الصومال في القرن العشرين ( الحلقة الرابعة)

دخول الإسلام في الصومال:

كان الصوماليون الأوائل فى الجاهلية يعبدون الأوثان كغيرهم من الشعوب الإفريقية، وكانت معبود أتهم تشبه معبودات الفراعنة[1]

وبالنسبة لدخول الإسلام فى الصومال، فليس هناك رواية ثابتة تذكر وقتا محددا لدخول الإسلام إلى الصومال، فمن المؤرخين ومنهم د. حسن مكى ، من يشير إلى أن الإسلام وصل إلى البلاد فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما هاجر بعض الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة، وأسسوا هناك مراكز للدعوة الإسلامية فى أرتيريا والصومال، ابتداء من السنة الخامسة للبعثة النبوية. ولكن التحول الحاسم للإسلام بدأ مع الهجرات العربية الجماعية في العصور الوسطى، وبدأت هذه الهجرات فى عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان (65 -86 هـ /785 – 805م) عند ماهاجرت جماعات كبيرة إلى ساحل الصومال وسواحل إفريقيا فرارا من البطش والتنكيل الأموي ، ثم تتاببعت الهجرات سواء كانت جماعية أو فر دية، ولهذا يقال إن الإسلام انتشر فى الصومال سلميا وليس بالقوة.  [2]

إثر انتشار الإسلام ، وبعد أن ترسخت تعاليمه فى نفوس الصوماليين تأسست فى المنطقة ممالك إسلامية، عرفت فى التاريخ الإسلامي، بممالك الطراز الإسلامي، مثل مملكة “إفات” وقد تحملت تلك الممالك أعباء الدعوة الإسلامية فى المنطقة بعد أن كانت تسير بجهود العلماء. [3]

ثم تكونت إمارات ومدن أخرى والتى اسس أغلبها المهاجرون الجدد، ففى القرن العاشر قدمت جماعة من الإحساء فى البحرين إلى بلاد الصومال وإليها يرجع الفضل فى تأسيس وإنشاء مدينة مقديشو، ونجحت هذه الجماعة فى دعم موقفها وإنشاء عدد من المراكز التجارية التى صارت على صلة وثيقة بجزيرة العرب. [4]

ورغم وجود إمارات ومدن يحكمها سلاطين وشهدت تقدما حضاريا إلا أن طبيعة المجتمع الصومالي أدت إلى حياة أغلببيته خارج هذه المدن، حيث أن معظم الصوماليين يعيشون عيشة ترحال وانتقال مادام أنهم يمارسون حرفة الرعي والتى تحتاج إلى الإنتقال والبحث عن الماء والكلأ. ومع ذلك فالصوماليون أينما كانوا لديهم نظام خاص ينظم حياتهم، وهو نظام منبثق من القبيلة، والتى تشبه بجوانب كثيرة “دولة”.

ينقسم الصوماليون إلى قبائل، ويرتبط أفراد كل قبيلة منها بسلسلة من الأنساب تنتهى إلى جد مشترك تحمل القبيلة اسمه، والوصول إلى الجد يقتضى حفظ سسلة أنساب طويلة يحفظها الصوماليون عن ظهر قلب، ويتناقلونها جيلا بعد جيل ويولونها اهتماما خاصا، إذ لا يمكن لشخص أن يتمتع بكل حقوقه إلا إذا ارتبط بشجرة النسب فى القبيلة، فالقبيلة أهم وحدة سياسية فى النظام التقليدي الصومالي. [5]

وقبل أن نتناول جوانب من ها النظام تجدر الإشارة إلى أهم القبائل الصومالية، وهي:

  1. قبيلة هاوية: وتتمركز فى الأجزاء الجنوبية بالإضافة إلى بعض الأقاليم الوسطى.
  2. قبيلة دارود: وتتمركز فى الشمال الشرقي، وبعضا من أقاليم الجنوب كجوبا الوسطى، وإقليم الصومال الغربي فى إثيوبيا.
  3. قبيلة إسحاق، وتعيش غالبيتها فى الشمال، وبعضهم فى إقليم هود من الصومال الغربي.
  4. الرحنوين: أو ديغل ومرفلة، ويتمركزون فى الإقليم الخصيب بين نهري شبيلى وجوبا.
  5. قبيلة دير: والتى تعيش فى القسم الغربي الشمالي من الصومال، وفى جمهورية جيبوتى (العيسى) وفى الصومال الغربي، وفى جنوب الصومال.
  6. قبيلة السب، وهي طبقة ذات مكانة اجتماعية متواضعة، تختص بأعمال يأنف منها الصوماليون.[6]
  7. إضافة إلى ذلك فهناك قبائل أخرى غير هذاه القبائل الكبيرة، أهمها:
  • قبيلة الأشراف، والتى تتميز بحبها السلام، وتوجد فى الجنوب غالبا.
  • قبيلة الحسنيين، ويطلق عليها الصوماليون “رير أوحسن” بمعنى “بنى حسن” وينتسبون إلى الجزيرة العربية، وهم مشهورون باهتمام العلم والدين. وتتمركز فى منطقة هيران، وفى الجنوب وفى الصومال الغربي. [7]

ج) قبيلة رير حمر: ذات الأصول الآسيوية وتعيش فى مقديشو ومركا، وهي أيضا من القبائل المتمسكة بتقاليدها الخاصة.

د) وهناك قبيلة تعتبر من سلالة البانتو الزنجية الأصل، وهي كثيرة وتقطن فى وادى نهر شبيلى وجوبا ويشتغلون بالزراعة. [8]

وكل قبيلة من هذه القبائل مكونة من عشائر كثيرة، والعشائر تنقسم إلى فخائذ، كما أن لكل قبيلة سلطان، يطلق عليه الصوماليون أسماء كثيرة، كلها تدل على الملك والسلطة والشرف، ويتم اختياره إما عن طريق الوراثة، وهي كثيرة، وإما عن طريق الإختيار وهي أقل شيوعا من الأولى. [9]

ولكل قبيلة مقومات يجب توافرها، وأهمها: توفر العلماء الذين يحكمون فى المنازعات الإجتماعية الدينية، والحكماء والعقلاء أصحاب المكانة والسلاطين، وتوفر الأموال كالإبل والماشية، والفصحاء والشعراء الذين يلهبون المشاعر عند الحروب ويمجدون القبيلة، ووفرة الجنود الشجعان، وبهذا تشبه القبيلة دولة اكتملت كثيرا من عناصرها. [10]

وكان للصوماليين دستور ثابت ينظم حياتهم وعلاقاتهم الإجتماعية، ويقال باللغة الصومالية (حير) وهو قانون غير مكتوب، يتوارثه الأجيال والأبناء عن الآباء والأجداد، وإذا حدثت مشكلة من المشكلات سواء كانت سياسية أواجتماعية كانو يعقدون احتماعا ويبعثون رجالا يعرفون بالعقل والكياسة وتجارب الأمور، على أن يبحثوا المشكلة فيتناقشون فيما بينهم حيث يبدي كل واحد رأية ويتفقون على قرار جماعي يوافق عليه الرئيس، ويعتبر موافقته تنفيذا لما اتفق عليه. [11]

كان هذا هو الوضع الإجتماعي للصوماليين حيث كانوا ينظمون حياتهم اليومية بهذه الطريقة، ومع هذا فكماأشرنا كانت هناك إمارات وسلطنات فى البلاد الصومالية قبيل مجيء الإستعمار، ففى الجنوب كانت المدن “مقديشو” ومركة، وبراواة، وكسمايو “عبارة عن سلطنات وإمارات صغيرة، وقد أصبحت تابعة لسلطان زنجبار، الذى كان يتدخل لإيقاف المناز عات القبلية التى تنشب بينهم، وكان ذلك بداية القرن التاسع عشر الميلادي، واستمرت هذه التبعية التى كانت أكثر الأوقات اسمية إلى أن جاء الإستعمار. [12]

وبعض المراجع تشير إلى أن أحد شيوخ مدينة مركة طلب من السلطان برغش سلطان زنجبار أن يرسل له عساكر لحماية المدينة (بسبب المنازعات القبلية) فأجاب السلطان وأرسل عساكره: إلى هناك، واستولى المدينة، وكذلك دخل مدينة مقديشو واستولى عليها أيضا. [13]

وكانت مقديشو آنذاك تحت حكم سلاطين القبائل المحليين،  والذين تولوا حكم المدينة فى أوائل القرن الثامن عشر بعد أسرة هاجرت من اليمن عرفت باسم “أسرة المظفر”.  والتى كانت تحكم المدينة منذ القرن السادس عشر الميلادي. [14]

ومن السلطنات فى الجنوب سلطنة “لوخ” عند حدود الصومال مع إثيوبيا قرب كينيا، يقول “فيتوريو بوتيجو، Vittori Bottego  من الرواد الإيطاليين الذين قاموا بدراسات فى بلاد الصومال كمقدمة لبداية الإستعمار الأوروبي، يقول وهو يصف سلطان لوخ،  إنه يدعى حسن نور، وقد بلغ الثمانيين من عمره، وهو ذو عقل راجح  وفطنة، يعمل لصالح السكان، وجميع السكان فى السلطنة خاضعون له لما يمتاز من سلامة الخلق والشجاعة والكرم ويذكر: أن سلطنة لوخ وراثية لجميع العائلة، ومن عادة السلطان أن يرسل نوابا عنه من أبنائه أو رؤساء القبائل إلى القرى والبوادى البعيدة لإدارتها. [15]

وفى الشرق والأقاليم الوسطى الصومالية كانت هنالك سلطنات، فهناك السلطان  “يوسف على يوسف” سلطان “هوبيا”  والذى يعتبر أنه أول من وقع المعاهدة مع إيطاليا، كما كان هناك السلطان “عثمان محمود” سلطان “بوساسو” وملحقاتها. [16]

أما شمال الصومال والشمال الغربي فتعتبر أكثر تمدنا من المناطق الأخرى، فكانت هناك إمارة “إفات” ويحكمها أسرة السلطان عمر ولسمع،  وإلى هذه الأسرة ينتمى الإمام أحمد جرى، (1501 – 1542) والذى حارب الحبشة وهزمها وفتح أراضيها وقتل ملكها، ووحد الممالك والشعوب الإسلامية فى قرن إفريقيا، وجعل هرر عاصمته، وقد قتل الإمام أحمد وهو فى جهاده.

وبعد ذلك بمدة اختلفت القبائل الصومالية ودخلت مدينة بربرة وزيلع في سيادة شريف مكة، الذى كان تحت السيادة الاسمية للدولة العثمانية، وبقيت هرر فى يد بعض الأمراء المنتسبين إلى أسرة ولسمع المشار إليها آنفا، إلى أن دخلتها مصر عام 1875م ثم بعد عام 1884 دخلت المناطق الصومالية الشمالية تحت سيطرة بريطانيا. [17]  بينما وقعت مدينة هرر الهامة تحت الإحتلال الحبشي عام 1887 وبمساعدة بريطانيا نفسها. إضافة إلى ذلك كانت هناك سلطنات قبلية صغيرة فى كثير من الأقاليم الصومالية، والتى تلاشت بعد مجيء الإستعمار.

هكذا كانت حالة الصومال الاجتماعية والسياسية قبل أن يأتى إليها الإستعمار ويمزقها، ورغم أنه لم تكن هناك دولة قوية تنظم الصوماليين تحت حكمها، إلا أن الصوماليين جمعيا كانوا على صلة وثيقة مع بعضهم البعض، يستطيع كل صومالي أن يعيش فى أي منطقة يشاء من هذا الوطن الكبير، والشيء الممنوع هو أن تحتل قبيلة منطقة قبيلة أخرى بالقوة، وهو ما كان يؤدى إلى الحروب، لكن الأفراد كانوا مطلقي الحرية، إلا أن الإستعمار قتل هذه الحرية ووضع بينهم حدود مصطنعة.

المراجع

[1] . جامع عمر عيسى ، تاريخ الصوةمال فى العصور الوسطى والحديثة، مطبعة الإمام، القاهرة، 1965م، ص:13.

[2] . د. حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص:33 – 34.

[3] . عبد الرحيم حسن بذل، المرجع السابق، ص” 42.

[4] . يوسف فضل حسن، انتشار الإسلام فى إفريقيا، دار جامعة الخرطوم للنشر، 1979م، ص:6.

[5] . مركز زائد للتنسيق والمتابعة، الصومال، أبو ظبى، دولة الإمارات العربية المتحدة، د ت ص: 7.

[6] . محمود يوسف موسى، المرجع السابق، ص: 26 – 27.

[7] . مقابلة مع عبد الواحد حسن شيخ، والذى ينتمى إلى الحسنيين، فى الخرطوم، 1/4/2006م.

[8] . مركز زائد للتنسيق والمتابعة، الصومال، المرحع السابق، ص:18.

[9] . سعيد عثمان جوليد، يوميات صومالية، دار الجماهير، عدن، ط1، 1969م، ص 26 – 27.

[10] . مركز زائد للتنسيق والمتابعة، الصومال، المرجع السابق، ص:8.

[11] . جامع عمر عيسى، المرجع السابق، ص: 28.

[12] . محمد إبراهيم محمد “ليقليقتو”، المرجع السابق، ص: 56.

[13] . الشريف عيدروس بن الشريق على عيدروس، بغية الأمال فى تاريخ الصومال، د، ن، مقديشو، 1954م ص:103.

[14] . جامع عمر عيسى، مقديشو ماضيها وحاضرها، مطبعة الحكومة (الصومالية)، 1979م ص: 62.

[15] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص:27.

[16] .  أحمد بر خت ماح وثائق عن الصومال والحبشة وإراتيريا شركة الطوبجى  للطباعة  والنشر، القاهرة، د ت ،ص 232 – 234.

[17] . د. حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص: 26 – 27.

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى