قراءة للحالة السياسية في بونت لاند

في حديثه للمواطنين خلال لقاء مفتوح عقد بقاعة المؤتمرات بجامعة شرق إفريقيا في 31مارس الماضي استخدم رئيس الولاية الذي مضى على اعتلائه سدة الحكم عام وأربعة أشهر مصطلحا جديدا لم يألفه المواطن وهو ” بونتلاند الجديدة” إشارة إلى عزمه على إحداث نقلة نوعية في مؤسسات الولاية، وكان في جعبته الكثير ليقوله عن إنجازات حكومته وكانت قائمة طويلة تتضمن إنجازات اقتصادية وأخرى سياسية وفي جميع الأصعدة في غضون فترة ولايته التي ستمتد 5 سنوات وفق الدستور المحلي للولاية. 

تعتبر بونتلاند أول ولاية فيدرالية في الصومال، وقد تأسست كإدارة محلية شبه مستقلة عام 1998م في شمال شرق الصومال، وتمتعت باستقرار نسبي منذ انهيار الحكومة المركزية في الصومال1991م. وقد تداول فيها السلطة منذ تأسيسها أربعة رؤساء، ويقوم النظام السياسي على مؤسسات البرلمان والقضاء والتنفيذ. وقد قطعت شوطا كبيرا في بناء هياكل لمؤسسات إدارية ما زالت تتسم بالهشاشة وغير قادرة على ممارسة البرامج النتموية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وصياغة دستور على مستوى الولاية تم الاعتماد عليه عبر ممثلين لشرائح المجتمع في أبريل 2013م. ومنذ قيامها كإدارة مستقلة كافحت لتسويق نظام لامركزي (فيدرالي) في الصومال ، وهو نظام يتوسط بين الانفصال الذي نادت به المناطق الشمالية (أرض الصومال) وبين النظام المركزي الذي كانت تفضله معظم قيادات المناطق الجنوبية من الصومال.

 فوز الرئيس عبد الولي جاس برئاسة الولاية على منافسه بفارق ضئيل (صوت واحد) لمدة خمس سنوات في يناير 2014م مثل خطوة إيجابية عمَّقت من تقاليد تداول السلطة بشكل سلمي وعززت من فرص الاستقررا السياسي ، كما أزالت الكثير من سحب التوتر التي علقت بالأجواء بعد أن أظهر رئيس الولاية السابق تصميمه على البقاء لفترة أطول على الكرسي. وقد سار نظام الانتخابات في بونتلاند على نوع من التمثيل غير المباشر حيث ينتخب شيوخ العشائر أعضاء البرلمان الذي يتألف من 66 عضوا والذين ينتخبون بدورهم الرئيس، وهذه الطريقة هي المعمول بها في البرلمان الفيدرالي في الصومال. 

   هذه الانتخابات وإن لم ترق إلى معايير الديمقراطية الغربية التي تتنافس فيها الأحزاب السياسية للحصول على مقاعد البرلمان وتشكيل الحكومة إلا أن نتائجها جلبت لبونتلاند سمعة إقليمية أدت إلى استعادة المواطن ثقته التي تزعزعت بإصرار الرئيس السابق على البقاء لأطول فترة على سدة الحكم واستحواذ الثروات، وقد تمثلت النتائج في ازيادة أعمال الاستثمار في المدن الكبرى في الولاية وفي مقدمتها العاصمة جاروى نتيجة الاستقرار الذي يسودها.

استحقاقات الفوز التي كانت بانتظار الرئيس عبد الولي كانت ثقيلة جدا وتحقيقها يتطلب إرادة سياسية قوية، وإمكانات بشرية ومالية هائلة ، لأنه ظهر في بدايته الشخص المناسب بحكم مؤهلاته الأكاديمية وسجله السياسي كرئيس وزراء سابق للصومال، مما يمكنه من نسج علاقات مع أصدقاء فاعلين في المنطقة، وثانيا لأنه قد وضع أمام المواطن حزمة كبيرة من الوعود تبدو غير مدروسة رفعت من سقف توقعات المواطن بانتظار إصلاحات جوهرية في مسائل داخلية وخارجية.

   وتتلخص المسائل الأكثر إلحاحا في السياق الداخلي والخارجي للولاية والتي هي بحاجة إلى حلول سريعة في:

تقوية تماسك المكونات العشائرية التي تتألف منها الولاية وبخصوص هذا البند فقد أعلن عن التحضير لمؤتمر عام للمصالحة الشاملة سيعقد في جاروى في موعد لم يتم تحديده بعد.

تفعيل وتيرة التنمية والحد من انتشار الفساد المالي في المؤسسات المالية، وتوفير فرص العمل للشباب العاطل الذي بدأ يخاطر بنفسه عبر الصحراء إلى أوربا.

ترسيخ مبدأ المؤسساتية والشفافية والمسئولية بعد أن قطعت الولاية 17 من عمرها، فما زال النظام قائما على التفاهمات العشائرية والترضيات السياسية المسبقة مما يتطلب نقل الولاية من المحاصصة العشائرية إلى المؤسساتية وتنظيم صلاحيات شيوخ القبائل الذين يمثلون فقط مرجعية تقليدية وليس جزءا من مؤسسات الدولة الدستورية؛ كما هو الحال في أرض الصومال .

   إزالة مخاطر القرصنة، والتغلب على مقاتلي حركة الشباب في مرتفعات شرق الصومال التي تعتبر منطقة إستراتيجية تساعد تضاريسها الجغرافية على التخفي، وشن حرب عصابات ، وقطع الطريق المؤدي إلى ميناء بوصاصو الشريان الاقتصادي للولاية ،كما يسهل التواصل مع تنظيم القاعدة اليمن والحصول على الأسلحة عن طريق خليج عدن. علما أن بونتلاند تتمتع بحدود بحرية تصل إلى 1600 كلم في كل من المحيط الهندي وخليج عدن.

إقامة مجتمع مدني فاعل ومؤثر في الحراك السياسي ، وقادر على ممارسة الضغط على صانع القرار وبهدف توفير أجواء سياسية تتجاوز الاستقطاب العشائري، وخلق توازن سياسي ، وتفادي الأخطاء السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 حل مسألة أقاليم سول وسناج ، وتحرير لاسعانود حاضرة إقليم سول التي استولت عليها إدارة أرض الصومال منذ 2007م حيث إن بقاء تلك المناطق خارج إدارتها يمثل تقصيرا في الوفاء بالمتطلبات الدستورية للولاية.

المساهمة بفاعلية وإيجابية في توجيه المسار الانتقالي في المرحلة الراهنة لتحقيق رؤية 2016م  New Deal  ، وهي شراكة صومالية مع المانحين في المجتمع الدولي.

منذ اليوم الأول من ترشحه للانتخابات التي جرت في يناير 2014م أعلن الرئيس عبد الولي بأنه يستهدف خلال فترة رئاسته إحداث نقلة نوعية في ترسيخ المؤسساتية ، وتنظيم الهيكل المالي بزيادة مصادر الدخل، واستغلال الثروات المختلفة للولاية ،وتفعيل نظام الضرائب بهدف الحد من الاعتماد على الإنفاق الخارجي الذي تقدمه المنظمات الدولية لتسيير أعمال الولاية نظرا لأن تلك المسائل مثلت أبرز المسائل التي كانت تشغل بال المواطن العادي نظرا للمناقشات التي رافقت حملة الانتخابات قبيل يوم الانتخابات.

  فعلى الصعيد الاقتصادي تبقى أنشطة القطاع الخاص الاقتصادية هي السائدة والقادرة على خلق فرص العمل للشباب المتخرجين من المؤسسات التعليمية العليا، وترتبط مؤشرات تنامي هذا القطاع بالمتغيرات الأمنية والسياسية، ورغم أنه لا تتوافر حاليا تقارير منشورة عن حركة الميناء الرئيس في بوصاصو، ومستوى التضخم، والمعاناة في الحياة اليومية؛ إلا أن الانطباع العام للمواطنين يشير إلى اتجاه الأمور نحو تنامي الصعوبات المالية الخانقة، والتباطؤ في دفع أجور الموظفين ،وتوجيه القسط الأكبر من الميزانية نحو العمليات الأمنية، مع وجود تناقص في حركة الميناء بعد استعادة ميناء مقديشو دوره في المناطق الجنوبية من الصومال وتضاؤل أنشطة تصدير المواشي لصالح ميناء بربرة الذي يوفر خدمات جاذبة وتكاليف أقل. 

ويلاحظ في الوقت تضاؤل مخاطر القرصنة في سواحل بونتلاند، فالسواحل الصومالية شهدت 700 هجوما على السفن منذ 2009م ولكن في العام الماضي(2014م) لم تتجاوز عدد الهجمات 11 هجوما لم تسفر عن اختطاف سفينة، كما لا توجد سفينة واحدة محتجزة حاليا في السواحل الصومالية، وآخر مرة حدث فيها الاختطاف كانت في يناير 2013م. في نهاية عام 2011م اختطف سبعة سفن خلال شهر واحد، ويعزى هذا التحسن الكبير إلى اشتداد قبضة القوات الدولية، ومحاربة  السكان المحلي لها.

   فبعد كل تلك الفترة ما زال المشهد الاقتصادي في بونتلاند متعثرا حتى بعد استحداث أنواع جديدة من الضرائب على المبيعات والأرباح ، وعلى رواتب الموظفين مواطنين وأجانب، وزيادة نسبة الضرائب على البضائع الواردة، رغم كل هذا تبدو الحكومة عاجزة عن الوفاء بأكثر التزاماتها أولوية وهي رواتب الموظفين بشكل منتظم .

الفرص المتاحة أمام الرئيس وحكومته لتوظيفها للخروج من حالة الاسترخاء الأمني والركود السياسي والاقتصادي الذي تشهده الولاية

في المستوى المحلي تقاس فاعلية أي رئيس وحكومته بمدى تحقيقه آمال المواطن الذي يعاني من غياب الخدمات الأساسية فضلا عن تحقيق الرفاهية، وبناء دولة القانون والمؤسسات ،في حين تقاس فاعليتها على المستوى الفيدرالي في مدى قدرتها على حسن تمثيلها لمصالح الولاية في ظل تحركات سياسية ترمي لصياغة مستقبل البلاد في ظل فشل الحكومة الفيدرالية في تحقيق أهداف رؤية 2016م . حيث تبقى البلاد في ظروف انتقالية تتسم بالمغالبة حيث تسعى بقية الولايات القائمة والمزمع إقامتها لتأمين مصالحها الخاصة في خضم معركة صياغة دستور دائم للبلاد يحل مسائل تقاسم السلطة والثرة التي أساس المعضلة الصومالية، وتشكيل لجان صياغة التشريعات المتبقية لتطبيق النظام الفيدرالي، في ضوء فهم المتغيرات الإقليمية،وفهم متطلبات المرحلة بدقة، والتعامل معها بذكاء واحترافية والتأثير في المجتمع الدولي والإقليمي.

أهم فرصة تتوافر أمام الرئيس عبد الولي على المستوى الداخلي هو خلو الساحة من معوقات سياسية، تحول دون تنفيذ برامج الحكومة وإصلاحاتها، لوجود إجماع بضرورة الإمهال وإعطاء الفرصة للحكومة الجديدة، مع مساعدة العامل القبلي داخل العشائر التي جرى العرف غير المكتوب بتداولها لمنصب الرئاسة ( ثلاثي محمود سليبان) .هذا ، إذا استثنينا العقبات الأمنية المتمثلة بوجود جيوب ضعيفة من حركة الشباب في مرتفعات إقليم شرق الصومال، وقد زالت المخاوف من أن تصبح المنطقة ملجأ بديلا للحركة بعد اشتداد الهجمات وتوالي الخسائر في المناطق الجنوبية من الصومال بعد أن نقلت الحركة جل عملياتها داخل كينيا ومنطقة شرق إفريقيا التي تتواجد فيها قوات أجنبية.

بإمكان الرئيس عبد الولي وحكومته توظيف سمعة الولاية كمنطقة تمتعت باستقرار أمني وسياسي لمفاوضة المانحين وجذب تمويل أكثر من المنظمات الأجنبية للأنشطة التنموية.

تفعيل كوادر المنطقة، والمنتمين إلى المنطقة في المهجر الصومالي للقيام بالمزيد من الاستثمار في المجالات التجارية والصناعية والتعليمية، وهذا يتطلب تحسين المواصلات مثل المطارات، وإصلاح البنى التحية لمدن الولاية.

فيما يتعلق بالتعاطي مع الحكومة الفيدرالي تبدو مواقف الرئيس عبد الولي –مقارنة بسلفه- معتدلة وراغبة في بناء الثقة تجلى ذلك في زيارته لمقديشو والمشاركة في لقاءات رؤساء الولايات الفيدرالية القائمة وهذا نابع من قناعته بأن تطبيق الفيدرالية يبدأ من بناء الثقة، حيث كرر في أحد خطاباته بأن ” أهم عنصر في تحقيق بناء الدولة الصومالية هو إعادة الثقة بين القيادات الصومالية” .

   يبقى الاختبار الأصعب الذي يواجه كلا من الحكومة الفيدرالية الصومالية وحكومة بونتلاند المحلية هو تباين الرؤى تجاه ولاية الأقاليم الوسطى ” جلدود ومدوق ” من الصومال حيث ترفض بونتلاند رفضا باتا ضم أجزاء داخل حدودها إلى الولاية الجديدة، كما أنها تتمسك برفض أي عضو فيدرالي يتألف أقل من محافظتين من أصل 18 محافظة التي تألفت منها الصومال عام 1990م حسب الدستور الفيدرالي ، وهي خلافات حادة يدعي كل طرف بقبوله الحكومة الفيدرالية كمرجعية ، ويستند إلى اتفاقيات متناقضة أبرمتها الحكومة الفيدرالية مع الجانبين.

 

وعلى الصعيد الأمني بشهادة العديد من المراقبين –أكاديميين وعسكريين- تحدثوا إلى الكاتب فإن الأوضاع الأمنية في بونتلاند ازدادت سوء، مما استدعى عقد مقارنة بين الرئيس السابق الذي تمتع بالكاريزما في التعامل مع المسائل الأمنية واتهام القيادة الجديدة بالافتقار إلى وضوح الرؤية السياسية والفاعلية والمبادرة. ويجعل القيادة الجديدة سقطت في أول اختبار، ومن المؤشرات التي استشهد بها المراقبون على وجود تفلت أمني تمرد ضباط كبار منهم عبد الرحمن حسين مدير الاستخبارات المحلية المعروفة اختصارا بـ PIS ، والجنرال محي الدين أحمد موسى نائب قوات الشرطة ،وهذا في شهر فبراير 2015، ونتج عن ذلك فوضى استشعرها المواطنون في إقليم نجال ومدينة جروى بشكل خاص. وقد انسحب الأخير من المواقع الأمامية في جبال جلجلا في ظرف حرج تستمر فيه المواجهات مع مسلحين ينتمون إلى تنظيم الشباب في الصومال.

 ردا على أسئلة وجهها إليه المواطنون عبر إذاعة صوت أمريكا في 29 مارس2015م معبرين عن هواجسهم بوجود تراجع في المجال الأمني والسياسي نفى الرئيس عبد الولي وجود أي أدلة أو مؤشرات تدل على تراخ في الجانب الأمني قائلا: ” إن هؤلاء الذين يتحدثون عن تدهور الأمن لا يذكرون حقائق وأرقاما ولكن مجرد تكهنات، فكم شخصا قتل خلال فترة الحكومة الحالية ؟ومقارنة بالسنوات السابقة “. لكن الرئيس عبد الولي لم يخف وجود تمرد قائدين أحدهما نائب المدير العام لشرطة الولاية وثانيها مدير المخابرات المحلية لبونتلاند، وقال إن الأول ( الجنرال محي الدين) رفض تسليم مسؤولياته إلى المسئول الجديد ولكنه قلل من تأثير ذلك على مجمل الأوضاع الأمنية بشكل عام. 

وذكر أنه لجأ إلى وساطات شيوخ القبائل ومفاوضات لإنهاء الأزمة دون اللجوء إلى الوسائل العسكرية لحسم الأزمة. في معظم أحاديثه في وسائل الإعلام يؤكد قيام حكومته بإصلاحات ملموسة في مجالات توسيع البنى التحية، بإنشاء مرافق جديدة مثل الطرق البرية والمطارات التي تكون شريطة أساسية لأي حركة اقتصادية ناهضة، وزيادة التبادل التجاري داخل أقاليم الولاية ومع المناطق القريبة في الصومال ودول الجوار في القرن الإفريقي (إثيوبيا تحديدا)، ولم يتوان من الإشارة أيضا إلى أن حكومته أحدثت إصلاحات شاملة في أوضاع القوى العاملة باستحداث أنظمة جديدة لتحسين عمليات التوظيف ،ومقاومة الفساد.

 لا يخفى أن بونتلاند التي مضى على إقامتها 17 عاما هي أول ولاية كافحت لإقرار نظام لامركزي ( فيدرالي) في الصومال وقد تحقق بمؤتمر إلدوريت عام 2004م ومنذ ذلك الوقت أصبحت ولاية فيدرالية تنتظر لحوق أخواتها وخلال العامين الماضيين تأسست ولايتان أخريتان هما ولايتا جوبا لاند(2013م) وعاصمتها كيسمايو، وجنوب غرب الصومال(2014م) وعاصمتها المؤقتة بيدوا وفي الانتظار ولايتان أخريتان هما: هيران وشبيلى الوسطى، وولاية الأقاليم الوسطى من البلاد، والسياسة المعلنة لبونتلاند هي ترحيب تلك الكيانات جميعها وتقديم كافة أنواع الدعم والخبرات.

 وفي حال فشل بونتلاند التي تتمتع بتجانس سكاني كبير( قبائل الهرتي الدارودية  وعدد يسير من القبائل الدراودية الأخرى) ، وتقاليد حكم على هيئة سلطنات ومشيخات قبلية تعود إلى ما مرحلة قيام الدولة الحديثة الصومالية لتكون نموذجا في تأسيس نظام سياسي واقتصادي يحقق آمال المواطن الصومالي فإن هذا الفشل سيبقى دليلا ملموسا على صعوبة تطبيق خيار إعادة بناء الدولة الصومالية عن طريق إقامة كيانات محلية تتكامل في النهاية لبناء دولة قوية  .

زر الذهاب إلى الأعلى