جذور الأزمة بين وزارة التعليم ومظلات التعليم الأهلي في الصومال

 بعد سقوط نظام سياد بري عام 1991 وانهيار جميع المؤسسات الخدمية ومنها القطاع التعليمي في البلاد، قامت قطاعات من نخبة المجتمع الصومالي بملء الفراغ وتأسيس مظلات للتعليم الأهلي في الصومال تقوم بمهام وزارة التربية والتعليم وخصوصا فيما يتعلق بتوحيد المناهج والامتحانات وإصدار الشهادات واعتمادها محليا وإقليميا، وبالفعل نجحت تلك المظلات في توحيد مئات من المدارس الأهلية التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، واقناع بعض الدول العربية بالإعتراف بشهاداتها، الأمر الذي أدَّى إلى الاستغناء عن وزارة التربية والتعليم وبروز المظلات التعليمية كقوة لايستهان دورها في القطاع التعليمي بالبلاد.

جذور الأزمة بين الوزارة والمظلات 

وبعد تحسن الوضع الأمني والمؤسساتي في البلاد عام 2012م بدأت وزارة التربية والتعليم بوضع سياسات تعليمية جديدة تجاه المدارس النظامية الأهلية في الصومال، وابرمت مع المظلات التعليمية الأهلية اتفاقات متكررة حول الشهادة الثانوية الصادرة عن الوزارة والأخرى التي تصدرها المؤسسات التعليم الخاصة للحيلولة دون تفاقم الخلافات الجذرية بين الجانبين والمتعلقة بمستقبل القطاع التعليمي الخاص في الصومالظز

إلا أن قرار الوزارة الأخير الصادر في مارس 2015م بشأن توحيد الامتحانات الثانوية في محافظات وسط وجنوب الصومال واجرائها في 10 من يونيو القادم، كان القشة الذي قصمت ظهر البعير وظهر الخلاف  بين الوزارة وبين مظلات التعليم الأهلي الي العلن، بعد ان أصرت الوزارة على  ممارسة واجباتها تجاه الامتحانات بكافة الأساليب الممكنة، متهمة المظلات التعليمية الأهلية بالتواطؤ مع أعداء استقرار الصومال.

وبحسب مصدر في اللجنة البرلمانية حول البت في القضية تبرِّر الحكومة الصومالية قرارها بأن الاتفاقيات بين الوزارة وبين المظلات الأهلية قد طالت بدون جدوى،  وأن المجتمع الدولي يضغط عليها في شأن توحيد الامتحانات، لكون شهادات المظلات غير معتمدة عليها وموثوقة بها، وأن زمن الفوضى قد ولَّى وآن الأوان أن تنهض وزارة التربية التعليم  بواجباتها تجاه المناهج التعليمية والامتحانات لاستعادة دورها المحوري في الشأن.

 ومن جانبها صرَّحت مظلات التعليم الأهلي في بيان لها بأنها لن تنصاع لقرار الحكومة وسياساتها الجديدة حول الامتحانات، مؤكدة حقها في الاستمرار في خدمة الشعب وتتولَّى إدارة شؤون الامتحانات والشهادات كما كان الامر منذ 25 عاما،  ورفض اجراءات الحكومة الصومالية الهادفة الي تهميش دورها في وضع السياسات التعليمية في البلاد.

 وقالت مظلات التعليم الأهلي في بيانها: إن لديها  أكثر من 17,500 طالب يجلسون هذا العام للامتحانات الشهادية في مدارسها بجنوب ووسط الصومال، وان الوزارة التربية والتعليم  ليس لديها الأمكانيات الكافية للقيام بهذا المهام سواء من حيث الكوادر والآليات والمناهج والتسهيلات والإمكانيات المالية، فضلا عن عدم قدرتها على حماية أمن وسلامة الطلاب والإداريين والمدرسين الذين تهددهم حركة الشباب إن تم تعاونهم مع الوزارة.

 وتسائلت المظلات في بيانها، فكيف تسعى الوزارة إلى التدخل في شؤون التعليم الخاص مع أنه ليس هناك قانون يفصل بيننا عند المحاكمة؟ وخصوصا في ظل غياب نظام تعليمي خاص وضعته الوزارة وتم إجازته من قبل البرلمان.

وبحسب مراقبين فإن المظلات الأهلية تتفادى من سحب البساط من تحت اقدامها بسهولة باعتبارها صاحبة الفضل الأكبر في الحفاظ على التعليم في الصومال منذ عقدين من الزمان، وكونها تحصل على موال كبيرة من مدارسها المنتشرة في مختلف محافظات الصومال.

جذور الأزمة كما يرأها المحللون:

يرى المحلل والكاتب الصحفي محمد أحمد عبد الله أن المظلات التعليمية لعبت دورا لا يستهان في إنقاذ الأجيال الصومالية من الجهل والمستقبل غير المشرق، وبالتالي على الحكومة والشعب الاعتراف بهذا الفضل للمظلات التعليمية، ولكن في المقابل يشدد احمد عبد الله على  اهمية أن تستوعب المظلات التعليمية المرحلة الراهنة، وعليها أن لا تحاول أخذ دور الوزارة، فإذا كان المبرر الرئيسي لوجود هذه المظلات هو غياب دور الحكومة فإن الدور الحكومي بدأ يعود تدريجيا، وعلى المظلات مسايرة هذا التدرج وإتاحة وزارة التربية والتعليم الفرصة لتستلم زمام المبادرة.

 وكان الدور الحكومي في البداية  ينحصر في التصديق على شهادات المظلات فقط، ثم فرض شهادة حكومية موحدة، وفي هذا العام لا مشكلة – حسب رأي محمد – أن يكون الامتحان موحَّدا، وفي العام القادم سيكون هناك منهج موحد وهكذا حتى تكتمل الصورة.

 وقال محمد عبد الله لمركز مقديشو: ” الخلاف الراهن بين المظلات والوزارة في رأيي يكمن في إدمان المظلات في لعب دور وزارة التربية وغياب الاستعداد من جانبها للتفاعل مع التطورات السياسية، ومن أكثر مواقف المظلات غرابة هو رفضهم للمنهج الذي طبعته الوزارة بدعوى أن وجود الشعار الوطني على المنهج قد يسبب لهم مشكلة مع أطراف معارضة للحكومة، مع العلم بأن هذا الشعار مطبوع على لوحات سياراتهم وجواز السفر الذي يحملونه، ولا يسبب لهم أي مشكلة، وتجاوبا معهم قامت الوزارة بطباعة نسخة جديدة من المنهج مع إزالة الشعار الوطني ومع ذلك رفضوا أن تصل كميات من هذا المنهج الجديد إلى مقرات عملهم تمهيدا لتوزيعها على المدارس”.

وأضاف: ” أما الاحتجاج بالوضع الأمني من قبل المظلات وأن قدرة الحكومة على تلك المهمة محدودة للغاية، فهذا – برأيي –  شماعة لتبرير موقفهم الحالي، فالوضع الأمني منفلت منذ زمن ولا أحد يملك حصانة لنفسه من اغتيال وتصفية”.

هل الحكومة تتمكن من تنفيذ قرارها:

قد يكون لبعض التحفظات من قبل المظلات مبررا بناء على تقييم أداء وزارة التربية والتعليم ومدى قدرتها على القيام بدورها بشكل أمثل لاسيما في عدم وجود مدارس حكومية ناجحة، وفي ظل وجود تهديد أمني حقيقي لأنشطة الحكومة وما حدث قبل شهور من هجوم انتحاري على مقرها فإن الوزارة قد لا تتمكَّن من توحيد الامتحانات الثانوية في كثير من المناطق الجنوبية بل وفي العاصمة، وبالتالي قد يكون نطاق عملها محدودا للغاية إذا لم تتمكن من حل خلافاتها مع مظلات التعليم الأهلي، وتجد منها التعاون الرسمي، إضافة إلى ما ينقصها من نقص إداري وكوادر وتسهيلات لازمة.

إلا أن الوزارة قد تَستخدم ورقة ضغطها وتراهن على الشهادة الثانوية الصومالية المعتمدة التي تصدرها، لأن الآلاف من الطلاب الذين يتخرجون من تلك المدارس لابد وأنهم بحاجة إلى شهادات ثانوية معتمدة يجدون منها منحهم الدراسية في الخارج، ولا تقدر مظلات التعليم ملئ هذا الفراغ في الوقت الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى