هل ستقيم كينيا جدارا عازلا مع الصومال ؟

في يوليو 2010،  أسدى يتسحاق أهرونوفيتش وزير داخلية اسرائيل الاسبق لنظيره الكيني آنذاك جوروج سايتوتى خلال زيارته لإسرائيل نصيحة من واقع تجربة إسرائيل مع حركة حماس، حيث قال له” عندما استشعرنا خطر حماس على حدودنا أقمنا جدارا عازلا يمنع وصول مسلحيها إلينا، ويحول دون تهريب السلاح إلى داخل القطاع وبالتالي أنصحكم بحماية أنفسكم من تهديدات حركة الشباب المجاهدين بإقامة جدار عازل مع الصومال”.

وفي 22 مارس  من عام 2015م  أي قبل أيام فقط، أعلنت كينيا على لسان وزير داخليتها جوزيف أولي لنكو ان الحكومة الكينية ستبدأ عملية بناء الجدار هذا الاسبوع.

 هذا الاعلان أثار في نفسي عدة تساؤلات ثثمثل: لماذا أخذت كينيا نصيحة إسرائيل بإقامة الجدار العازل؟ ألم تعلم كينيا أن وضعها الداخلي يختلف تماما بوضع إسرائيل الداخلي؟ لماذا هذا الوقت بالتحديد؟ ما طبيعة الجدار الذي تنوي كينيا إقامته؟  هل هو جدار أسلاك أم جدار إسمنت؟ هل هذا الاعلان هو حرب إعلامي تخويفي فقط؟ أم أن كينيا جادة بإعلانها؟ ما تداعياته على البلدين كينيا والصومال؟ كيف سيكون موقف الصومال الرسمي من هذا الجدار؟

لماذا هذا الوقت بالتحديد؟

كينا بلد هشاش وقوته العسكرية ضعيفة، ولا يستيطع الجيش الكيني الصمود أمام البأس وبالتالي  أعتقد أن كينيا تتخوف من المستقبل وخاصة بما ستؤول إليه الأحوال  في حالة استجابة الشباب لدعوة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الإنضمام إليه، والذي دعا الحركة وأميرها قبل شهر ونصف تقريبا إلي الاسراع بمبايعة الخيلفة البغدادي.

وبما أن كينيا في حرب مع الشباب، ولديها كتيبة متمركزة في جوبالاند ضمن قوات( أميصوم) فإنها تعلم أنها ستكون مستهدفة في المقام الأول، وان الهجوم عليها سيكون أشدُ من ذي قبل، مما جعل قادتها يفكرون في إقامة جدار عازل مع الصومال لعل ذلك يحد من هجمات الشباب.

هل ستقيم كينيا جدارا عازلا مع الصومال ؟

اعتقد أن كينيا ستقوم باقامة نقاط دخول حدودية،  كما أنها ستقوم ببناء جدار أسلاك في بعض المناطق كمنطقة منديرا مثلا وبطول لا يتجاوز عن كيلومترات، ومن الممكن أن تقوم بتركيب كاميرات مراقبة على الحدود، ولا أعتقد أنها غير جادة وغير قادرة في الوقت الحالى على إقامة جدار عازل على طول الشريط الحدودي مع الصومال، وذلك  للإعتبارات التالية :

اولاً: ان طول الحدود مع الصومال تصل إلى أكثر من  700 كيلومتر، وبناء جدار عازل بهذا الطول ليس بالأمر الهين فهو مكلف جدا، ووفقا لتقديرات إسرائيلية  فإن الكيلو متر الواحد يكفل بـ 2 مليون دولار أمريكي ، والمعلوم أن كينيا  دولة فقيرة لا تستطيع توفير لقمة عيش لملايين الجياع من أبنائها، إذا كيف يكون بمقدورها صرف أكثر من 14 مليار دولار على شيء ربما يقلب السحر على الساحر؟

ثانياً: ظهرها غير محمى، في كينيا وفي عقر دارها تتوافر كل الأدوات، ولا يتطلب الأمر – حسب قراءة المتابعين- إلى  إتيان إنتحاريين من خارجها  ولا السلاح من الصومال، فكل شي ء متاح فيها، ويسهل الفساد المنتشر في كينيا كل الأمور ويكون بمقدور الواحد أن يدفع ببضعة دولار فقط  لشخص ما في كينيا ليحقق مآربه دون عناء .

ثالثاً: إقامة الجدار معناه إقرارا ضمنياً بالهزيمة وخوفاً  شديداً من الشباب وذعراً من المجهول، وبالتالي لا أعتقد أن كينيا ستقر للعالم بهزيمتها أمام الشباب في هذا الوقت بالذات.

رابعاً: سوف يخلق مشكلة حدودية مع الصومال ، لأن هذا المشروع  هو عبارة عن سعي  كيني لرسم الحدود من جانب واحد وبالتالي فإنه سيحيي الخلافات الحدودية وقضية(انفدي)،  والصومال ليست في وضع التسعينات فلديها حكومة مركزية معترفة من قبل المجتمع الدولي  تراعى مصالح أبنائها سواء في الداخل أو في الخارج، ولا أعتقد أن الحكومة المركزية الصومالية ترضى أن تحل كارثة على الصوماليين تماما مثلما فعل الجدار  الإسرائيلي فى أهالى قطاع غزة، كما لا ترضى الصومال بأن تأخذ كينيا شبرا من أراضيها.

الجدار سيكون كارثة على كينيا قبل الصومال

فى حال قيام كينيا ببناء جدار الفصل – الذي لا يقل شأناً بجدار الفصل العنصري الاسرائيلي- بدعم أمريكى أو إسرائيلى على حد سواء فإنه سيكون كارثة تحل على رؤوس الكينيين قبل الصوماليين لأنه سيعزلهم عن مصدر غير مستهان للعملة الصعبة، فكينيا ستفقد الملايين التي كانت تحصل من جراء تصدير القات إلى الصومال، كما ستفقد كينيا تجار الصوماليين الذين أنعشوا إقتصادها، لأن مشروع الجدار سوف يخلق مشكلة مع الصومال – كما أسلفت – مما سيترتب عليه وقف التصدير وخروج التجار الصوماليين من كينيا، وأمور أخرى لا تكون لصالح البلدين.

كما أن هذا المشروع إذا تم تنفيذه فإنه سيكون لصالح الشباب لأنه سيكون إحدى وسائل كسب المناصريين والمؤيدين من خلال إستعطافهم وتصويرالأمر- على مايبدو عليه- على انه عمل صهيوني أمريكي يهدف إلى محاربة الاسلام والمسلمين، مما سيزيد الهجمات والعمليات الانتحارية علي كينيا وعلى مصالحها في كل بقاع الأرض.

كيف سيكون موقف الصومال الرسمي من هذا الجدار؟

منذ إعلان كينيا نواياها لإقامة جدار عازل مع الصومال، سواء أكان الجدار طريقا حدوديا تقيم فيه نقاط عبور، أم كان أسلاكا شائكة تقيمه على طول الشريط الحدودي مع الصومال،  فإن الحكومة المركزية في الصومال لم يصدر منها أي تصريح إعلامي حتى الآن الا أنني اتوقع أن الحكومة المركزية سوف تقوم بالتنسيق مع جارتنا في هذا الشأن حتى لا تحدث مستقبلا مشاكل حدودية بين البلدين لا تحمد عقباها.

 

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى