عباقرة لهم أصول في منطقة القرن الإفريقي(32) الإمام فخر الدين بن عثمان بن على الزيلعي(2)

آثاره العلمية:

ويكفي فخر الدين الزيلعي إنجازاً وإسهاماً في عملية نشر العلوم والمعارف أنه أخرج جيلاً كريماً تلقى العلم على يديه،  وساهموا بدورهم في نشر العلم خلال حلقاتهم وكراسيهم، أومن خلال إنتاجهم العلمى والثقافي ، مثل جمال الدين أبو محمد عبد الله الزيلعي، صاحب كتاب (نصب الراية) الذى كان يعدّ من أفضل من تتلمذ على يد فخر الدين الزيلعي الحنفي، ولعلّ جمال الدين عبد الله الزيلعي أخذ الفقه وأصوله من شيخه فخر الدين أبى عمر الزيلعي ، حيث كان شيخه فقيهاً أصولياً، علماً أن كتب التراجم نعتت جمال الدين أبي عمر الزيلعي بأنه كان حنفياً أصولياً مع كونه محدثاًً [1]

كما أشار بعض من ترجم لجمال الدين أبى محمد عبد الله الزيلعي، بأنه تلقى العلم من فخر الدين الزيلعي [2] .

وهذا يؤكد لنا أنّ أبا عمر فخر الدين الزيلعي كان له دور عظيم في نشر العلم وإرساء قواعد الدين الإسلامى في ربوع الإسلام في زيلع ومصر، وأنه أخرج أمة حملت شعلة  الإسلام وحضارته، ونشرت في منطقة القرن الإفريقي، وكذا في الديار المصرية وفي أصقاع أخرى ، كما أن هؤلاء الذين استفادو من علمه أنتجوا إنتاجاً علمياً من خلال ما كتبوه وانجزوه من فنون متنوعة وآثار علمية مختلفة.

أما آثار الشيخ فخر الدين أبي  عمر الزيلعي ، فكان جلّها في الفقه ، وخاصة الفقه الحنفي الذى كان بارعاً ومتفوقاً فيه حتى فاق على أقرانه.

ومن أهمّ هذه الكتب الفقهية التى أنجزها الزيلعي كتابه ( تبيين الحقائق لما فيه ما اكتنز من الدقائق)  [3]

وهذا كتاب يعدّ من أهمّ شروح كتاب (كنز الدقائق) للشيخ الإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي الحنفي المتوفي سنة 710هـ.

وتظهر قيمة شرح الزيلعي من خلال الشروح الكثيرة التى وضعت  لكتاب النسفي، إذ أنّ المحققين ذكروا أن شرح الزيلعي يعدّ من أهمّ الشروح التى ظهرت.

كما تظهر أيضاً قيمة شرح الزيلعيّ إذا عرفنا أنه وجد شيوخ كثيرون شرعوا في اختصار وتلخيص شرح الزيلعي ، رغم الشروح الكثيرة مثل مختصر الزيلعي للشيخ الإمام جمال الدين يوسف بن محمود بن محمد الزاري المسماة “كشف الدقائق”[4]. وشرحه عز الدين يوسف بن محمود بن محمد الزارى المسمي: أيضاً (كشف الدقائق) . وشرحه رشيد الدين. وكذا شرحه عز الدين يوسف بن محمود الزارى الصهراني بالقول في مجلدين وفرغ من تأليفه في السابع عشر من شوال سنة 773هـ بالقاهرة، وهو مختصر الزيلعي.

ومما يؤكدّ قيمة كتاب الزيلعي،  أن الزيلعي ليس وحده من قام بتخريج كتاب “الكنز” أو قام بشرح الكتاب، وإنما شارك معه في هذا الأمر علماء أجلاء قاموا بالشرح والتخريج والاختصار، غير أن كتاب الزيلعي كان يشار إليه  بالبنان ، ولاقى القبول الحسن ، حيث تداوله أهل العلم بين قراءته واختصاره – كما أشرنا – أو شرحه.

وهناك أيضاً من شارك مع الزيلعي بشرح كتاب الكنز مثل :  شرح العلاّمة بدر الدين محمد بن عبد الرحمن العيسى الديري الحنفي وسماه ” المطلب الفائق” ،  وهو شرح لطيف كبير في سبع مجلدات.

ومن شروحه  أيضاً شرح الرضى أبي حامد محمد بن أحمد بن الضياء المكي المتوفي سنة 858هـ، وهو أخو صاحب البحر العميق .  ومن الشروح أيضاً  : “المستخلص” لإبراهيم بن محمد القارى الحنفي المتوفي  في رجب سنة 907هـ ، وهو شرح ممزوج أيضاً. ومن شروح كتاب الكنز أيضاً : ” كتاب النهر الفائق بنشر كنز الدقائق” لمولانا سراج الدين عمر ابن نجيم المتوفي سنة 1005 هـ. [5]

وهذا دليل واضح على أهمية كتاب: ” تبيين الحقائق لما فيه ما اكتنز من الدقائق” ، وكيف لايكون الكتاب بهذا المستوى وقد وضعه أحد نبغاء عصره، وفريد جيله ، الفقيه الأصولي الفرضى الإمام فخر الدين بن عثمان بن على الحنفي الزيلعي الذى كتب في الفقه بتوسع وفي دقة متناهية .

ومن هنا، فلا غرابة أن تتجه أنظار أهل العلم إلى هذا الكتاب بين مختصر وشارح وقارئ ، لأن الزيلعي تناول في هذا الكتاب أموراً عدةً  ، أهمّها قواعد الإسلام وأركانه ابتداءً بالصلاة وما يتعلق بها من الطهارة بأنواعها وكذا التيمم والأذان،  ومروراً بأركان الإسلام الأخرى من الزكاة والصيام . أما الصلاة ، فتناولها  من حيث شروطها وصفاتها ،ثم الإمامة والحدث في الصلاة وما يفسدها وما يكره فيها، ثم النوافل وإدراك الفريضة وقضاء الفوائت وسجود السهو ،وصلاة المريض والمسافر والجمعة والعيدين والجنائز والخوف والكسوف والخسوف ، كما تناول الصوم وحكمته وشروطه ، وكل هذه الأمور تناولها الكتاب ،  وهكذا عالج بقية أركان الإسلام الأخرى وقواعد الدين الإسلامى الأساسية إذاً ليس غريبا أن يكون هذا الكتاب من أجلّ كتب الفقه وخاصة الفقه الحنفي، بل و يصبح من أفضل كتب المذاهب بل “وظل – أي الكتاب – تراثاً خالداً ينير الطريق، ويشير إليه العلماء ويأخذون منه فقههم” [6]

ولفخر الدين الزيلعي  أيضاً كتب وآثار علمية أخرى مثل : كتاب ” شرح الجامع الكبير لمحمد الشيبانى” ومثل: كتاب “شرح المختار للموصلى” ، وهذان كتابان بالإضافة إلى كتابه ” تبيين الحقائق مما فيه ما اكتنز من الدقائق” كلها كتب في فروع الفقه الحنفي .

وفاته:

اتفق أهل التاريخ أنّ فخر الدين الزيلعي توفي في القاهرة سنة 734 هـ- 1342م ،  وأضاف بعضهم بأنه توفي في شهر رمضان من السنة نفسها [7].

المراجع

[1] –   السيوطى: حسن المحاضرة 1/202 ؛ وانظر عمر رضا : مرجع سابق  2/307.

[2] – ابن حجر العسقلاني : الدرر الكامنة في أعيان المأئة الثمانية 2/310.

[3] –  وانظر حاجي خليفة : مصدر سابق 2/434

[4] –  حاجي خليفة : المصدر نفسه 2/434- 435

[5] –  حاجي خلفية : المصدر السابف 2/434- 435

[6] –  زين العابدين بن عبد الحميد السراج  : مرجع سابق ص 327.

[7] – انظر حاجي خليفة : مصدر سابق ؛ عمر رضا كحالة :  مرجع سابق 2/365.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى