الموت علي شواطئ إيطاليا

إن ما عاني الصومال من حرب أهلية، وتفكك أسري، أثر بشكل كبير على روح ومعنويات الشباب الصومالي، ودفعهم الي رد فعل غير ايجابي، والانزلاق نحو التفكير الي بدائل، بحثا عن مخرج للسجن الكبير الذي رمته الأقدار اليه، ومحاولة لكسر اغلال البطالة، والجهل، والعصبية، وانسداد الأفق السياسي والأمني في بلاده.

قرر طيف من هؤلاء الشباب الهجرة الي خارج أرض الوطن، رافعا لواء «لعل وعسي»  وبدأ يحوم في الأرجاء مسطرا على عقله احلاماً وردية وهمية …تحمل في طياتها معاناة لا يمكن تصورها …فبدأ كثير منهم بتجهيز حالهم للفرار، بعيدا عن الأهل، والوطن، والمخاطرة بحياتهم لتحقيق ذلك الحلم المنمق بالأوهام، ولينال بغته؛ العمل المناسب، والعيش  في أوروبا وأمريكا بأمن وأمان بعيدا  عن أزيز الرصاص و دوي المدافع، ومظاهر التخلف والفساد في الصومال.

وبالفعل نجح البعض من هؤلاء في الوصول الي مرماه …وبعد سنوات عدة عادوا إلى بلدهم لقضاء العطلة …وبدأوا يرون قصصا عما يرونه نجاحا حققوه في تلك البلدان …وكيف أنهم استثمروا أموالهم وصاروا فاحشي الثراء ويبرزون مظاهر الغنى بسيارة، وهدايا، وشراء شقق فاخرة ….إلخ وكلها مظاهر غير صحيحها تروجها وسائل الإعلام المرئية.

كلنا نعلم ان الإعلام قد جعل السكان حتى الفقراء منهم يستطيعون إقتناء  الريسيفر مما مكنهم من العيش عبر مئات القنوات في عالم سحري يزرع فيهم الرغبة في الهجرة والذهاب إلى العالم السحري ذاك..فصار حلم الهجرة يرواد الكثير والكثير من الشباب الصوماليين دون المعرفة بالخواطر الحقيقية والمروعة وراء تلك الهجرات من الموت غرقا أو جوعا ….أو أن يلقى القبض عليهم من قبل خفر السواحل ..وعلى الرغم من الحوادث المتكررة في الآونة الأخيرة إلا أن ذلك لم يثن الشباب عن التفكير في الهجرة بالطرق الغير الشرعية وأصبحوا يبحثون في كل مكان سماسرة الهجرة ,معتقدين أنهم طوق النجاة الذي ينتشلهم من صعوبة خوض الإجراءات الرسمية للهجرة الشرعية…

وفي هذا السياق قال كثير من الشباب الصوماليين الساعين للبحث عن سماسرة الهجرة “شرعية أكانت أم غير شرعية المهم هو أن نسافر بعيدا الي حيث فرص العمل متوافرة في ظل إنعدام فرص عمل في الصومال”

وفي السياق ذاته قال احدهم “ان الاسباب التي دفعتني للاقدام  على هذه الخطوة الإنتحارية هو الهروب من الواقع المأساوي الذي كنت أعيشه ..إذ أنني خريج جامعي واحمل شهاده في هندسه الكومبيوتر بحثت  العمل طويلا، ومللت الجلوس في المنزل بلا عمل أو وظيفة أسترق النظر إلى شهادتي التي اصبح يغطيها الغبار..أريد تحسين وضع عائلتي المادي ولكن كيف؟ وأنا لا اجد وظيفة…وظيفة تليق بشاب جامعي مثلي فسمعت عن هذة الهجرة وإن كانت تجعلني  ألتقي بالموت إلا أنها أفضل من البقاء مكتوف اليدين والموت جوعا” …يواصل الشباب التعلق بوعود سماسرة الموت على أمل أن يعيشوا في مناخ أفضل فيصبحوا امام حل واحد وهو أن يجمعوا كل مبالغهم والتضحية بأنفسهم طلبا لحياة اجمل يسمعون عنها كل يوم ليقرروا الهجرة عبر مراكب ترميهم في عرض البحر الأبيض المتوسط وتنتهي رحلتهم إما بالموت أو السجن أو الترحيل مهانا إلى بلده مرة أخرى.

وتفاقم هذة الظاهرة هو نتيجة عدم توفر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة الغير الشرعية ونستطيع مكافحتها بأن نعمل على توعية الشباب، وتوفير فرص عمل لهم لكسب لقمة عيش وان نحارب الفساد السياسي والإقتصادي، وتحسين الأوضاع التعليمية، والخدمات الصحية. وعلى الحكومة والمؤسسات أن تساعد شبابنا لإيجاد عمل عن طريق تشجيع الاستثمار، وخلق وظائف لمحاربة البطالة المتفشية والوقوف بالمرصاد لكل من يحاول زرع بذور العصبية في القلوب، وإستئصال جذورها المزروعة مسبقا، لكي يحظى شبابنا بمستقبل باهر وآمن يوفر لهم كل إحتياجاتهم، ولا يزور كابوس الهجرة منطقة أحلامهم أبدا.

بقلم: هيفاء حسين عبده

هيفاء حسين

مريم حسين عبده.. كاتبة وأديبة صومالية، وطالبة جامعية... من مواليد اليمن و إسم الشهرة:هيفاء حسين
زر الذهاب إلى الأعلى