الاستعمار الناعم

11 ما يجري في أرض الوطن منذ دخول قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي  (AMISOM) إلى يومنا هذا من حلقات المشاهد المزرية  والأفعال المهينة لكرامة الأمة الصومالية ومجدها وشرفها ؛ والتي لا يمكن للمرء أن يتغاضى عنها أو يخفي أسفه وامتعاضه تجاهها، وهي  مما يستلزم البوح بها  أو التنفس نفساً عميقا لاستفراغ المرارة المملوءة في النفس.

 ذلك أن الطريقة الاستفزازية التي تنتهجها قوات اميصوم والهيئات الدولية في  البلاد ، والتي تنطوي  على استخفاف بالسيادة الوطنية  وانحطاط بمكانة البلاد والعباد؛ والتي تتمثل بالدخول السافر والمعلن لشؤون البلاد الداخلية( السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية)، بحيث وصل الأمر الى لزوم مشاركة ممثلي الهيئات الدولية والإقليمية بنشاطات الحكومة الفدرالية والولائية، سواء كان برنامجاً تنموياً، أو بناء جسم من أجسام الدولة، أو مؤتمرا يعقد للامور الداخلية بغض النظر عن موضوعه…. إضافة الى الوجود العسكري بتعداد يفوق الخيال ، فآخر التقديرات تقدّرها بعشرين ألف جندي  ونيف من الدول الأفريقية، وخاصة ممن اشتهرت بعدائها للصومال ، والتى اعلنت عدم رضائها بعودة الصومال إلى ما كان عليه قبل التسعينات.

فهذه القوات تقترف جرائم  جنائية و ضد الإنسانية بعضها معلنة ومعظمها مستورة( والمستور أعظم)؛ وأفظع جنح ارتكبوه من ضمن سلسلة الجرائم التي يندى لها الجبينجريمة اغتصاب الفتيات من مخيمات النازحين، واللواتي لاحول لهن ولاقوه ولا يجدن من يؤازرهن ويشفي غليلهن جراء فقدهن أغلى شيء في حياتهن فضلاً عن الحالة النفسية المتردية التي يخلفها ذاك الفعل الشنيع في حياتهنّ مستقبلاً، مع تسجيل الغياب التام للمنظمات الدولية التي كنا نسمع ضجيجها سابقاً في قضايا كنا ننظرها بعين الاستصغار والتبسيط؛ وكانوا يضخمونها الى حد المبالغة المفرطة بحيث إذا أمعنت النظر أدركت أنها أريدت بمآرب أخرى، ومن هنا لم أجد تفسيراً للحالة التي يمرّ بها الوطن إلا أن أعبرها بـ (الاستعمار الناعم)، الذي تنفذه القوات الإفريقية المشرعنة من قبل القوة المتنفذة في العالم اليوم علما بأنّ أن جزأ من هذه القوات دخلت االبلاد بصفة غير قانونية وبدون مبرر قانوني صالح للاستدلال؛ فبدلاً من استهجانها وشجبها سجلوها من ضمن قوات حفظ السلام المتواجدة مسبقاً،  والتي يتقاضى أفراد جيشها وحكوماتها مبالغ مالية ضخمة –لو أنفقهافي إعادة إنشاء الجيش الوطني لغطّت وكفت- ولكن قوى المكر والشرّ تريد للصومال بقاءها في الاستعمار  والفوضى .

هذا من جانب، ومن جانب أخر نجد ممارسات بعض المبعوثين الدوليين الذين كان دورهم دور الوسيط والمراقب لا الغير؛ نجدهم يتدخلون ويتحدثون عن مسائل (دقيقة وحساسة) وفي بعض الأحيان تمسّ سيادة الدولة – هذا إذا تحدثنا بصفة الدولة ذات السيادة-ربما كانت تؤدي إلى توتر العلاقات بين تلك الجهات والدولة المتضررة إذا حدث ذلك مع كيان محترمتسمع كلمته، ولكن مع الأسف نرى استسلاماً تاماً لتلك الجهات التي تنتهك لعرض البلاد والعباد،بل يصفق لهم ويليّن لهم اللهجة ويرقق لهم الجانب مما يشعل فتيلهم الإجرامي، ويتمادون في الاستخفاف والاذلال أكثر مما كان وأنكي مما سبق.

إذن،  فلا نستغرب ولا نشجب إذا جنح الشباب الى العنف وقوة السلاح، أوعدّوا كل منتمٍ الى كتلة الحكومة-التي ترضى بتلك الجرائم- مماثلاً لهؤلاء القوات ومناصراً لهم وغطاءً لإفساد البلاد ، ولا يعني ذلك أنني أبرر أفعال هؤلاء اللشباب، ولا أشجع أعمالهم، ولا أرى أنها صحيحة في نهجها ضد خصومهم.

ولكن أرى أنه  من المفروض- إذا أريد للصومال الاستقرار والتقدم- إجلاء القوات الأجنبية فوراً ، وفتح ملف المصالحة بين الخصوم منأهل الصومال، هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقية لإعادة بناء الكيان الصومالي المنهار، وتقليل وتيرة العنف والإقصاء ، وتخفيف حدة الاستقطاب المشؤوم بين أبناء الوطن.    

عبد الرحمن أدم حسين

خريج كلية الشريعة والقانون ، جامعة افريقيا العالمية والآن يحضر الماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم، الخرطوم - السودان
زر الذهاب إلى الأعلى