مراحل وتطور الإعلام  في الصومال 2-12

المطابع في الصومال

لم يكن للصوماليين عهد بوسائل الإتصال الحديث ، الصحافة والإعلام الا بعد دخول المستعمر الأوروبي في بلادهم نهاية القرن السابع عشر وذلك بسبب غياب المطابع والمعرفة اللازمة لتشغيل آلات الطبع والوسائل الحديثة، وقبلها كانوا يتواصلون عبر الطرق البدائية والاتصال الشفوي، وفي الغالب كانوا يبادلون المعلومات والأخبار عندما يلتقون في الأسواق أو في منازل شيوخ العشيرة ودور العبادة، وكان الشعر من أهم وسائل نقل الأخبار والوقائع، معبرا عن الحياة الواقعية ومحللا للأوضاع الراهنة في البلاد، ولهذه السبب نجد أن االتاريخ والتراث الصومالي  معظمهما منقولة من المستعمر.  أما ما جاء على لسان الصوماليين مجزأة وغير مكتملة ويصعب أحيانا جمعها؛ لأنها لم تدون وكانت منقولة شفهيا مما يعرضها للنسيان والتناقضات- باستثناء ما ظهر في مذكرات العلماء الصومالين الذين كانوا يكتبون باللغة العربية أو اللغة الصومالية بحروف عربية- وتقتصر على ما يتناقله الصوماليون من أشعار الشعراء أو مما تم تسجيله في أحسن الأحوال من شهادت الأشخاص الذين عاصروا تلك الفترة.

وبعد دخول المستعمر البريطاني والإيطالي في البلاد، كانت المطابع وأول وسيلة إعلامية دخلت البلاد ما أفسح المجال إلى ظهور الصحف والإذاعات، حيث بدأ الصوماليون لأول مرة في تاريخهم يتابعون الأخبار والأحداث التي تقع في الصومال والمنطقة والعالم عبر صحف تطبع في بلادهم إلى جانب صحف تصدر من الخارج، بل كانوا يشاركون في إعداد الصحف والإذاعات وتحريرها وقراءتها رغم أن لغتهم كانت لغة غير مكتوبة وأنها لم تكتب الا في عام 1972 لكن يجدر بالإشارة إلى هذه الوسائل الإعلامية  جلها كانت لخدمة الاستعمار وبث الأخبار الذي تتفق مع أهدافه ولدعم نفوذه وإبقاء الشعب الصومالي رازخا تحت سيطرته.

ظهرت المطابع أول اختراعها في ألمانيا عام 1431م وأن أول مطبعة استخدمت الحروف العربية هي التي تأسست في روما عام 1415 للميلاد ، ثم تتابعت المطبعة في الشرق وفي الأستانة ، وكانت مطبعة البطارقة التي انشأت سنة 1702م في مدينة حلب السورية أول مطبعة عربية تظهر في الشرق، وبعدها عرفت الطباعة في لبنان ومصر والعراق.

أما في  الصومال لم تدخل الطباعة الا بعد دخول الاستعمار والحركات التبشيرية المرافقة له إلى البلاد نهاية القرن الثامن الميلادي، وكانت الطباعة من الأدوات التي اصطحب معها الاستعمار لاستخدامها في ترسيخ أقدامه في البلاد، ويستعينها في طباعة الرسائل إلى الولايات والاتفاقيات مع زعماء العشائر ، والبيانات الرسمية. ومن بين أولى المطابع التي أنشئت في الصومال:

   1-  المطبعة الإرسالية

المطبعة الارسالية التابعة للكنيسة الكاثوليكية هي أولى المطابع الاستعمارية التي ظهرت في الصومال عام 1935م  وتم استخدمها في طبع البيانات الرسمية والأوامر الموجهة إلى الصوماليين. تحولت المطبعة الإرسالية عام 1950 إلى مطبعة رسمية تستخدم في طبع الجرائد الحكومية والنشرات الرسمية إلى جانب قيامها بطبع الاستمارات المختلفة التي تحتاج اليها الحكومة الصومالية في تسيير أعمالها ووظائفها إلى أن تم افتتاح مطبعة جديدة عام 1965.

2- مطبعة البحّار جامع محمود

كما أسلفنا كانت معظم الصحف الصادرة من الصومال في مرحلة الاستعمار  والمطابع التي تطبعها، وسائل إعلامية يملكها رجال اعمال ايطاليون ولم يكن هناك صحفا أو مطابع صومالية. وفي عام 1950 اشترى البحّار جامع محمود تكر جوعار من ايطاليا مطبعة مزودة بالحروف العربية ليتم إنشاء أول مطبعة يملكها الصوماليون في مقديشو، وإصدار أو ل صحيفة باللغة العربية أطلق عليها صحيفة اتحاد الشعب( Etihad Al sha,ab)   في العاصمة مقديشو عام 1951    وكانت أول جريدة صومالية تصدر من داخل البلاد وتطبع بمطبعة صومالية.

3- مطابع أخرى

بعدها تتابعت المطابع وخاصة خلال فترة الوصاية التي استغرقت 10 سنوات وتم انشاء حوالي 6 مطابع أهلية وهي:  المطبعة القومية ، مطبعة ديل بون ، والمطبعة الشرقية ، والمطبعة الصومالية ، ومطبعة حمر للدكتور شريف عيدروس، ومطبعة بنادر، ومطبعة أومار في هرغيسا.

4-مطبعة الدولة

 يعود إنشاؤها إلى فترة الوصاية عام 1950  وأنها كانت من المطابع التي استخدمها الاستعمار ، وكانت تطبع الجرائد الحكومية والنشرات الرسمية، لكن  في عام 1969 لما استولى العسكر على السلطة قام بتأميم  المطابع والصحف الحكومية والخاصة من بينها مطبعة صحيفة اتحاد الشعب وكذلك تم تأميم المطبعة الإرسالية والمطابع الأخرى ، وأنشئت مؤسسة مطابع الدولة التابعة لوزارة الإعلام ووضعت جميع المطابع تحت اشرافها وذلك بعد الاعلان عن الأبجدية الجديدة  المختارة لكتابة اللغة الصومالية في 21 أكتوبر عام 1972 بهدف تسهيل طبع الجرائد والصحف والكتب المدرسية والثقافية المطلوبة باللغة الصومالية لإنجاح محاولات محو الأمية وصوملة الإدارة العامة والتعليم المدرسي.

 وفي عام 1965  منح الاتحاد السوفيتي للصومال مطبعة جديدة ضمن المساعدات التي  كانت تقدمها للشعب الصومالي مما ساعد مؤسسة مطابع الدولة على تطوير مطابعها سواء من حيث العدد والجودة. قامت المؤسسة بتوسيع نشاطات مطابع الدولة خارج العاصمة مقديشو وافتتحت فروعا اقليمية لها في كل من هرجيسا وبرعو في الشمال، وبوساسو في الشمال الشرقي ، ومدينة بيدوة عاصمة اقليم باي، وكسمايو جنوب البلاد. كما قامت بطبع أعداد هائلة من الكتب المدرسية  باللغة الصومالية، والجرائد والصحف والمجلات باللغات الإنجليزية والصومالية والإيطالية. وكان من زبائنها المواطنون العاديون والوزارات، والوكالات العامة  وكانت تحقق أرباحا كبيرة كل عام وتستعمل جزءا من هذا الأرباح في توسيع نشاطها. فقد صرفت على سبيل الميثال حوالي 35 مليون شلن صومالي في بناء وتجهيز المبنى الرئيسي الكبير لمطبعة الدولة وسط العاصمة مقديشو وتوفير المعدات والآلات الطبع اللازمة، وكان يعمل فيها قبل الإطاحة بنظام  سياد بري أكثر من ألف عامل وفني وإداري.

 وفي عام 1991 تعرض قطاع المطابع في الصومال بالنهب والتدمير جراء الحرب الأهلية ولم يتعاف من الأضرار التي لحقت به حتى الآن رغم انشاء مطابع خاصة.  وأنشئت أولى تلك المطباع في مدينة هرجيسا باقليم أرض الصومال في 2فبراير1995 ، وكانت تطبع صحيفتي “الجمهورية” و”هاتف” وغيرها والتي تصدر حتى اليوم. لقد انعكس تزايد عدد المطابع الصومالية في الصومال بعد انهيار الدولة ايجابا على قطاع الصحف، حيث بدأت كل قبيلة أوعشيرة باصدار جريدة تنطق بلسانها قبل أن تخرج معظمها من المشهد لاحقا بشكل تدريجي مع ظهورالصحف الإلكترونية والقنوات الفضائية .

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى