عباقرة لهم أصول في المنطقة (29) آل صواخرون في سلطنة عمان(٤) سعيد بن عبدالله صواخرون

وإذا كان آل صواخرون في سلطنة عمان تخصصوا في مجال الأدب والشعر النبطي والقوافي وغيره فإنّ الأستاذ سعيد بن عبدالله صواخرون الدارودي – كما يطلق عليه في الساحة الثقافية في السلطنة- فإنّه باحث متمير ومتخصص في المقارنة ما بين اللهجات الظفارية بجنوب السلطنة وبين اللهجات البربرية بشمال إفريقيا، خلافاً بالباحث والشاعر الكبير خالد  ابن أحمد عبد الله صواخرون الذي له باع في مجال اللهجات الدارجة الظفارية في المنطقة فقط، ويدل على ذلك الإنتاج العلمي والثقافي لأستاذ سعيد  صواخرون من أهل العلم والثقافة والبحث والدراية ، صاحب الاجتهاد و الغربلة، ولشدة حبه بالبحث والخوض في قضايا علمية وثقافية يراها بالفائدة تتطرق بمجال الأنساب والبحث عن توضيح بقضية يٌعدّ من أشد قضايا تعقيداً وجدالاً ، بل ولشدة جرأته تعمق في موضوع شائك وبدل جهدا جبارا في سبيل تبيان عروبة البربر وصلالتهم العرب، وقد أصدر في هذا المنحى كتابا نفيسا مليئا بالحجج والأدلة حيال الموضوع وسماها ” عروبة البربر” ولا غرابة في ذلك للأستاذ سعيد عبد الله صواخرون لأنّه كما سبق ذكره باحث مجتهد وتخصص في اللهجات الظفارية والبربرية. أمّا الكتاب المذكور آنفاً فهو ثمرة جهد ثمان سنوات من الكتابة، وقام الأستاذ دراسة معمقة في علم اللغة المقارن، وفيه يعيد الباحث اللسان الأمازيغي في أصواته وألفاظه ونحوه وصرفه إلى جذوره المشرقية العربية، ومن مميزات هذه الدراسة أنها ركزت على ما بات يُعتقد بأنه بربري بالأصالة من الكلمات والقواعد النحوية والصيغ الصرفية فقام الباحث بمقارنتها بما يطابقها في لهجات المشرق العربي قديمها وحديثها. بل وأضافت الدراسة مقابلة ما بين حروف البربر القديمة بفرعيها الليبي والتيفيناغي وبين حروف ظفار القديمة ليوضح للقارئ مدى التشابه الذي يصل إلى حد التطابق التام بينهما من ناحية الشكل …وأخذ الباحث أيضاً يتتبع ألفاظ المعجم العربي الأمازيغي الذي وضعه الباحث المغربي الشهير محمد شفيق الأب الروحي للحركة الثقافية الأمازيغية، والجدير بالذكر أن الكتاب سعى إلى المقارنة ما بين لهجات جنوب شبه الجزيرة العربية كالمهرية وهبيوت والسقطرية والشحرية واللهجات البربرية بالمغرب العربي قدر المستطاع بالإضافة إلى اللغة العربية فصيحها وعاميّها المشرقيّ، والكتاب يحمل طراوة و نكهة البحث الميداني. ولا شك أنّ عموم الكتاب دراسة لغوية موسَّعة في علم اللغة المقارن ومقسَّمة إلى عدة فصول منها فصل في المعجم وآخر في النحو والصرف، قارن فيها الباحث بين اللهجات البربرية المنتشرة في شمال أفريقيا وبين لغات ولهجات المشرق العربي القديمة والمعاصرة منها، كالكادية والآرامية والكنعانية، والحميرية والسبئية واللغة العربية الفصحى ولهجاتها العامية المشرقية، بالإضافة إلى لهجات إقليم ظفار في قلب جنوب الجزيرة العربية خاصة لهجاتها الثلاث الشحرية والمهرية والسقطرية التي تعد امتداداً للغات جنوب شبه الجزيرة العربية القديمة. ويعد أشمل المعاجم البربرية التي صدرت بالعربية، الكتاب مقسم إلى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، والفصول هي على الترتيب التالي: فصل تمهيد، الفصل الأول المعجم التجانسي، الفصل الثاني الإبدال اللغوي، الفصل الثالث القلب اللغوي، الفصل الرابع إسقاط الأحرف، الفصل الخامس زيادة الأحرف، الفصل السادس النحو والصرف، الفصل السابع الصوت اللغوي. أمّا بخصوص فصل المعجم التجانسي فهو بدوره ينقسم إلى فروع على أساس وظيفي، مثل ألفاظ الماء، وألفاظ الحركة، وألفاظ النبات والرعي والفلاحة، وألفاظ الكرم واللؤم والشرف والوضاعة، وألفاظ الاكتمال والزيادة، وألفاظ الصوت، وألفاظ الكلام والإنشاد، وألفاظ الداء والدواء، وألفاظ السرور، وألفاظ الحزن والبكاء، وألفاظ المحبة، وما إلى ذلك.

ورغم أنّ الكتاب وما يحمل في طياته من أفكار أثار جدلاً كبير في أوساط الأمازيغيين إلا أنّ بعض الباحثين منهم أيدوا فكرة الأستاذ سعيد صواخرون مثل الدكتور محمد بولوز حيث ذكر: ” الأمازيغ هم عرب الهجرات القديمة التي قدمت من المشرق وحطت رحالها في بلاد المغرب وعموم شمال إفريقيا، تلك هي الخلاصة التي ينتهي إليها الباحث المتخصص في علم اللغة المقارن سعيد بن عبد الله الدارودي في كتابه “مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان” والذي صدر مؤخرا في هذه السنة (2012) ضمن منشورات فكر، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، وعدد صفحاته ست وأربعون وثلاثمائة(346) صفحة.” وذكر الدكتور بأنّ الكتاب لم يكن مجرد بحث تجميع لجذاذات مكتبية، وتنقيب في المصادر على الأرائك المريحة، وإنما شمر صاحبه عن ساق الجد وطاف في جزيرة العرب وبالضبط في بلاد ظفار والتي تقع ما بين عمان واليمن، باحثا في لهجاتها ومنقبا عن صلاتها بالأمازيغية وعن جذور أجدادنا نحن أمازيغ المغرب وعموم شمال إيفريقيا.

الجدير بالذكر فإنّ آل صواخرون لهم أيضاً بسمات فيما يتعلق بالبحر وشؤونه لاسيما فيما يخص بالعلوم والأدب المقرون بالبحر. وبعض منهم تلقى جوائز تقديرية مثل يوسف بن أحمد صواخرون مع محمد بن سعيد بيت سويلم، حيث حل في المركز الثاني في مسابقة القوارب التقليدية ( الهوري) في الحفل الختامي المثير للمهرجان البحري الأول بولاية طاقة. كما فاز السيد حافظ أحمد بن عبد الله صواخرون في المركز الثالث ضمن المنافسات الألعاب التقليدية. 

 

 

 

 

 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى