٣٨ عاماً من التعاون الأخوي المتميز بين جيبوتي والمملكة

 تحتفل جمهورية جيبوتي اليوم بالذكرى ٣٨ للاستقلال الوطني، وهي مناسبة لاستذكار التاريخ النضالي للشعب الجيبوتي في سبيل نيل استقلاله الناجز، كما هي أيضا مناسبة مهمة لاستحضار من ساند ودعم هذا المنجز من الأشقاء والأصدقاء، بالإضافة لكونها مناسبة مهمة لاستعراض ما تحقق.

 

فجيبوتي لم تنل استقلالها ضربا من الحظ، بل قدمت في سبيله شهداء وجرحى وسجناء ومنفيين دافعوا عن حقهم في الانعتاق من الاستعمار ورفع راية الحرية الخافقة، وقد تمكنوا بفضل الله أولا ومن ثم بجهود مناضلين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، كما أن هناك دولا شقيقة وصديقة ناصرت هذا الحق وكانت على رأسها المملكة الشقيقة الكبرى التي دعمت جيبوتي في المحافل الإقليمية والدولية في سبيل أن تنال استقلالها واجتهدت لذلك اجتهاداً مقدراً، بل ولم تتوقف جهود حكومة المملكة عند حد أن تدعم جيبوتي البلد العربي المسلم الجار للسعودية في سبيل استقلاله وإنما أسهمت إسهاماً منقطع النظير في تقديم دعم اقتصادي وسياسي ودبلوماسي وعلمي وتعليمي بعد الاستقلال مباشرة فكان هذا العطاء والدعم المقدر والمشكور سبيلاً في أن تقف الدولة الوليدة جمهورية جيبوتي المستقلة حديثاً آنذاك في العام 1977م على قدميها قوية شامخة.

 

لذا لم ولن ينسى الجيبوتيين جيلاً بعد جيل للمملكة هذه الوقفات الأخوية الصادقة التي كانت ومازالت مستمرة حتى لحظتنا هذه من الدعم والمساندة.

 

وهذه المواقف انعكست بالمقابل بالتوافق السياسي بين قيادتي البلدين في كافة المناسبات والمحافل على خط واحد ومبدء ثابت هو نصرة قضايا الحق العربي والدفاع عن حقوق الأمة الاسلامية ووحدتها واستقرارها ونماءها، والعمل لترسيخ مبادئ وقيم التعاون والإخاء الإنساني انطلاقا من مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.

 

وظلت العلاقة بين البلدين العربيين المسلمين الجارين تشهد تطورا مرحليا متجانسا مرتكزا على توجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين، والتي وصلت اليوم في ظل العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبدالعزيز وفخامة الرئيس اسماعيل عمر جيله حفظهما الله، الى لحظة الاستعداد لإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة ومجلس أعمال اقتصادي، والتوقيع على مذكرة تفاهم للتنسيق السياسي والدبلوماسي والتوقيع على مذكرة أمنية.

 

وهذه الاتفاقيات لا تعتبر تأسيسا للعلاقة والتعاون والتنسيق القائم وانما تأتي كتأطير وتطوير لطبيعة العلاقة المتطورة والمتعززة تلقائيا منذ ثمانية وثلاثين عاما، وهي إضافات الى عديد من الاتفاقيات والمذكرات المبرمة بين البلدين الشقيقين في مجالات علمية وتعليمية وثقافية واستقدام للأيدي العاملة وغيرها.

 

كما لا يمكن في أي حال من الأحوال إغفال الدور المهم الذي تقوم به المملكة في دعم جيبوتي من خلال المؤسسات التنموية المختلفة وعلى رأسها الصندوق السعودي للتنمية الذي أسهم إسهاما متميزا في بناء البنية التحتية لجمهورية جيبوتي الى جوار الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبنك الاسلامي للتنمية الذي تعتبر المملكة المساهم الأكبر فيهما.

 

لقد خطت جمهورية جيبوتي خلال الأعوام الماضية خطوات واسعة نحو البناء والأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتوازن في كافة مجالات الحياة فأنشأت الجامعة الوطنية بكليات نظرية وعلمية مختلفة وتوسعت خدمات التعليم والخدمات الصحية في الريف والمدينة على حد سواء وازداد بناء الوحدات السكنية لذوي الدخل المحدود، وشقت الطرق وبنيت العديد من الموانئ التجارية العملاقة مما انعكس استقرارا متميزا داخل البلد جعل من جيبوتي واحة أمن فريدة في المنطقة يشهد به الجميع دون استثناء بفضل وحدة النسيج الوطني المتكافل والمتعاضد برغم وجود جيبوتي في منطقة تعتبر بحرا متلاطما من المشاكل الاقليمية أمنيا واقليميا وسياسيا كأحداث الصومال المتفجرة والغير المستقرة منذ أكثر من عقدين من الزمان.

 

وهذا ما دعى العديد من دول العالم الى أن تطلب من الحكومة الجيبوتية أن تسمح لها بالتواجد من خلال قواعد عسكرية لتضع لها موطئ قدم في جيبوتي عند مضيق باب المندب الذي يمثل عنق الزجاجة للبحر الاحمر والذي يمثل بدوره شريان الحياة للعالم كونه ممر مائي عالمي حيوي مهم تتدفق من خلاله البواخر المحملة بالطاقة نحو القارة الأوروبية، فأصبحت تلك الدول تهتم بجيبوتي لموقعها كنقطة ارتكاز أمني لمراقبة العالم ومتابعة أحداثه ومكافحة الحالات الأمنية المستجدة المتمثّلة بمكافحة الإرهاب والقرصنة وما الى ذلك.

 

ومؤخراً ومع اندلاع أحداث اليمن الأليمة التي استجدت منذ فترة وجيزة بسبب الانقلاب الغاشم على الشرعية هناك، تدفق على جيبوتي أعداد من الأشقاء اليمنيين الذين لجأوا ليقيموا بدورهم مع إخوتهم وأشقائهم الجيبوتيين سواء في العاصمة أو في مخيم اللجوء الذي أقيم لذلك فشاركوا إخوتهم الجيبوتيين في الماء والكلاء وفي المستشفيات والبنية التحتية الجيبوتية؛ فالجيبوتيين يعتبرون ذلك واجبا يمليه حق الجوار والانتماء المشترك للعقيدة والعروبة، وقد هَبّ الجيبوتيون جميعهم دون استثناء لعون ومساندة ضيوفهم اليمنيين كما الصوماليين من قبل، وشارك المواطنون ابتداءا من حرم فخامة رئيس الجمهورية حتى أصغر مواطن جيبوتي من داخل المدارس بهذا الواجب الانساني والأخوي حبا وكرامة، والأمر مستمر مع استمرار تدفق اللاجئيين إلى جيبوتي، وهنا ايضا حضر الموقف السعودي من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي انبرى ومنذ لحظات ميلاده الاولى ليساهم في العون والدعم المقدر الى جوار المنظمتين السعوديتين الندوة العالمية للشباب الاسلامي وهيأة الاغاثة الاسلامية.

 

إن التوازن السياسي الذي تعيشه جيبوتي في علاقاتها مع دول الجوار جميعها جعل منها شوكة الميزان في كثير من القضايا والاحداث السياسية الاقليمية، اضافة لكونها أرض اللقاء والسلام والتقاطع التجاري والتلاقح الثقافي والتمازج الإنساني في جنوب حوض البحر الاحمر والشرق الافريقي مما جعلني أشبهها هنا (بضمير القرن الافريقي) لتكون الوعاء الحاضن والمدخل الآمن والقنطرة الرابطة بين الجزيرة العربية ودول الشرق الافريقي، فجيبوتي لا يفصلها عن اليمن سوى فتحة مضيق باب المندب المقدرة بحوالي ٢٢ كم فقط وطيرانا حوالي ساعتين من الرياض وأقل من ذلك الى جدة، وقس على ذلك الى مدينة (جازان) في الجنوب السعودي التي يُتطلع مع انشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة بين (جيبوتي والمملكة) الى العمل على ربط مينائها بموانئ جيبوتي نحو الشرق الافريقي ليكون التعاون في هذا المجال خطوة اقتصادية سعودية مهمة لولوج الشرق الافريقي وأسواق (دول الإيجاد) ومقرها جيبوتي وكذلك لتفعيل التبادل التجاري السعودي نحو أسواق دول (السوق المشتركة لجنوب شرق افريقيا – الكوميسا).

 

إن أهمية الموقع الاستراتيجي لجيبوتي اليوم كبوابة اقتصادية في جنوب حوض البحر جعل منها هدفا لتدفق استثمارات واهتمام عديد من الدول الكبرى بها كالصين على سبيل المثال التي تنشىء اليوم أربعة موانئ جديدة في جيبوتي وتعمل على تطوير البنية التحتية للسياحة واعادة بناء خط السكة الحديد الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا.

 

لذا فإن هذه الأهمية الاستراتيجية لجيبوتي كموقع اقتصادي آمن في هذا المكان الحيوي من العالم يستدعي منا أن نلفت نظر الاقتصاديين والمستثمرين السعوديين الى ضرورة ألا يكون اهتمامهم بأهمية هذا الموقع من العالم بأدنى من اهتمام حكومتهم السعودية الرشيدة بالنواحي السياسية والأمنية في هذا الثغر الاستراتيجي من العالم، بالذات وأن حكومة خادم الحرمين الشريفين قد وجهت وحفزت الغرف التجارية ورجال الأعمال ورؤوس الأموال السعودية نحو جييوتي منذ أمد بعيد.

 

كما يتطلع رجال الأعمال الجيبوتيين في المرحلة المقبلة من التعاون بين البلدين الشقيقين الى ان يتمكنوا من دخول أراضي المملكة باجراءات اكثر مرونة وسهولة للحصول على التأشيرات بحيث تسمح لهم بالعمل الاقتصادي مع أشقائهم السعوديين لتنمية التبادل التجاري، بالذات وان البضائع والمنتجات السعودية تتواجد بكثافة في السوق الجيبوتية وما حولها ولكن وصولها إلى جيبوتي ودول الشرق الافريقي من خلال موانئ دول أخرى وليس مباشرة من السعودية.

 

إن المملكة لا تمثل للجيبوتيين قبلة عقائدية وأرض مقدسة بوجود الحرمين الشريفين فيها فحسب، بل إضافة الى ذلك تمثل الشقيقة الكبرى والداعم الرئيس والدولة العضد التي يستند إليها، وهذه عبارات يرددها وعلى رؤوس الأشهاد كافة الجيبوتيين وعلى رأسهم فخامة السيد إسماعيل عمر جيله رئيس الجمهورية، في كل وقت وحين بكل حب ووفاء.

 

إن العلاقة الأخوية المتميزة بين الشعبين الجارين نشأت بوجود الإنسان في البلدين الشقيقين وتعضدت بالانتماء المشترك للعروبة والإسلام وازدهرت بفضل حكمة وعمق الرؤية الثاقبة للقيادتين السياسيتين وستستمر إن شاء الله بأكثر نماءً وتطوراً مع الأجيال الشابة الواعية المؤمنة بأن لا خيار في العلاقات بين الاشقاء في سبيل مزيد من الامن والاستقرار والازدهار في الحياة إلا بالتكامل والتنسيق والبحث عن كل أوجه وطرق التواصل والتعاون المثمر الذي يحقق المصالح المشتركة وفق القيم والمبادئ الأخوية العليا.

 

حفظ الله جيبوتي والمملكة العربية السعودية وكل بلاد المسلمين والإنسانية جمعاء من عبث العابثين وكيد الطائشين وحقد المجرمين.

 

ضياء الدين سعيد بامخرمة سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة العربية السعودية.

نقلا عن جريدة الرياض

سفير جيبوتي لدى المملكة العربية السعودية

سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة السعودية
زر الذهاب إلى الأعلى