الصومال بين عوامل النماء والفناء

للأمم والدول آجال تنتهي إليها وتتوقف عندها كما للأفراد آجال لا يتجاوزون عنها حسب قانون إلهي كوني يسري على الأفراد والجماعات والدول بنسق متساوي لا يحابي أحدا .

وهذه الآجال المكتوبة على الإنسان قد تأتي بصورة موت طبيعي أو قتل أو غرق أو بعد مرض أو غير ذلك من الأسباب ، ولكن النتيجة واحدة كما قال ابن نباتة السعدي الشاعر :

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد .

وأما فناء الأمم وذهاب الدول قد تأخذ طابعا مخالفا للحالات العادية أو المألوفة بين بني البشر ، كنزول عقاب جماعي بعد رفضهم الرسالات السماوية كما حصل للأمم السابقة ، أو مجيء دولة عقب دولة ومحو آثارها وإزالة رموزها كما حدث للدول التي قامت في الأزمنة الغابرة .

ولكن الملاحظ بأن للدول أسباب وامكانيات يسمح لها البقاء بفترة غير قصيرة ، ويحول بينها وبين سقوطها وأفول نجمها بسرعة ولو كانت ضعيفة ، ما دام هناك من يتعهد بـها ويعمل في صالحها .

ويعاني الصومال مشاكل عويصة وخطيرة منذ الاستقلال إلى اليوم ، ولكن تفاقمت هذه المآسي وظهرت إلى العلن بعد سقوط الحكومة المركزية في مقديشو العاصمة في عام ١٩٩١م ، وازدادت ضراوتها وارتفع أوَّار نارها بعد تقسيم البلد وحتى المدينة الواحدة إلى أحياء قبلية وإقطاعات ودويلات طائفية يتولى زمام أمورها انتهازيون فاسدون جعلوا القَبَلية حصان طروادة لمآربهم الدنيئة ومصالحهم الخبيثة ، مما رشح البلد إلى أن يكون أثرا بعد عين .

ويُصنف الصومال اليوم ضمن قائمة الدول الفاشلة التي تقبع في أسفل مراتب الدول في العالم بعد أن كانت قبل عقدين ونيف من الزمن من أقوى الدول في القارة السمراء ، ولكن أصبحت اليوم ممزقة ومشتتة تنتظر الرعاية من الذئاب الضارية، كأنها تحاكي الأندلس الباكية على أمجادها ، وقد استعرت أبيات أبي البقا الرندي في وصف حال الصومال  ، وقلت :

فاسأل مقديشو ما شـأن هرجيسة   وأين جالكعيو أم أين هيران

وأين بارطيره دار العلـوم، فـكـم   من عالم قد سما فيها لـه شـان

وأين لوق وما يحويه من نُـزَهٍ      ونـهره العذب فـياض ومـلآن

وأين مركا في جمالها وبحرها   وأين كسمايو من ثمارها الريحان

وأين برعو وتليح وبلعد             بلاد سما منها الشجعان

وأين بيدوه بلد الجنان          وعينها الفياض قد ملأت الأركان

قواعد كنَّ أركانَ البلاد فما عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ .

ويمتلك الصومال موارد متنوعة من الثروة الحيوانية والسمكية ، والأراضي الزراعية الشاسعة التي تجود من أحسن وأجود أنواع  الحبوب والفواكه والخضروات ، كما يوجد فيه كمية هائلة من مخزون النفظ في البرِّ والبحر  الصومالي .

ويملك الشعب الصومالي المخزون الاستراتيجي الذي يحمل في طياته عوامل البناء والنماء والقوة التي يَنذر وجوده بين أمم الأرض قاطبة، وتتلخص في التالي :

  • وحدة الدين : فالصوماليون مسلمون قاطبة .
  • وحدة المنهج العقدي : فهم أهل السنة والجماعة ، فلا يوجود بينهم أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى .
  • وحدة المذهب الفقهي : المذهب الرسمي في البلد هو مذهب الإمام المطلبي الشافعي .
  • وحدة اللغة : فاللغة الصومالية هي لغتهم الأصلية .
  • وحدة اللون والأصل : ينتمون إلى أصل واحد .
  • وحدة العادات والتقاليد .

فَلَو أن بلدا ما توفرت له واحدة من هذه العوامل لكان كافيا بأن يكون له شأن في دنيا الناس اليوم ، فكيف بشعب يمتلك هذه المقومات لا ينهض من كبوته ولا يعانق الجوزاء بكل أريحية وإباء .

وأما عامل الفناء والخراب والتخلف والتمزق الذي أودى مكانة الصومال والصوماليين ، وجعلهم فرقا وأحزابا وشعيا وطوائف وقسم بلدهم إلى إقطاعات طائفية تعادي بعضها بعضا هي القَبَلية البغيضة المنتنة التي تتقدم على كل المعايير الدينية والعلمية والخلقية ، فبسببها يتم التوظيف والترقية والتصدر والتملك ، وبحبلها يتولى الشخص المناصب العليا في الدولة ، فالرئاسة والوزارة والسفارة وكبار مسؤولي الحكومة من مدنيين وعسكريين  وحتى الوطائف الدونية يمر في طريقها ، فلا اعتبار لديها الديانة والأمانة والكفاءة والخبرة ، فأحالت القَبَلية الصومال أرضا وشعبا إلى خراب ودمار وفقر وتخلف وتشرذم ومآسي لا أول لها ولا نهاية . والشيئ المحير في ذات النفس هو أن كل شخص من أفراد الشعب يقر ويعترف في المجالس الخاصة ووراء الأبواب المغلقة بالمصائب والويلات التي قادت القبلية في المجتمع الصومالي ، وأنه لا خلاص من هذا الداء العضال إلا إذا وضعنا القبلية جانبا وطرحنا وراء ظهورنا ، ونقبل الحياة بكفاءة واتقان ، ووضعنا الرجل المناسب في المكان المناسب ، ونُعلي القيم والأخلاق الفاضلة ، ولكن هذه الأمنيات أو الاعترافات بمساوي القَبَلية تذهب مع أدراج الرياح عند أول خطوة في أرض الواقع ، ولا يقبل صاحبها إلا هي ، وتنشب أنيابها وتُظهر سوءتها في كل مجالات الحياة ، وتغدوا الترياق الصحيح في حل مشاكل الصومال.

فالواجب على العقلاء الصوماليين أن يتعاونوا في تنمية وتطوير القواسم المشتركة بين المجتمع ، وتحذير وتنبيه الناس من مخاطر التمادي فيما يفرق بين أبناء الوطن الواحد ، حتي يستعيد البلد سمعته وقوته ، ويتعافى من المصائب التي ألمت به وجعلته يتقهقر إلى الوراء .

أصلح الله تعالى العباد والبلاد .

عبد الباسط شيخ إبراهيم   ٣ من شوال ١٤٣٦هـ ، ١٩/٧/٢٠١٥م

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى