ولاية جنوب غرب الصومال… الواقع والتحديات

تشهد ولاية جنوب غرب الصومال، مؤخرا،  حالة من الاستقرار  سواء على الصعيد السياسي أو الأمني. على الرغم من المرحلة الانتقالية التي تمر بها الولاية ، فلم تسجل في مدنها الكبيرة وخاصة مدينة بيدوة العاصمة المؤقتة حوادث أمنية أو احتجاجات سياسية تذكر. ومن الجدير بالإشارة أن مدينة بيدوة  التي هي مركز ثقل جميع الأنشطة السياسية بالولاية تقع في منطقة  تحاصرها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة من جميع الجهات، وكانت هناك مخاوف من حدوث أعمال شغب واحتجاجات أو عملية إرهابية لعرقلة المرحلة الإنتقالية.

 لقد جرت التحولات السياسية التي قادها الرئيس عبد العزيز لفتا غرين، والتي يعتبر محورية في ضوء التحولات الجيوسياسية  في الصومال ، وسط أجواء هادئة وطبيعية عكس الولايات الأخرى التي مرت  بنفس التجربة لقد كان وقعها عنيفا إلى حد ما وعانت بإضطرابات سقط فيها ضحايا، وخلافات سياسية مازالت قائمة .

 نجح الرئيس لفتا غرين في تشكيل حكومة محدودة، في  فترة زمنية قياسية،  تتكون من 10 وزراء  يسيطر عليها الشباب والتكنوقراطيون مطلع شهر فبراير الماضي، ولم تواجه التشكيلة أي اعتراض شعبي أو قبلي قد يهدد مستقبلها وحظيت بترحيب غالبية القبائل، ثم شهدت الولاية عملية اختيار أعضاء البرلمان وكانت معقدة غير أنها مرت هي أيضا بسلام،  ودون عقبات وتحديات جديرة بالذكر وأعلنت عن قائمة أعضاء البرلمان الثاني للولاية المكون من 95 عضوا في 19 مارس الماضي ثم انتخب  السياسي  المعروف والسفير الصومالي لدى الاتحاد الأوروبي علي سعيد فقيه رئيسا للبرلمان، في أول أبريل  الجاري. ويبدو أن انتخاب هذه الشخصية الأكاديمية المعروفة لهذا المنصب له مغزى وهدف استراتيجي،  ويعتبر بصمة تضعها الحكومة المركزية على مشروعها السياسي في ولاية جنوب غرب الصومال، وربما لها علاقة بالانتخابات العامة المقرر اجراؤها بحلول العام المقبل، ولا يمكن الاستبعاد أيضا أن الرئيس لفتاغرين يريد الاستفادة من خبرة وعلاقة علي فقيه بالدول المانحة.

لكن السؤال  الذي يبادر إلى الذهن هو: كيف تحقق هذا الاستقرار؟ وفي فترة زمنية قياسية في بلد لا تتوفر فيه المتطلبات الأساسية والظروف السياسية والاجتماعية المشجعة لتحقيق مثل هذا الانجاز، وهل هو مرحلي أم إستراتجي .

جنوب غرب الصومال …. شعب مكادح ومسالم

عندما نعالج الأوضاع السياسية، والإقتصادية ، والاجتماعية في مناطق جنوب غرب الصومال ينبغي أن نضع بداية في الحسبان بعدة إعتبارات في غاية الأهمية لا تتوفر في المدن الصومالية الأخرى. يعيش في الولاية شعب قفير يكافح من أجل  لقمة العيش الحلال، والسياسة لا تتربع على رأس  سلم أولوياته. فالحياة في تلك المناطق تعتمد على الرعي والزراعة وتستنزف جزاء كبيرا من وقت وجهد سكانها، وان الموارد المادية والمعنوية محدودة في ظل غياب الامكانيات الضرورية لتطويرها والاستغلال منها وهذا يجعل حركة المواطن وتفكيره محدودا،  ولايجد وقتا كافيا لممارسة نشاط سياسي يتطلب منه دفع ثمن باهظ – ما لم يفرض عليه- مثل المشاركة في الاحتجاجات السياسية العنيفة.

 أما النخبة السياسية التي تنتمي إلى تلك المنطقة سواء في المهجر أو في الداخل لا يهتم منهم بالسياسية الا   عدد قليل، وهم   راضون بالمناصب السياسية التي يشتغلونها  سواء في الحكومة المركزية أو في الحكومة الولائية أو بمراكزهم الإجتماعية.

علاوة على ذلك ، على مر العصور، كان التنافس بين العشائر على المناصب السيادة في الولاية ضعيفا ويغلبه طابع الاحترام والإيثار.  يدخل السياسي في المعترك السياسة دون منافس قوي من عشيرته خلافا للمناطق الأخرى في الصومال  والسر يعود إلي  سببين،  السبب الأول هو، قلة مجموعة من الأنساق  التي تتمتع بإمكانات فكرية وشخصيات مؤهلين  لخوض غمار السياسة  والقادرين عليها ماديا ومعنويا.

 والسبب الثاني سياسية قذرة يمارسها بعض السياسين المنحدرين من الاقليم ويمنعون من بروز أي منافس لهم داخل العشيرة خوفا من أن يشكل ذلك تهديدا على منصبه ومستقبله السياسي. ولذلك تجد في الغالب سيطرة لون واحد من السياسين من عشائر مناطق جنوب غرب الصومال على المشهد السياسي، ولا يسمحون غيرهم بدخول المعترك الا بعد أن يغبهم الموت.

وفي هذا السياق، يعيش في ولاية جنوب غرب الصومال عشائر مسالمة قل ما يتقاتلون من أجل المناصب السياسية،  وأن معظم المعارك والحروب التي شهدتها الولاية على مر التاريخ ولاسيما بعد سقوط نظام سياد بري فرضت عليهم ولم يكن لديهم خيار آخر، ونظرا لذلك، لا يوجد تنافس كبير  بين العشائر على المناصب. في العرف السياسي القبلي ، تتقاسم ثلاث قبائل كبيرة وهي دغل،  وميرفلي ، بيمال  على المناصب العليا ، الرئاسة لميرفلي ، ونائب الرئيس من بيمال ورئيس البرلمان من عشائر دغل لكن لم يتم تعين نائب للرئيس عبر تاريخ رؤساء حكومات التي مرت بالولاية بدءا من  شار غدود وانتهاء بالرئيس السابق شريف حسن، ويبدو  أنه سيكون شاغرا أيضا في عهد الرئيس لفتاغرين. وذلك لأسباب غير معروفة وأن العشيرة  التي  كان هذا المنصب من نصيبها لا تمارس عنفا من أجل الحصول عليه سياسيوها يبدو أنهم برغماتيون.

ليست هذه الاعتبارات وحدها هي التي وراء الاستقرار السياسي الذي تشهده ولاية جنوب غرب الصومال، فهناك عوامل أخرى مساعدة تلعب دورا لافتا في تهدئة الوضع وتعزيز الاستقرار.

الرئيس لفتاغرين وسياسة استقطاب الشباب

يحاول رئيس ولاية غرب الصومال الاقتراب من فئة الشباب ويولي اهتماما كبيرا بهم، وأن الشباب يشكلون في الوقت الحالي أكثر من ثلثي  أعضاء الحكومة وما يقارب نصف أعضاء البرلمان، واتخذ أيضا مستشاريه من الشباب، ومن الملاحظ  كذلك أن الشباب لديهم تأثير كبير في الحياة السياسية بالولاية.

أعطت سياسية استقطاب الشباب حيوية لافتة للمشهد السياسي في جنوب غرب الصومال، وعكست إيجابا على رؤية السكان ومواقفهم تجاه الرئيس عبد العزيز لفتاغرين وحكومته، وساهمت بصورة ملحوظة في تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي ودور المجتمع في مساعدة الأجهزة الأمنية على ضبط الأمن وتحقيق الإستقرار.

 بالإضافة إلى ذلك،  يبدو أن لفتا غرين  يراهن على ولاء الشباب ويرى أن ثقتهم به أقوى وأدوم من السياسيين الذين ظلوا في المعترك السياسي لفترة طويلة، فهولاء يميلون حيث مالت مصالحهم، ويتوقع أن يلعب هؤلاء الشباب  حديثو العهد في السياسة الذين عينهم في المناصب الوزارية السيادية، وساعدهم في الحصول على عضوية البرلمان، دورا لافتا في استقرار حكومته، وابعاده عن شبح الإقالة التي باتت في السنوات الأخيرة هاجسا يقض مضاجع رؤساء الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية على حد سواء.

ولا ننسى في هذا السياق أن الرئيس لفتاغرين ربما يستعد للأسوء في حال ساءت علاقته مع الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء خيري أو فشلا في اعادة انتخاب أحدهما خلال الانتخابات المقبلة، ولذلك يحتاج إلى ركن شديد ، وفريق سياسي قوى ومتماسك قادر على انقاذه في الأوقات العصيبة، وأن هذه الأوقات ستأتي لامحالة نظرا لطبيعة الحياة السياسية  في الصومال.

  القوة الصلبة والقوة الناعمة

يحاول الرئيس لفتاغرين، توظيف استراتيجيتي القوة الصلبة والقوة الناعمة، وفتح آفاق جديدة من الأمل لسكان ولاية جنوب غرب الصومال  ولتحقيق ذلك  يتبع ثلاثة مسارات سياسية وأمنية واقتصادية.

على الرغم من الدماء التي سالت خلال انتخابه رئيسا للولاية وما ترتب من ذلك من اعتقال الشيخ أبو منصور ربو أحد أبرز منافسيه في الانتخابات الا أنه يتمتع بسمعة معقولة داخل المجتمع. تعهد بطي هذه الصفحة، والتقى بالشيخ وعدد من وجهاء وشيوح العشيرة التي ينتمي إليه منصور، والسياسين الذين يناصرونه  في أكثر من مرة  في بيدوا، ومقديشو ، ونيروبي بغية تجفيف منابع التمرد ضد حكومة جنوب غرب الصومال، وضمان الاستقرار السياسي.

 بالطبع  لم  ينحج الرئيس لفتاغرين في طي هذه الصفحة، واطلاق سراح الشيخ مختار أبو منصور،  ولم شمل القوى السياسية،  لكنه استطاع مستغلا من اعتبارات سبق ذكرها أن يهدأ الأجواء، ويخفض التصعيد السياسي ضده، ولا يوجد في الوقت الحالي أي حراك سياسي مناوئ له ولحكومته .

 وفي المسار الأمني، في حقيقة الأمر ، أدت علاقته المتينة أصلا مع الحكومة الإتحادية إلى الحصول على دعم عسكري وأمني لإعادة بناء القوات الأمنية في الولاية وخاصة الموجودة في مدينة بيدوة والتي تمكنت لحد الآن من السيطرة على الوضع الأمني،  والتصدي لخطر حركة الشباب على بيدوا ، كما وثق علاقته مع القوات الأجنبية في الولاية ومع سفراء الأجانب، ونحج في اقناعهم بتوفير دعم أمني لحكومته. افتتحت بريطانيا في مطار مدينة بيدوة القديم أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال، وتقوم بتدريب جنود صوماليين يعد لمحاربة مقاتلي تنظيم الشباب في جنوب غرب الصومال،  وتولي المسؤولية الأمنية بعد انسحاب قوة بعثة الإتحاد  الإفريقي (أميصوم) ، وكذلك تساهم القوات الأمريكية في قاعدة بليدوغلي بإقليم شبيلي السفلى في الحرب ضد التنظيم ، وتوفير الدعم اللوجستي لقوات الأمنية الحكومية.

ومن الجدير بالإشارة هنا أيضا أن القوات الإثيوبية ضمن قوة بعثة الإتحاد الإفريقي (أميصوم) تعمل في جميع مناطق الولاية بما فيها العاصمة المؤقته بيدوا ، وتلعب الدور الحاسم في الحفاظ على الاسقرار ودرء خطر حركة الشباب التي لا يبعد عن المدينة سوى أقل من 10 كيلومترات.

ومهما يكن الأمر  فإن العلاقة الجيدة التي تربط الرئيس لفتاغرين مع جميع تلك الجهات، وفرت له غطاء سياسيا خفف عنه جانبا من الأعباء الأمنية.

 أما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، نظرا لقصر الوقت، لم تقطع حكومة لفتاغرين شوطا  كبيرا في هذا المجال كبيرا، لكن استطاعت أن تستقطب المنظمات العاملة في المجال الخيري والانساني، وخلق فرصة للمستثمرين المحليين. وتشهد مدينة بيدوا على سبيل الميثال حركة تجارية نشطة، وعمليات بناء واسعة. وهذه الخطوة خلقت فرص عمل لعدد كبير من المواطنيين، واشرعت لهم باب الأمل واسعا، وتحقيق جانب من تطلعاتهم.

 ملاحظة ختامية

ومن المنظور المجتمعي والسياسي ، أن تحسن مستوى المعيشة في ولاية جنوب غرب الصومال تعتبر عامل بارز في تعزيز الإستقرار على المدى البعيد، وتراجع دور المليشات القبلية. ولعل أفضل مؤشر لتحقق ذلك هو عودة نبض الحياة إلى مدينة بيدوا ، ومدن أخرى، والانخفاض الملحوظ  في الحوادث الأمنية التي كانت تقع في تلك المدينة. وبالتالي لم يبق أمام حكومة لفتاغرين للحفاظ على الانجاز، ولتحقيق الاستقرار الاستراتيجي سوى أن تتصرف بحزم ، وتقوم بخطوات جادة نحو فتح الطريق بين العاصمة مقديشو ومدينة بيدوة وفك الحصار عن  مدن الأخرى التي يحاصرها تنظيم الشباب، وتشكيل الإدارات المحلية بطريق ابداعي، بالإضافة إلى إعادة إحياء الاقطاعات الاقتصادية للإستفادة من  الثروات الطبيعية  في ولاية جنوب غرب الصومال،  ولاسيما الثروة الزراعية والثروة الحيوانية ولتحسين الظروف المعيشية للمواطنيين. وأن البند الأخير هو المحك والإختبار الصعب الذي سيقاس في المستقبل نجاح أو فشل الرئيس عبد العزيز لفتاغرين.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى