أحلام ثقافية (ركن أسبوعي) عباقرة لهم أصول في المنطقة (27) آل صواخرون في سلطنة عمان

في الحلقات الماضية تناولنا في حياة الشاعر علي بن عبد الله ين يوسف صواخرون المشهور بعلي الصومالي ونشاطه الأدبي، ولا مانع  هنا أن نتناول بعض الأخبار الأدبية عن ذلك البيت الأصيل في سلطنة عمان من آل صواخرون لاسيما هؤلاء الذين يشار إليهم بالبنان كالشاعر الكبير عبد الله بن علي بن يوسف صواخرون وغيره من الأدباء المبدعين مثل الشاعر خالد بن أحمد عبد الله صواخرون الصومالي وموهبته الشعرية والأدبية الذي أشرنا فيما سبق مما يدل على تفوق البيت الصواخروني وحظه بالمواهب الفذة. 

 عبدالله بن علي بن يوسف صواخرون المشهور بـ (عبدالله الصومالي)

فنبدأ حديثنا عن أحد شعراء وأعيان ولاية طاقه الذي كان له الدور الكبير في أحداث الولايه، فذلك الشاعر عبد الله بن علي ين يوسف صواخرون، وهو من مواليد عام 1917م في ولاية طاقة وقد تربي فيها، وكان والده رجلاً صالحاً وتقياً ويعتبر من أعيان الولايه وكان من تجار الولايه. أدخل ولده عبدلله منذ صغره إلى مجالس التعليم وحفظ القرآن فدرس القراءة والكتابه وبعد تلقيه العلم عمل مع والده في التجاره الذي بدوره علمه أصول التجاره وقوانينها وكيفية التعامل بين التجار وعامة الناس وطرق الصادرات والواردات. أشتهر شاعرنا مثل والده بالكرم والجود وكان لا يرد من جاء بابه محتاجاً ثم إستقل شاعرنا بتجارته الخاصه بعد أن فهم أصول التجاره فعمل جاهدا على زيادة تجارته فقد كان له وكلاء في عدن والمكلا والهند يعملون في ما بينهم في مبادلتهم التجاريه.زار الكثير من البلدان منها معظم دول الخليج وكذلك زار الهند وألتقى فيها بالسلطان تيمور بن فيصل آل سعيد الذي بقى في ضيافته مدة من الأيام. أبدع شاعرنا تقريباً في جميع فنون الشعر فله قصائد جميله جداً في أغاني (الدبرارت-النانا) وهي أغاني تغنى باللهجه الشحريه في جبال ظفار(الجباليه). فالذي يفهم ويتذوق هذه الكلمات سوف يتعجب من غزارة المعاني وما تحمله من مفاهيم وأحداث لم تخلدها سطور الكتب لأن القصيده تعتبر مرجعاً للحدث ليست مدونه وإنما تعتمد على الحفظ الذي غالباً ما يكون فيه بعض التغير والتحريف الغير مقصود من جانب الحفظه وهذا بسبب عدم إهتمام الجيل الحاضر بهذا التاريخ الذي حفظه لنا الزمن من الإندثار إلا إنه في طريقه إلى النسيان. والشاعر عبدالله بن علي صواخرون الذي بدع كثيراً في شعر الزامل والمطارحات التي تدور بين الشعراء وخاصة في فن الهبوت وأيضاً بدع في فن التغرود. توفي رحمه الله في عام 1969 ميلادي.

بعض أشعاره:

ومن أدبه وإبداعاته الشعرية قصيدته التي كتبها عام 1969م والتي جاء في مطلعها:

يـا كــوس هبي زيــدي النسنـاسي… دوري بشربــه بـارده من كاسي

وتخص به المحبوب غير الناسي…والثوب شي جاوي وشي مدراسي

والتبــر مــا يفســخ ولا ينداســي…خـص العرب اللي ساكنين الراسي

لي ناصبيــن وســـط الخيــم أكراســي…ولا يكيلــون اللبــن بقــلاسي

يـــا صـــاحبي مــــاذا قليبـــك قــاسي…وتبــدل الأحكــام بالأقســـاسي

شرقــا يغيــب عقلــك وتمســي ناسـي…وأشوف بوطالب سراجه لاصي

مــا هــو كمــا السفــري الـذي بيواسي…لي جــاب لي ميــزر بالأعياسي

لما بلغت هذه القصيدة  إلى مقام الشاعر سالم بن مستهيل جرحوت العامري  كتاب أبياتاً غير القوافي يرد على الشاعر عبد الله بن على صواخرون مع أنّها غير قوافي، إلا إنها رائعه بكل ما تحمل من معاني زاخره، فيقول ابن جرحوت العامري:

يا كوس هبي نسنسي عدالي…شوق على من شاف شوق إقبالي

يا بومحمد لك سلام حالي…زايد على العربان بالأرطالي

عندي عزيز ما تهون الغالي…أسميك تعرف شومتي وأحوالي

وعسى على راحه نشوفك سالي…نتقنص الغزلان والأوعالي

من قول بوطالب نظمت سؤالي…ذا بكرة سوداء شغيلت بالي

ولها قتيب يزيد شغل العالي…من غير قاعد للفراش زوالي

ردفه جديله والخزامه تالي…ورعانها كامل بلا مفاصالي

وفرودها ميدان كالخيالي…يرتاح قلبي لي مشت عدالي

كالبرق خاطف تاج له وهلالي…لا هي بديويه بسيح الخالي

وللا على السيفه مع السركالي…تسكن بحيد النوف والأجبالي

دايم على خضره وأكله حلالي…ومن يراعيها بيمسي سالي

كم قد عبرنا يوم غير إليالي…وكم تصادفنا هوى شلالي

ولها حريص دوم ما يرضى لي…لا هو شديد الباس يتعدالي

ولا من الشجعان والأبطالي…كلا مال الناس ذا زوالي

وهذا الحركة الأدبية تدل على علاقة الأدباء والشعراء العمانيين وتجاوبهم ومداخلتهم الأدبية مثل غيرهم ومن الشعراء.

