الجالية الصومالية في المهجر …. وخطباء اللغة الانجليزية

يواجه الجيل الصومالي الجديد –  الذي وُلدَ في الدول الغربية أو وصل إليها في وقت مبكِّر  من عمره أو ترعرع ونشأ فيها ، ويعتقد بأن لغته الأولى هي  اللغات الأوروبية من إنجليزية وألمانية وهولندية واسكندنافية وغيرها من اللغات الأخرى –  وتمثل الإنجليزية اللغة المشتركة فيما بينهم –  مشكلة عويصة في فهم  دينه فهمًا صحيحا أو فهم الخطاب الديني الموجه إليه ، أو التعرف على التقاليد الصومالية أو التعامل الصحيح مع الأبوين في حل المشاكل التي تنشب بين الوالد وولده حسب الموروث الديني والشعبي الذي يختلف كليا  عمَّا يشاهدونه في الواقع الذي يعيشون فيه، أو تنبيههم وتحذيرهم من الأفكار التي قد تكون سببا في انتكاستهم دينا ودنيا .

وقد يقول قائل من المسؤول عن توجيه هؤلاء الشباب توجيها صحيحا ليكونوا لبنة صالحة في المجتمع؟ .

يشترك في تحمُّل هذه التركة الثقيلة كل من الوالدين والمجتمع والعلماء والدعاة والمساجد مجتمعة ومتماسكة، حيث يؤدي كل واحد منهم الدور المناط به بكفاءة عالية .

ويتمثل دور الوالدين في فهم مشاكل أولادهم والبحث عن حلِّ جدري لها، مع الاستعانة بأهل الخبرة في هذا المجال، ولكن كثيراً من الآباء والأمهات لا يعرفون عن مشاكل أولادهم شيئا، وقد لا يرحِّبون بمن يتحدث عن هذا الموضوع ، خوفا من نظرة المجتمع إليهم .

أما دور المجتمع الصومالي في المهجر فيبدو كأنه شبه غائب كليا، لأن المجتمع لم يتعافَ بعد من مخلفاتِ الحربِ الأهليةِ التي أخرجتهم من بلادهم ، ولا يزال  مشغولا بمتابعةِ أحوالِ البلدِ من غير مللٍ ولا كللٍ دون فائدة تُرْجَى.

دور المساجد : تمتلك الجالية الصومالية في المهجر مساجد كثيرة، قد تزيد عن حاجتها، وتستنزف ميزانيةً كبيرةً، كان الأولى توجيهها وصرفها في مجالات أخرى كانت الجالية بأمس الحاجة إليها، ومع ذلك تقوم المساجد بأعمال جليلة من التعليم والتوجيه والإرشاد، وغير ذلك من النشاطات التي تصب في مصلحة الجالية .

وأما العلماء والدعاة الصوماليون في المجهر فإنهم يبذلون قصارى جهدهم في حماية الجالية من الذوبان، ومن فقد هويتهم وتقاليدهم الإسلامية، ويُشكرون على هذا  العمل الدؤوب الذي لا يتوقف، ومع ذلك هناك عقبات كثيرة تعرقل دور الدعاة والعلماء في توجيه الشبات والفتية الصوماليين في المهجر وانتشالهم مما هم فيه وتوجيههم توجيها صحيحا، ومنها على سبيل المثال :

١- كثير من الدعاة لم يفهموا بعدُ المسؤولية الملقاة عليهم تجاه الناشئة الصومالية، أو يتناسونها، أو لا يستطيعون القيام بها، أو لا يريدون الاعتراف بعدم أهليتهم في تحمل هذه المسؤولية خاصة.

٢- عدم إجادة كثير من العلماء والدعاة لغة التخاطب مع الشباب، حيث تشكل عدم التفاهم بين الجانبيين العقبة الكؤود في فهم الآخر، لأن فقدان وسائل التواصل والتخاطب تزيد المشكلة وتبعد الحلول المرجوة،  أو كان الأجدر على الدعاة  تحبيب الجيل الجديد في اللغة الصومالية حتي يسهل التخاطب معهم .

٣-  العلاقة بين العلماء والشباب ليست وردية بل يشوبها كثير من الشك، لأن بعض الدعاة يعتبرون الاتصال المباشر معهم أو الاختلاط بهم يضعِّف هيبة العلماء ومكانتهم، مما جعل كثيراً من الشباب يبحثون عن مصادر غير موثوقة في إرواء غليلهم المعرفي .

٤  – الخطاب الموجَّه إلى الشباب يَتَسم غالبا بالسلبية، حيث يكثر فيه ذكر المثالب والأخطاء من غير التعريج إلى الحلول الناجحة أو البلسم الشافي

الطرق المتبعة في علاج هذا الظاهرة – أي عدم استطاعة العلماء والدعاة الصوماليين سَدَّ هذه الثغرة  .

قد شعر العلماء والدعاة الصوماليون في المهجر بضرورة إيجاد حلِّ مناسب لهذه المشكلة والبحث عن كوادر علمية تَسدَّ هذه النافدة ، فاتجهوا إلى الأخوة الدعاة  الناطقين باللغة الإنجليزية (Preachers in the English language)

وهذه البادرة وإن كانت صحيحة لكنها لم تأت بعد بحث واستقراء في ايجابياتها وسلبياتها ، كما لم تأخذ حقها في المشورة والاستفسار.

كلمة حق : الإخوة الدعاة الناطقون بالإنجليزية أخوة فضلاء يغطون ثغرة كبيرة، ويقومون بأعمال جليلة، وقد نفع الله تعالى بهم الجالية المسلمة بأكملها، ويواجهون أوضاعا صعبة في طريق دعوتهم، ولا نملك إلا أن ندعو لهم بالتوفيق والسداد في عملهم الدؤوب.

ولكن نريد أن نعالج مشكلة عويصة تواجه شبابنا في المهجر، لا يجوز المداهنة أو المجاملة فيها.

أقول بكل ثقة وأريحية بأنَّ الأخوة الذين اعتقدنا بأنهم سيساهمون في حل مشاكلنا ، ولملمة قضايانا ، يعانون بأنفسهم مصائب عدة في إدارة دعوتهم ، ويمكن أن نستفيد منهم جانبا معينا ونخسر بسببهم جوانب أخرى .

ومن المصاعب التي تقف أمامهم تتلخص فيما يلي :

١- كثير منهم يعاني ضآلة في التحصيل العلمي ، وليس عندهم إلمام كاف في جوانب مهمة من الشريعة، مما جعلهم ينزلقون في أمور كثيرة، قد يكون سببا في توجيه الشباب وجهة غير صحيحة.

٢ – كثير من الأخوة الدعاة لا يعرفون شيئا عن التقاليد الصومالية، ولا يكترثون كثيرا بالبيئة والجو المنزلي الذي ترعرع هؤلاء الفتية فيه، بما يعقد المشكلة بين البيت والخطاب الذي يحمله الدعاة .

٣ – الغالبية العظمى من هؤلاء الدعاء ليس لهم علاقة مباشرة بالمذاهب الفقهية الأربعة، أو لم يتربوا في محاضن المدارس الفقهية، مما يُصعب جهودهم الدعوية.

٤- تُعقد كثير من هذه الملتقيات والدورات العلمية في قاعات باهظة التكاليف، مما لا يسمح لكثير من الأسر دفع فاتورة التذكرة، وخاصة من عنده عدد من الأولاد ، ما يسيء العلاقة بين الوالد وولده .

٥- ينشغل كثير من الدعاة في توجيه التهم والنقد الجارح إلى الدعاة والحركات من غير مبرر شرعي، مما يوقع الشباب في الحرج الذي لا يستطيعون معه التفريق بين الصحيح والسقيم من الآراء، مما يجعلهم لقمة سائغة للأفكار المعوجة.

العلاج لهذه الظاهرة: هذه الملاحظات التي ذكرناها قد تكون صحيحة، وقد تكون غير ذلك، أو ناقصة لم تكمل أركانها بعد – كل حسب رؤيته – ، ولكن المهم هو : أين يكمن العلاج ؟ ، اقترح الأمور التالية :

–             أن يتعاون العلماء والدعاة والآباء والأمهات وإدارات المساجد والمجتمع المدني وعلية القوم من عقلاء الصوماليين في إصلاح وتوجيه الفتية الصومالية في المهجر إلى الوجهة الصحيحة، ليكونوا لبنة صالحة في المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية.

–             أن تتبنى المساجد والمراكز الدعوية التابعة للجالية بكل فسيفسائها منهجا تعليما متكاملا مع الاستعانة بخبراء التعليم والتربية .

–             إشراك الشباب في مجالس المراكز والمساجد، وتأسيس أقسام خاصة بهم، ترعاهم وتهتم بشؤونهم الخاصة، والسماح لهم بإبداء آرائهم وأفكارهم في معالجة الأخطاء والسلوكيات غير السوية بين الشباب.

–             مراجعة وتصحيح الخطاب الموجه إلى جيل الشباب، وتنقيته من الشوائب التي شوهت الوجه الناصع للشباب المسلم المستقيم بين الناس، ومراعاة أحوال البيئة التي يعيشها الشباب .

–             يجب على الدعاة وطلبة العلم الصوماليين الإلمام وتعلم اللغات الأوروبية لكي يسهل عليهم التواصل مع الناشئة المسلمة عامة والصومالية خاصة، لأن اللغة أصبحت أكبر تحد ومعوق لأداء واجب الدعوة .

وأخيرا هذه مرئياتي وملاحظاتي في واقع الدعوة بين الجالية الصومالية في الغرب، ولا أكتب عنها عن بُعد بل بمعايشة طويلة ومعرفة عن قرب ، وما أريد إلا الإصلاح ما استعطت ، والله من وراء القصد

إعدادظ دكتور عبدالباسط  شيخ إبراهيم

المصدر: مجلة البيان

زر الذهاب إلى الأعلى