«التقدم المحرز في الصومال» مجرد سراب وأوهام

يُحْكَى أَنَّ أعرابيا صاد هرا فلم يعرفه، فقابلة رجل في الطريق فقال: ما هذا السنور؟ ولقي آخر، فقال: ما هذا الهر؟ ثم لقي آخر؛ فقال: ما هذا القط؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الضّيون؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الخيدع؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الخيطل؟ فقال الأعرابى: أحمله وأبيعه لعل الله تعالى يجعل لى فيه مَالاً كَثِيرًا !! فلما أتى إلى السوق قيل له: بكم هذا؟ فقال: بمائة. فقيل له: إنه يساوى نصف درهم. فرمى به، وقال: ما أكثر أسماءه، وأقلّ ثمنه! 

هذه القصة تنطبق تماما على الرئيس حسن شيخ محمود الذي يبدو هذه الأيام مزهوا بتصريحات بعض ممثلي المجتمع الدولي في الصومال المشيدة بالخطوات التي تتخذها الحكومة بهدف اعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتحقيق رؤية عام ٢٠١٦. 

 إن الرئيس ينخدع بإشادات لا تعدو كونها سياسية وبروتوكولية، ومصر على المضي قدما في طريق الفشل من خلال اصدار مراسم وقرارات صورية واستعراضية رغم معرفته بأنها  لا تفضي الا الي طريق مسدود، والي مزيد من الاحتقان السياسي وصب الزيت على النار المشتعلة في بعض المناطق الصومالية. 

يتباهى الرئيس اليوم بتشكيل مجلس الأعلى للقضاء ولجان الانتخابات والحدود ومراجعة الدستور، ويصفها بالانجاز العظيم، وخطوة مهمة نحو الاستقرار السياسي، وعودة مظاهر الدولة، لكن في الحقيقة لن تختلف تلك اللجان والمجالس كثيرا عن نظيراتها التي شكلت بعد  انتخابه رئيسا للبلاد عام ٢٠١٢ والتي ذهبت معظمها ادراج الرياح، وصارت جزاء من الماضي، لأنها لم تكن على الاطلاق سوى غطاء سياسي الهدف منه إخفاء حقيقة ما يجري على الارض. 

قبل عام تقريبا كان الرئيس يحتفل بتشكيل اللجنة الوطنية لمراجعة الدستور، لكن اليوم نقف امام حقيقة تلك اللجنة وكيف فشلت في تحمل مسؤوليتها تجاه الوطن والمواطنين حتى اعلنت، قبل أيام رئيسة اللجنة استقالتها من مدنية جالكعيو وليس من مقديشو العاصمة لتعطي دلالات على عمق الخلاف بين الفرقاء السياسين في البلاد والذي اعجل استقالتها.

 لا يخامرنا ادنى شك ان القرارت التي ستتخذه الحكومة في الشهور المقبلة لن تجد طريقها الي التنفيذ ولن تستطيع على  تحقيق تطلعات الشعب واستحقاقات المرحلة، لان الأرضية التي تبنى تلك القرارات باطلة وانه لم يتم تهيئة الاجوء المناسبة لانجاحها وان ما بني على باطل فهو باطل، ومن المستحيل ان يستقيم الظل والعود اعوج . 

اعلن الرئيس، أول امس الجمعة 08\05\2015 في كلمة وجهها للشعب عبر الإذاعة الرسمية عن تحقيق تقدم كبير على جميع الأصعدة ولا سيما فيما يتعلق بتطبيق رؤية عام 2016 واجراء الانتخابات  العامة في موعدها المقرر، وذلك من خلال سن القوانين ومصادقة المشروعات القانونية الضرروية لتنظيم الانتخابات والمضي قدما  في وضع السياسيات العامة  والتشريعات لتنمية الاقتصاد ومعالجة القضايا التي تهم المواطن ، ومواصلة الجيش الوطني تقدمه نحو تحرير المدن الكبيرة من حركة الشباب وتعقبهم في الارياف والقرى النائية. 

لكن  للاسف هذا الكلام عار عن الصحة ولا يعكس الحقيقة المرة في البلاد، والخلافات الحادة بين الفرقاء السياسين وصراع العشائر على السلطة والثروة. ولا يعكس الوضع المعيشي والاقتصادي الراهن في بلدنا الذي يوشك ان يقع في ازمة اقتصادية حادة نتيجة التضخم ووصول  سعر الشلن الصومالي الي ادنى مستوى له مقارنة بالدولار الامريكي ما اضطر المواطن العادي ان يتخلى الشلن واستخدام الدولار بدلا منه، بل وصل الامر لحد يسأل المتسول ان يعطى بالدولار.

تجاهل الرئيس في خطابه عن حالة الفساد والظلم والتعسف الموجود في محاكم البلاد، والتقارير المتهمة بوزراء ومسؤولين كبار من القضاء ورجال الاعمال بالفساد ومصادرة ممتلكات الدولة مثل مباني الفنادق الحكومية والمدارس وعرضها في مزاد علني، بحسبما ذكره وزير الاعلام  محمد عبدى حير مارييه في حوار بثته اذاعة مقديشو الرسمية ناهيك عن محاولات لاستخدام اموال الدولة في الصراعات بين العشائر والحملات الداعية في الانتخابات المزمع عقدها في المناطق الوسطى، رغم تعين النائب العام وتشكيل ما يمكن تسميته بجهاز المحاسبات المالية. 

وكذلك جانب الرئيس الحقيقة عندما تجافى حقيقة قوة حركة الشباب ونجاحها في اختراق اجهزة الدولة الضعيفة وتواجدها في المدن القربية فضلا عن الارياف والقرى المحيطة بالعاصمة.

ويضع الرئيس العربة قبل الحصانة، ويبني بيتا من طين. فبدلا من الاهتمام بهموم الشعب وتطلعاته الي العدالة والمساوة، وتلبية احتياجاته الضرورية، وتحرير البلاد من ربق المحسوبية والقبلية ومحاربة الفساد المستشري في جميع دوائر الدولة والذي يلعب دورا كبيرا في توسعة الفجوة بين مكونات الشعب الصومالي واضعاف ثقة المواطنين بالحكومة والرئيس، يضع على رأس اولوياته الفوز بولاية ثانية في إنتخابات عام 2016م. والقيام بمهمات هدفها اقناع المجتمع الدولي وتضليل الرأي العام الدولي والمحلي، والتي يعرف  استحالة انجازها على الارض في هذه المرحلة وفي ظل غياب مقوماتها وعدم توفر المناخ المناسب لها.

لا ابالغ اذا قلت ان ما يردده ممثلوا المجتمع الدولي من احراز تقدم في الصومال يجافي حقيقة الوقع الراهن في  البلاد وان القرارات التي يصدرها الرئيس واللجان التي يتم تشكيلها  لن يكون مصيرها احسن من القرارات السابقة واللجان المشكلة خلال السنوات الماضية، لانها بنيت على افكار وايدولوجيات سياسية  لشخصيات لا تسعى الا لمصالحها الذاتية ولا تلقي بالاً للوضع الماساوي الذي يعيش فيه الشعب، ولا ترقى الي مستوى المخططات التي تستهدف وحدة البلاد وتماسك شعبه.

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى