مقومات الوحدة الصومالية ومعوقاتها(١)

مقدمة

الوحدة بفتح الواو في اللغة بمعنى التوحد وهو الانفراد قال ابن منظور: حكى سيبويه: الوحدة في معنى التوحد، وتوحد برأيه: تفرد به، وأوحده الناس: تركوه وحده والرجل الوحيد: ذو الوحدة، لاأنيس له فالوحدة الانفراد، وهو منصوب على كل حال عند أهل الكوفة على الظرف، وعند أهل البصرة على المصدر، ومن أسماء الله تعالى الأحد، وهو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، والهمزة فيه بدل الواو وأصله وحد لأنه من الوحدة، والوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام، قال صلى الله عليه وسلم (لويعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ) 

والمقصود بالوحدة الصومالية هنا، ذلك المشروع القومي(الصومال الكبير) الذي ساد في أوساط المجتمع الصومالي خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وهو المشروع الذي تحقق جزئياً بوحدة الإقليمين الشمالي والجنوبي في مطلع الستينيات من القرن ذاته

المقوِّمات في اللغة  اسم فاعل من قوَّمَ مَنْ يعطي قيمة لعمل أو شخص أو مجموعة وعَمَلٌ مُقَوَّمٌ : عَمَلٌ تَمَّ تَقْوِيمُهُ وَ إِظْهَارُ قِيمَتِهِ وثَمَنٌ مُقَوَّمٌ : أَيْ ثَمَنُهُ وُضِعَ حَسَبَ قِيمَتِهِ والمِقْوَمُ : الخشبةُ التي يمسكها الحرّاث ومِقْوَمُ المِحْرَاثِ : خَشَبَةُ المِحْرَاثِ الَّتِي يُمْسِكُهَا الْحَرَّاثُ
وكلّ ما يتألّف أو يتركّب منه جسم أو جهاز أو مشروع من عناصر أساسيّة تسهم في قيامه ووجوده وفاعليّته فمُقَوِّمَاتُ الْحَيَاةِ مثلاً عَنَاصِرُهَا وعَوَامِلُهَا الأَسَاسِيَّةُ الَّتِي بِهَا تَقُومُ مُقَوِّمَاتُ العُمْرَانِ ومقوِّم التَّيّار(الطبيعة والفيزياء) جهاز يسمح للتيّار الكهربائيّ بالمرور خلاله في اتّجاه واحد، ويُستخدم لتحويل التيَّار المتردِّد إلى تيَّار مستمرّ، ومقومات النجاح: هي الأنشطة التي يجب إتمامها أو الشروط التي يجب تحقيقها للوصول إلى تنفيذ ناجح لخطة أو عملية، و مقومات النجاح تكون عادة مخرجات من عملية معينة و مدخلات ضرورية لعملية أخرى، وعلى الرغم مما يتمتع به الشعب الصومالى من وحدة عرقية وثقافية تكسبه مقومات الوحدة الوطنية وهو ما لا يتوافر لدى معظم دول القارة الإفريقية، فإن فشل مشروع الوحدة -ليس بين الأجزاء الخمسة التي ترمز إليها النجمة الخماسية المتوسطة في العلم الصومالي، بل بين الإقليمين الذين تكونت منهما الجمهورية عند تأسيسها عام 1960م –  يطرح العديد من علامات الاستفهام حول التناقض الشديد بين توفر المقومات الموضوعية للوحدة الصومالية وبين الواقع على الأرض، حيث يشتركون في كل شيء يمكن أن يوحد أمة، وفي نقس الوقت يختلفون في كل شيء تقريباً، فلماذا يعيش المجتمع الصومالي هذا التناقض والانفصام في بنيته

المعوقات في اللغة اسم فاعل من عوَّقَ من يُعوِّق عملاً أو تقدُّم شيء، وخاصَّة من يُحاول اعتراض إقرار قانون أو إجراء تشريعيّ باستخدام تقنيَّات التأخير كالتعطيل، أي اللجوء إلى الأساليب التَّعويقيّة لتأخير عمل مَا وخاصَّة في البرلمان، والمعوقات وضع صعب يكتنفه شيء من الغموض يحول دون تحقيق الأهداف بكفاية وفاعلية، ويُمكن النظر إليها على أنها المسبب للفجوة بين مستوى الإنجاز المتوقع والإنجاز الفعلي أو على أنها الانحراف في الأداء عن معيار محدد مسبقاً

    إن المجتمع الصومالي في حاجة ماسة، إلى وحدة تجمع كيانهم وتعيد قوتهم وأهمية دولتهم الإستراتيجية، ويعتقد مراقبون سياسيون أن من يهمه مصلحة بلاده سيكون مع إرادة شعبه ويتحاور مع أي حكومة شرعية ليأخذ دوره لبناء وطنه، مما يرفع قدره بين شعبه، ويخلد ذكره بين الأجيال الحاضرة والمقبلة، لكن ثمة معوقات تقف أمام تحقيق هذا الحلم الوطني، فماهي المعوقات تلك؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ 

في الأيام القادمة سأقوم بالتعاون مع مركز مقديشو للبحوث والدراسات نشر هذه الدراسة على شكل حلقات إن شاء الله تعالى 

الدكتور عبد القادر عبد الله عبار

باحث ومؤرخ. حاصل على دراجة الدكتوراة من معهد البحوث والدراسات العربية -جامعة الدول العربية
زر الذهاب إلى الأعلى