيم “داعش” في الصومال، وفقاً لما أعلنته قيادة القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) في بيان لها. وشكلت هاتان العمليتان أول مرة تستهدف فيها القوات الأميركية متشددي “داعش” في بلد القرن الإفريقي الذي مزقه الصراع، وحيث كانت حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم القاعدة هي موضع تركيز الجهود الأميركية والشركاء في الأعوام الأخيرة.

تؤشر هاتان الضربتان على التحول في مركز جاذبية “داعش” بعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها التنظيم هذا العام -ليس في العراق وسورية وحسب، وإنما أيضاً باجتثاث تابعها في ليبيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقد عملت هذه التطورات على دفع مقاتلي التنظيم الناجين المقاتلين والأسلحة إلى التدفق على مناطق أكثر بعداً، بما في ذلك منطقة السهل الإفريقي، حيث لفت مقتل أربعة من جنود القوات الخاصة الأميركية في كمين في النيجر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الانتباه إلى خطوط المواجهة الجديدة في القتال. وبينما ينصب معظم تركيز جهود مكافحة الإرهاب على شمال وغرب إفريقيا من حيث جاء العديد من مجندي “داعش” أصلاً، فإن الجانب الشرقي من القارة يجسد هشاشتها الخاصة أمام التطرف.

يتمركز المتشددون الذين كانوا هدف العمليتين يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) في الجزء الشمالي الشرقي من الصومال، في مقاطعة غالغالا في منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. وهنا، في أواخر 2015 ، أعلن عدد من متشددي حركة الشباب بقيادة عبد القادر مؤمن الولاء لخليفة “داعش” المنصب ذاتياً، أبو بكر البغدادي. وكان مؤمن، الداعية المتطرف صومالي المولد، قد عاش لأعوام في السويد والمملكة المتحدة قبل عودته إلى الصومال بعد أن تابعته “أم. آي.5″، وكالة المملكة المتحدة المحلية للاستخبارات المضادة والأمن. وقد مكّنه معسكره الجبلي القصي هو ومجموعة صغيرة من أتباعه من النجاة من حملة وحشية شنتها حركة الشباب ضد أتباع “داعش” في الصومال، وتمكن أيضاً من تجنيد مجندين إضافيين في مجموعة “أبناء الخليفة” (أو “الدولة الإسلامية في الصومال” كما سُميت) من أعضاء مهمشين من سلطات بونتلاند الإقليمية. وعندما أرسلت حركة الشباب قوة للقبض على المنشق، كمنت قوة حرب عصابات محلية لهم وسمحت لمؤمن بالهروب.

بينما لم يقبل البغدادي حتى الآن بيعة مؤمن –حيث غالباً ما ينتظر “داعش” حتى تُثبت المجموعات الجديدة نفسها قبل أن يعطيها اعترافه الرسمي- ذكر مسؤولون أمنيون صوماليون أن تابع “داعش” في اليمن قدم التدريب والأسلحة والعديد من المواد الأخرى. وفي آب (أغسطس) من العام 2016، مستشهدة بتوسيعه “خليته من داعمي “داعش” من خلال خطف فتيان تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة وتلقينهم عقائدياً وإجبارهم على القيام بنشاطات مسلحة، صنفت وزارة الخارجية الأميركية مؤمن بأنه “إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص”.

وفي وقت متأخر من العام الماضي، استطاع مؤمن وأتباعه الاستيلاء لفترة وجيزة على قندالا، البلدة الميناء التي تقع في الشاطئ الجنوبي لخليج عدن ويبلغ عدد سكانها 20.000 تقريباً في مقاطعة باري من بونتلاند. وبذلك، وعلى الرغم من أن شهوراً قليلة مضت قبل أن تطردهم قوات بونتلاند، فإن راية “داعش” السوداء رفرفت فوق أراضٍ ليست مهمة في الصومال.

في آذار (مارس) 2017، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دليل سياسة رئاسي يمنح قادة القيادة الأميركية في إفريقيا سلطات معززة لتنفيذ عمليات معادية للإرهاب في الصومال. وحتى تاريخه، استخدم قائد “أفريكوم” الجنرال توماس وولدهاوزر وفريقه تخويل الاستهداف الموسع بشكل حكيم لاجتثاث الإرهابيين، بما في ذلك يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر). ومما لا شك فيه أنهم سوف يستدعون مرة أخرى للقيام بنفس الشيء ضد مجموعة مؤمن التي تحمل ماركة “داعش” وضد متشددي حركة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة، على حد سواء. (في تطور منفصل –وإنما له صلة بالتأكيد- خلال عطلة نهاية الأسبوع، أمرت البعثة الدبلوماسية الأميركية المتمركزة داخل المطار الدولي في مقديشو الذي يحظى بتعزيز كبير، أمرت الموظفين غير الأساسيين بمغادرة العاصمة الصومالية بسبب “تهديد محدد”).

بينما يظل من المحتم رفع وتيرة عمليات مكافحة الإرهاب بغية القضاء على التهديدات وتدمير قدرات المتشددين، فإنه يمكن إلحاق الهزيمة بالمتمردين مثل متمردي الصومال في نهاية المطاف من خلال الشرعية الدبلوماسية فقط –وهو اختبار تناضل من أجله الحكومة الصومالية المعترف بها دولياً والمدعومة بسخاء. لكن الأمر يكون واعداً بالكاد عندما يقدر مدقق الحسابات الخاص لدى النظام أن ثمة 20 مليون دولار فقدت في العملية التي توجت بانتخاب الرئيس الحالي، وهي حقيقة يُتوقع منها بالكاد أن تحرك المشاعر الوطنية أو تلهم الأعمال بطولية. وفي الأثناء، تمس الحاجة إلى وضع معايير معقولة، وإلى الإرادة السياسية إذا شاءت المجموعة الدولية أن يكون لها شريك موثوق للعمل معه في الصومال، وليس أن يكون عبئا إضافياً.
الغد الأردني

زر الذهاب إلى الأعلى