الإرهاصات الفيدرالية في الصومال (الحلقة الاولي)

الاتحاد الفيدرالي هو مجموعة من الدول تربط بينهما علاقة قانون داخلي، هو القانون الدستوري، هذه المجموعة تجد على رأسها دولة تحتجز لنفسها أهم الاختصاصات السلطة العامة، بحيث تمثل السيادة خاصة في مجالات العلاقات الخارجية والدولية والتشريع والقضاء، فضلا عن ذلك فإن هذه الدولة العليا تحتفظ لنفسها بحق مد اختصاصاتها على حساب اختصاص الدول المتحدة، وذلك إما بواسطة قانون فيدرالي – كل قانون فيدرالي يسري على جميع الدول المتحدة فيدراليا – وإما بواسطة تعديل نصوص الدستور الفيدرالي، وعلى ذلك تجد الدولة المتحدة فيدراليا نفسها مجردة أمام سلطة الدولة الفيدرالية “المركزية” ومن ناحية أخرى فإن الدولة الفيدرالية تعتبر في نظر الدول الأجنبية وحدة واحدة من حيث الإقليم والسوق الاقتصادية والسلطة السياسية.

    وهذا المركز المسيطر الذي تحتله الدولة الفيدرالية بالنسبة للدول المتحدة، لكن بعض الفقهاء أنكروا صفة الدولة على الدول الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي، غير أن احتفاظ هذه الدول بسلطة التشريع سواء التشريع الدستوري أم التشريع العادي داخل حدودها. ويتميز العلاقات بين دول الاتحاد الفيدرالي بخصائص تنعكس على تنظيمها الدستوري فهي علاقات قانون داخلي إلى قانون دستوري، ولا تخضع لقواعد القانون الدولي، وهي بهذا تختلف عن العلاقات بين دول الاتحاد الكونفدرالي، ويرجع هذا الاختلاف إلى أن الاتحاد الفيدرالي ينشأ بوثيقة داخلية هي الدستور، ثم إلى أن الدول الاتحاد الفيدرالي لاتختص بالعلاقات الدولية، ويعتبر هذا المجال محجوزا للدولة الفيدرالية وهذه هي القاعدة العامة، أنظر(سعاد الشرقاوي، النظم السياسية في العالم المعاصر، ص:85-87). ومن هنا نذكر أهم خصائص الاتحاد الفيدرالي:

1- رئيس واحد وحكام ولايات.

2- سياسة خارجية واحدة.

3- حكومة مركزية وحكومات محلية.

4- جيش وطني واحد.

5- دستور وطني واحد ودساتير محلية لا تتعارض مع الدستور الفيدرالي.

6- عملة وطنية واحدة.

7-  رمز وطني واحد وجنسية واحدة، ونشيد وطني واحد. أنظر(حسام مرسي، مدخل العلوم السياسية، دار الفكر العربي،2012،الإسكندرية، ص:63.).

      النظام الفيدرالي نظام معروف لدى الأمم، وأخذ بعض الدول في العالم، أولها الدولة السويسرية والولايات المتحدة وإثيوبيا، وبعض الدول الأخرى أخذوا زي لفط فقط، وهو نطام يتحبده بعض دول ذات تعدد جنسي، وبدأ هذا النظام قديما، ولكن بدأ تطبيقه في العصر الحديث، ويطبق هذا النظام دول ذات تعدد جنسي ولغوي وعادات وتقاليد متعددة، وجاء شعبها من جهات متفرقة وكونوا وحدة جغرافية مشتركة ومصالح مشتركة، مثل الولايات المتحدة التي يتكون شعبها هنود حمر وأيرش وأفريقيين وغيرها من أمم جاؤوا من جهات متفرقة، وإثيوبيا التي يعد من دول ذات تعدد إثني وقوميات مختلفة، مثل القومية الأورومية والصومالية والعفرية والأمهرية والتغرنجية وغيرها، ويتكلم شعبها لغات متعددة ولها عادات وتقاليد مختلفة، ومع ذلك كل هذه الدول لهم رئيس واحد ونظام إداري واحد وسياسة خارجية موحدة وجيش واحد ونشيد وطني واحد وعملة واحدة، ولا يمكن أن يلتقي رئيس الولاية الوفود العالمية بدون علم الحكومة، ولا يتصرف إقليمه بدون علم الحكومة أيضا، ونأخذ مثالا لبعض الدول الذين أخذوا نظام الفيدرالي في المنطقة، مثلا إثيوبيا تتكون من قوميات مختلفة وكل قومية نظام إداري، ولكن ليس معناها أن تكون هذه القومية تتصرف كامل التصرف، ولا يستطيع رئيس الولاية أن يسافر إلى الخارج ليتكلم شؤؤنه في المحافل الدولية، وهو وال لإقليم معين لاغير. أما الدولة السويسرية هي التي طبقت النظام الفيدرالي وهي دولة ذات شعب منقسم إلى قوميات وإثنيات كل إثنية لها امتداد إلى الدولة المجاورة لها، ويتكلمون بلغات مختلفة بل يجمعهم الموقع الجغرافي فقط.

     ومن المعلوم تاريخيا أن المجتمع الصومالي مجتمع بدوي نسبة البداوة أكثر بنسبة الحضر، ومع ذلك زعمت الدولة الصومالية أنها أخذت النظام الفيدرالي، وإذا نظرنا الخلفية التاريخية للمجتمع الصومالي نجد أنه عرف نظام الدولة قبل خمسين عاما، واستقل عن الإستعمار في الستينيات من القرن الماضي، وقبل ذلك كانت السلطة في يد زعماء القبائل (السلطة التقليدية) مثل الأوغاس والإمام والبوقر وغير ذلك، وكانوا يحلون المشاكل تحت الأشجار، وكان الناس يؤمنون بهذه السلطة، وبعد رحيل الاستعمار وتوحيد إقليمي الشمالي والجنوبي كوَنوا وحدة سياسية في يوليو 1960م، وكانت بداية نظام الدولي الحديث في الصومال، وكانت أول تجربة سياسية ديموقراطية في الصومال، وكانت في تلك الفترة مشاكل سياسية مثل عدم نضوج السياسي في المجتمع، وكان جل المجتمع الصومالي يعيش في البداوة، وكانت الكوادر السياسية نسبة ضئيلة جداً، وفي نهاية حكومة عبد الرشيد علي شرماركي بدأت موجات من الأحزاب القبلبة بغطاء سياسي وبلغ عددهم حوالي 85 حزبا، وتفشت الرشوة والفساد الإداري، وقامت بعض ضباط الجيش بقيادة محمد سياد بري بإنقلاب أبيض عام21 أكتوبر 1969م، ودخلت الصومال مرحلة جديدة دكتاتورية لخمسة أعضاء حكمت الصومال حوالى 21 سنة بدون مشاركة الشعب في الحكم، ودخلت الصومال حرب 77 ضد إثيوبيا بدون حليف أوصديق وبدأ يدب التدهور حتى سقطت على أيدي usc عام 1991م، ودخلت الصومال مرحلة جديدة وهي مرحلة الحروب الأهلية، وذاق الشعب الصومالي في الوهلة الأولى مرارة الحياة مثل المجاعة التي أكلت الأخضر واليابس، وتدخل القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة لمساعدة هذا الشعب المنكوب، وبدأت المصالحات الوطنية في كل من أديس أبابا وجيبوتي والقاهرة، وجاءت في حيز الوجود الإدارة الإقليمية لبونتلاند 1998م التي كانت الداعم الأول لفكرة الفيدرالية في الصومال بمبررات أن الحروب الأهلية في الصومال أدت إلى عدم ثقة القبائل بعضهم على بعض، وسعت هذه الفكرة بجميع المؤتمرات والمصالحات الصومالية، مثل المؤتمر الذي تم انتخاب عبد الله يوسف في امبغاتي، حتى نجحوا الفكرة في نهاية المطاف بدعم بعض الدول الجوار، وكان موقف دول الجوار متمثلا في خطاب رئيس الكيني دانيال أرب موي، لقوله في الموتمر الدولي “نحن لا نريد دولة صومالية قوية في المنطقة” وهذا الكلام واضح من حيث الصياغ والمضمون. 

    ولكن السؤال هو مَنْ المستفيد الأول من هذه الفكرة؟ يعتقد كثير من المحللين الصوماليين أن تطبيق الفيدرالية في الصومال من هذا النوع الخاص ليس فيه مصلحة صومالية، حتى وإن كانت فيه مصلحة صومالية يستخدم في وجهها الأقبح، لأن نرى اليوم أن بعض الولايات يرون أن لهم مصلة خاصة ويشاركون عقد المواثيق الدولية وعندهم سياسة خارجية مستقلة وجيش مستقل وعلم وشعار مستقل، لذلك نقول ماهو نمط الفيدرالي الذي أخذت الصومال؟ أهو نمط غير معروف في النطم الدولية؟ أم أن هنالك تنبؤات استقلالية؟ لماذا تتصرف كل ولاية على حدة؟ وماهو الوجه الخفي بهذا التصرف؟  

   

صالح علي محمود

• حصل الشهادة الجامعية من جامعة مقديشو كلية التربية قسم العلوم الاجتماعية عام 2011 م. • حصل الدبلوم العالي في العلاقات الدولية بأكاديمية السودان للعلوم عام 2014م • الآن يحضر درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة سنار في السودان بعنوان" الطرق الصوفية ودورها في الدعوة والثقافة الإسلامية في جنوب الصومال 1889-1960م دراسة تاريخية حضارية " • حصل الشهادة الثانوية من معهد محمد بن نصر المروزي في مقديشوعام 2006م
زر الذهاب إلى الأعلى