وكان الشاعر عبد بن علي يستخدم أحياناً بموهبته الشعرية والقوافي عن طريق المراسلات وإيصال خبر معين لمن له علاقة في المجتمع، كما فعل ذلك مع أحد أصحابه وهو الشيخ مسلم بن أجهام علش الكثيري رحمه الله…الذي كان تربطه الشاعر علاقه قويه وحميمه قديمه..فأرسل له هذه القصيده يشرح له فيها عن مجريات الأحداث وهو يخبره إنه قريباً سوف يزوره فيقول:

وسلام لك همـــدان ولك الفاتحيــه…لي يحكمــون الضــرب مـــا بيــن العيانـــي

أو يــدركــون عنــد الحنــب في الأوليــه…مبلغيــن الشـــف في هــذا وشـانـــي

لي جــدهم جــاهــد مع سيد البريه… وسمح لهـــم بالخلـــد يســرح في الجنــاني

أهل الكرم وأهل الشرف والنومسيـــه…وحيــدهم نايـــف على رؤوس المبــاني

بــن عـلــــش رزه للعـــدا رتبـــه قويـــه…وفي ربيعـــه قــط مــا عنـه يوانــي

في دمهـم عــاد مــا بــدا ياخذ قضيه…كل السواقي جاريـــه مــن غيــر ســاني

قولوا لمسلم كيف عمل هاذي الأذيه…من لي يفك الهيج مـــن وســـط الرصاني

ذا وقــت عاثـر مـا يجــي فــوق السويــه…وأنت خبير عالم وعارف ترجماني

عفوا تخاطــب بن صبــاح وبن عطيــه…لما يكــون يا صاحبي هاذي المعاني

شــوف الهــــوى لا زال لـــه ليــه بليــه…وتضيــع الحسبــه ثمــان في ثمــانـي

قـــد شفـــه لقـى في النــاس في الجــوف كيه…وتنهج له حتى شكى إنس وجاني

ودي معــاكم في هـــواكــم والهويــه…حتى ولــو بين المقــص واحــد رمــاني

لكـــن بهـــذا الوقــت متعطـــل شويــه…باذكـــرك لا عـــاد تقــول خلي نساني

نــرجى كــريـــم الجـود يكرم بالشفيه…يمسي مع شعب الطرب وأهل الأغاني

غبــه سلامــه تشــوف حيستهـــا بليـــه…ومــن تغيــر وسطهــا قد صار فاني

فــي ظـــن بــك مغتـــر مــا عنـــدك ذحيـــه…بحــر ما هو كما ساحـل عماني

والآن اسمـــح كـــان منـي شي خطيــه…مشغــول قلبــي مـن تقلاب الزمـاني

عــاد الشمــج البرعمي خــذ لــه هديـــه…قالوا يجـري في الهوى وفي الرواني

وبـــــن عويــده كيه يتحير في مجيه…ظني صليب الــراس مــا يقــدر يـــداني

مـا شـــاف كــم الوقــت قــاسي فـي بليه…لو هو درك بالحال ولا مرسول عاني

كــان إنتظـــاري لـه صباحــاً والمسيـــه…ويقــول شغلــه عننـــا ومــع خـواني

لكـــن ولــد جـاهــل وفكرتــه خليــه…ولا يكــون بالأمــس مع الخطــار جاني

واختمــت قـولي بالشخــوص الهاشميـــه…واللي قـرا في الــدرزعي لأم المثاني

ويقول الكاتب الشاعر الصواخروني وهو خالد بن أحمد عبد الله صواخرون في كتابه ” المنظار في شعراء ظفار” أنّ عبد الله بن علي صواخرون شاعر مبدع في كافه فنون الشعر حتى فن الدبرارات والنانا وتتسم قصائده بغزارة المعنى وهي صف تربط بين شعره وبين شعر سالم مستهيل جرحوت الكثيري إلا أن الأخير لم تخلد قصائد – أو لم يستطع الكاتب الحصول عليها. ومما يوجد حتى الآن من الشعر للشاعر عبد الله بن علي صواخون ما يقارب 16 قصيدة بينها المرادات.

ومهما كان فالكل شهد بأنّ الشاعر الكبير عبدالله صواخرون فعلآ قد أثرى الساحه العمانيه والظفاريه خاصه بالعديد من الفنون والأشعار الجميله مثله مثل غيره من الشعراء الظفاريين الذين ضمّ بعض أسمائهم في كتاب ” المنظار في شعراء ظفار” للكاتب الموهوب خالد بن أحمد عبد الله صواخرون الذي سوف نتناول إن شاء الله في حلقتنا القادمة.

وفاته:
وقد توفي الشاعر عبد الله بن علي بن يوسف صواخرون المعروف بـ عبد الله الصومالي عام 1969م رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته.

 

 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى