الشيخ  عبدي أبيكر غافلي : مسيرة حياته وكفاحه ضد الاستعمار الإيطالي(1)

المولد والنشأة

ولد الشيخ  عبدي أبيكر عثمان جيدو داذو غافلي رماوسور  وهو مشهور بالشيخ أبيكر غافلي نسبة إلى  عشيرته سليمان رير غَافلِي في قرية عرمادوبي عام 1852[1] .  ويقال أيضا أنه ولد ونشأ في قرية “بكد” وأفنى فيها معظم سني عمره، وكذلك عاش جانبا من حياته في بلدة “فيرفير” في الحدود مع إثيوبيا والواقعة شمال شرقي مدينة بلدوين عاصمة إقليم هيران وسط الصومال، وتزوج امرأة من عشيرة حوادلي وأنجبت له إبنه الوحيد الشيخ أحمد[2].

رحل الشيخ عبدي أبيكر غافلي من قريته “بكد”  عدة مرات للدراسة والكفاح ضد الاستعمار وتنقل بين عدة مدن بينها “مقديشو”، و”فيرفير”،  و”مهداي” ومدن أخرى في اقليم شبيلي السفلى، وزار بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج.

قرية “بكد”

قرية “بكد” التي ولد فيها المنضال الشيخ عبدي أبيكر غافلي كانت قرية بدوية قديمة تقع ما بين مدينتي أفجوي ومركه وما بين نهر شبيلي والمحيط الهندي وبالتحديد في الجزء الشرقي من البلدة التي تسمى اليوم “لانتابوري”، وكانت “بكد” واحدة من أشهر قرى وبلدات اقليم شبيلي  السفلى التي ارتبط اسمها في القرن التاسع عشر بالذاكرة الشعبية الصومالية وأهالي شبيلي السفلى من خلال الكفاح والجهاد ضد الإستعمار الإيطالي ومن المسيرة النضالية للشيخ عبدي غافلي، وكانت موطن عدة بطون متحالفة من عشيرة بيمال سميت في ذلك الحين بـ”إسكاشتو” وتعني باللغة العربية “المتعاونون”  وهذه البطون هي: دبروبي،  وغماني،  وسليمان داذو، وذكر المؤرخ الصومالي الشيخ نور محمد غيلي الذي ولد ونشأ بالقرب من قرية “بكد” لكاتب المقال بأنها كانت في نهايات القرن التاسع عشر قرية كبيرة تعج بالحياة،  مربعا لاستقرار السكان الذين يزاولون النشاط الفلاحي والرعوي، ومقرا مهما للنضال ضد الاستعمار الإيطالي، ومركزا للإشعاع  العلمي والثقافي نظرا لما كانت تقام فيها من حلقات تعليمية أبرزها، حلقة الشيخ عبدي أبيكر غافلي، وحلقة الشيخ عمر خيرو من عشيرة دبروبي[3].

مشايخه وتلاميذه

لقد حفظ الشيخ عبدي أبيكر غافلي القرآن الكريم في سن مبكر على يد والده الذي كان من معلمي الدكسي (الكتاتيب القرآنية) في قرية “بكد” ، وعندما أنهى حفظ القرآن أرسل والده إلى قرية “عيل غال” القريبة من  مدينة مركه لدراسة  العلوم الشرعية وخاصة الفقه، وعلم التفسير وعلم الحديث، و تتلمذ الشيخ أبيكر غافلي على يد العالم النحرير  الشيخ عثمان شيخ حسن شيخ محمود عبد الله المعروف بآرمواي[4] والشيخ عثمان شيخ حسن[5] ، ثم سافر إلى مقديشو لمواصلة دراسة العلوم الشرعية، ولما عاد إلى قريته “بكد” بدأ بتدريس العلوم الشرعية، وكان يدرّس التفسير، وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي لإبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي الشيرازي ، وكتاب فتح المعين للإمام أحمد زين الدين بن عبد العزيز المَعْبَري المليباري الفَنَّاني الشافعي، وكان من أشهر تلاميذه الشيخ إسماعيل خطيب  والد السياسي الراحل ووزير الخارجية الصومالي  الأسبق المرحوم عبد الله شيخ إسماعيل، والشيخ محمد حسن فقيه غعني الذي  كان من العلماء الأفذاذ والأولياء الصالحين في مدينة براوي[6]. والشيخ إبراهيم غاشان الغماسي من علماء مدينة مركه الكبار.   

الشيخ عبدي أبيكر غافلي ومساره الجهادي

عاش الشيخ عبدي أبيكر غافلي في المرحلة ما بين عامي 1852-19022 وهذه المرحلة تعد مرحلة  مفصلية من تاريخ الصومال، ورأي الشيخ مرة واحدة بيئة مغايرة تماما للبيئة التي عرفها وترعرع في كنفها، والاستعمار يتداعى على بلاده ويتكالب عليه، الأمر الذي دفع الشيخ إلى تغير نمط حياته  وتعليق دوره في نشر العلم ومحاربة الجهل، والنهوض إلى خدمة أكبر وأهم  منها وهي مواجهة الإستعمار وتحرير البلاد.

كان  الشيخ عبدي أبيكر غافلي  عالما دينيا  مشهورا في أوساط عشائر اقليم شبيلي السفلى.  وطاف  عام 1888-1910  معظم المناطق في وادي شبيلي لنشر الدعوة والتعليم[7]  ، ومحذرا المواطنين من خطر الاستعمار الإيطالي ومطالبا بالمشاركة في الدفاع عن البلاد، وذاع صيت الشيخ أبيكر غافلي بعد حادثة لفولي عام  1896 التي قتل فيها  جنود من الاستعمار الإيطالي وذلك بسبب تأييده لهذه الحادثة ودعوته الصريحة للناس وسكان منطقة شبيلي السفلى للقتال ضد الإستعار الغاسم وتحريره من الأراضي الصومالية .

دخول الاستعمار الإيطالي في منطقة بنادر

في 12 أغسطس عام 1892 أبرمت إيطاليا اتفاقية بواسطة قنصلها في  سلطنة زنجبار “فيلوناردي” مع سعيد برقش سلطان زنجبار لاستئجار عدة موانئ في جنوب الصومال، وهي ورشيخ، ومقديشو ، ومركه، وبراوة، وأسواقها الداخلية لمدة 25 -50 عاما، وبموجب هذه الاتفاقية، أصبحت تلك المناطق تحت حكم الاستعمار الإيطالي. وفي 25 مايو  1893  ندبت إيطاليا شركة فيلوناري وبعدها شركة بنادر، إدارة شؤون موانئ منطقة بنادر وأسواقها الداخلية، وفي 16 يوليو 1905م، انتقلت الإدارة إلى الحكومة الإيطالية مباشرة [8].  وفي هذا الوقت   كانت تشهد  منطقة بنادر وخاصة مدينة مركا وضواحيها حالة من الاستنفار ضد وجود الزنجبارين والاتفاقية التي أبرموها مع الاستعمار الإيطالي ووقعت عدة حوادث قتل فيها عدد من الجنود الزنجبارين وضباط من الإيطاليين.

حادثة لفولي

في 25 نوفمبر عام 1896 قتل رجال قبليون وخاصة من عشيرة وعدان وعشائر أخرى جنودا من الاستعمار الإيطالي في منطقة تسمى ” لفولي”  التي تقع ما بين مقديشو وأفجوي. أثارت هذه الحادثة غضب الاستعمار الإيطالي، وشن هجمات انتقامية وغارات متلاحقة على قبائل في منطقة بنادر التي كانت تمتد في تلك الحقبة من مدينة ورشيخ الساحلية إلى مدينة براواة جنوبا ليثأر جنوده ما أدى إلى اندلاع ثورات وانتفاضات شعبية في أماكن مختلفة في غرب ضواحي مقديشو ولكن جميع المحاولات الثورية لم تتمكن من كبح جماح المستعمر الإيطالي وذلك لعدم تكافؤ القوى والقدرات القتالية بين الطرفين وعدم توفر السلاح لدى القبائل الثائرة، فهدأت الثورة فترة  من الزمن وبعد 3 أشهر في نفس العام ، “أعلن سكان البادية خاصة من قبيلتي بيمال ووعدان الحرب على الاستعمار الإيطالي، وانضم إليها كثير من المتطوعين من قبائل أخرى واشتعلت الثورة من جديد وبدأ الاستعداد للقتال رغم القوة غير المتكافئة بين الجانبين عدة وعتادا “[9]  وكان من بين قيادات تلك الثورة الشعبية التي ساهمت في إذكاء شرارتها الشيخ عبدي أبيكر غافلي ، ورصد الاستعمار الإيطالي مبالغ مالية كبيرة  لمن يلقي القبض عليه[10]    أو يساعده في اعتقاله أو يدلي معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليه بعد أن فشلت عدة محاولات لإستمالته وإقناعه بالتخلي عن الحرب وعدم الانخراط في صفوف المقاتلين ضد الاستعمار الايطالي، ووعدوا له بتقديره وتخصيص مبالغ مالية شهرية على غرار ما فعلوا بالنسبة لبعض العلماء في مدينة مركه. 


[1]   Historical Dictionary of Somalia, New Edition    الدكتور محمد حاج مختار 2003

[2]  مقابلة مع  المؤرخ الصومالي الشيخ نور محمد المعروف بشيخ نور جيلي، وهو من أبرز علماء اقليم شبيلي السفلى وله حلقات للعلوم الشرعية في قرية رقم 50 بين مقديشو ومركه ، وأجرى الكاتب المقابلة في 10 أكتوبر عام 2016  في مديرية وذجر  جنوب شرقي العاصمة مقديشو

[3]  مقابلة الشيخ نور جيلي مرجع سابق

[4] Historical Dictionary of Somalia, New Edition     مرجع سابق

[5]   مقالة بعنوان  Sheikh Gafle ha ugefin     يحي عامر  نشر  28 يوليو 2019  انظر موقع صومالي وين 

[6]  مقابلة الشيخ نور جيلي  مرجع سابق

[7] Historical Dictionary of Somalia, New Edition    مرجع سابق

[8]  أضواء على تاريخ الصومال  د. الشريف محمد عيدروس 1 يوليو 1999  دمشق  ص: (78-79 )

[9]  كشف  السدول عن تاريخ الصومال ومماكلهم السبعة  الشيخ أحمد عبد الله ريراش الصومالي  31 سبتمبر 1971  ص: (197)

[10]  مقابلة الشيخ نور جيلي مرجع سابق

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى