مقومات الوحدة الصومالية ومعوقاتها 2

هناك تناقض شديد حير الباحثين والدراسين في الشأن الصومالي، بين الواقع الصومالي على الأرض، وما يتميز به الشعب الصومالي من مقومات الهوية القومية، حسب معايير الاندماج الوطني والتجانس الثقافي، تلك المقومات التي تعتبر فريدة من نوعها في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكي نحاول تفسير هذا التناقض ينبغي القيام بدراسة الوحدة الصومالية ومقوماتها من جانب، والعوائق والصعوبات التي تعترض طريقها من جانب آخر، ثم التحليل والمقارنة بينهما لإيجاد عوامل القوة والضعف في كل منها، ونبدأ بمقومات الوحدة الصومالية مستهلين بها وحدة السلالة العرقية

وحدة السلالة العرقية

   اختلف علماء الأجناس والسلالات البشرية حول تحديد منشأ شعوب أفريقيا عموماً، فالرأي القديم كان يرى أن النوع البشري قد نشأ في قارة آسيا وعلى الأخص الجزء الجنوبي منها، وطيقاً لهذا الرأي فإن قارة أفريقيا مورد وليست مصدراً للأجناس البشرية، بينما يؤكد رأي آخر أن أفريقيا من مصادر الجنس البشري وليست مورداً له فقط حيث تعتبر أفريقيا من أقدم المناطق التي شهدت نشأة الإنسان وتطوره (1)

    ورغم أن منطقة القرن الأفريقي لاتزال بحاجة إلى المزيد من البحث عن الآثار التي تركتها المجتمعات الأقدم عهداً بالمنطقة، للحصول على المزيد من المصادر الأولية، إلا أن هناك من المصادر والمراجع ما يدل على أن المجتمع الصومالي ينتمي سلالياً إلى الجنس الحامي وتحديداً العائلة الكوشية الجنوبية، حيث يرى علماء الأجناس والسلالات أن القوقازيين دخلوا أفريقيا الشرقية عبر باب المندب، كما دخلوا أفريقيا الشمالية عبر شبه جزيرة سيناء ومن هؤلاء الحاميين الشرقيين الكوشيونوإليهم ينتمي المجتمع الصومالي، ولذلك تتشابه الصفات العامة للصوماليين وملامحهم الجسمانية مع الملامح الحامية، فقامة الصومالي متوسطة تميل إلى الطول مع طول الرجلين، والصدر والظهر ضيقان قليلاً، والرأس ضيق وطويل، والشعر مموج أو صوفي ولونه بني داكن أو أسود، مع لون البشرة الذي يتدرج من البني الفاتح إلى البني الداكن،والوجه مستطيل، وغالبا ما يكون شكله بيضاوي، والجبهة بارزة وعريضة، والأنف مستقيم متوسط، ويمتاز الصوماليون بجسم نحيل بشكل عام(2)

وينقسم المجتمع الصومالي إلى شرائح قبلية عشائرية يرتبط أفرادها بسلسلة من الأنساب تنتهي غالباً بجد مشترك تحمل القبيلة أو العشيرة اسمه، وبما أن القبيلة في الصومال ليست إثنية الطابع فلم تكن أسباب الصراعات القبلية يوماً ذات طابع إثني/عرقي( إبادة عرقية ) وبالتالي كانت الصراعات القبلية محدودة إذا تم عزلها عن مصادر الثروة والسلطة في البلاد، فقد كانت أسباب الصراعات القبلية التقليدية متعلقة بأخذ الثأر والتنافس على الموارد الطبيعية المحدودة وفرض الكرامة والمساواة الاجتماعية، ونظراُ للأسلحة البدائية المستخدمة كانت الصراعات محدودة النطاق والآثار، بحيث كانت آليات حل النزاع كفيلة ببقاء المجتمع الصومالي وفق مبادئ العرف القبلي وتقاليده(3)

وقد اعتمدت السياسة الاستعمارية على سياسة (فرق تسد) فقد عينت زعامات قبلية غير مرغوبة لدي المجتمع الصومالي، تستند في بقائها على السلطات الاستعمارية، وبما أن تلك الزعامات كانت تحرص على تحقيق مصالح عشيرتها على حساب مصالح الصوماليين، فقد اتهمت بالخيانة والعمالة فلجأت إلى تكوين قوة عسكرية محلية من عشيرتها لحماية نفسها من اعتداءات القبائل عليها، ونظراً لضعف مصادرها المالية لجأت إلى النهب والسلب أحياناً، فكان ذلك بداية ارتباط القبيلة بالسلطة والثروة وصراع القبائل حولهما، فمصادر الصراعات الحديثة والمعاصرة تتمثل التنافس على السلطة والثروة وتعتبر النخب السياسية واجهات لهذا النوع من الصراع بين العشائر والقبائل، لأن النخب عادة ما تقوم بتعبئة المشاعر لخدمة مصالحها في الوصول إلى المناصب السياسية أو الحفاظ عليها

   وقد ترك المستعمر الأوروبيسجلات تعطي مؤشرات على الطرق التي كان يستخدمها في (4)توزيع المناصب بين القبائل والعشائر، لبقاء التنافس القبلي وبالتالي استمرارالصراع الدائم وما نشاهده في الآونة الأخيرة من توجه نحو التجزئة والانقسام، واختيار كل عشيرة علماً وشعاراً، يدل على حاجة كل قبيلة أوعشيرة أن تنادي أحد أبنائها باسم ( الرئيس ) حتى لا تكون أقل شأناً من تلك القبائل والعشائر التى تشرفت بتولى أحد أبنائها هذا المنصب.

المراجع


(1) محمد السيد غلاب: شعوب الثرن الأفريقي، من أعمال الندوة الدولية عن القرن الأفريقي، 1-7 يناير 1985 ، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة ، منشور 1987م صـــ1801

(2) عبد المنعم عبد الحليم: الجمهورية الصومالية الإقليم الجنوبي أو صوماليا، القاهرة 1960، صــ182 – 183

(3) حسين م. آدم : الصراعات القبلية والتحول الديمقراطي في الصومال، ترجمة نهاد جوهر، جزء من الحكم والسياسة  في أفريقيا، مج2، المجلس الأعلى للثقافة 2003م ، صـــ630

(4)نفس المرجع ، صـــ650

الدكتور عبد القادر عبد الله عبار

باحث ومؤرخ. حاصل على دراجة الدكتوراة من معهد البحوث والدراسات العربية -جامعة الدول العربية
زر الذهاب إلى الأعلى