أحلام ثقافية (ركن أسبوعي) عباقرة لهم أصول في المنطقة (22)

تابع بترجمة فضيلة الشيخ نور الدين علي بن أحمد علو المجيرتيني صاحب التجديد والابداع  (5) والأخيرة.

ومن الواضح أن دعوة الشيخ نور الدين علي بن أحمد كانت متأثرة جدا بالدعوة الإصلاحية التي قادها شيخ الإسلام أبو سليمان محمد بن عبد الوهاب التميمي ، ومثله مثل الشيخ عثمان فودي في شمال نيجيريا (بلاد التكرور) ، ويكفيه فخرا أنه تربى على يديه نخبة من الدعاة الصومالين ، بعضهم قضوا نحبهم وبعضهم ما زال متواجدين في الساحة الدعوية في منطقة القرن الإفريقي وخارجه. ومن أبرز هؤلاء الشيخ عبد الرحمن فولو الحسني، والشيخ عبد الله شيخ عمر الأغاديني ، والشيخ عمر فاروق الحسني، والشاعر أبشر نور فارح السعدي المشهور بأبشر بعدلي والذي يظهر من خلال أدبه وشعره أثر دعوة شيخه.

وعلى الرغم من أن جلّ حياة الشيخ نور الدين كانت خارج البلاد – في الفترة الأخيرة – إلا أن لمساته وتأثيره في داخل البلد كان ملحوظا. وكان – رحمه الله – مصلحا وداعيا وقاضيا جريئا على الحق، لا يخاف في لومة لائم.

ودرس في المملكة العربية السعودية كما أشرنا سابقا عبر دار الحديث المكية والحلقات العلمية في الحجاز، كما درس في مصر من خلال جامعة الأزهر الشريف، إضافة إلى أنّه احتك ببعض علمائها وروّادها كجماعة أنصار السنة المحمدية وعلى رأسهم الشيخ محمد حامد الفقي، وغير ذلك من المصريين ولعله التقى ممن كان متأثراً بالمدرسة العقلية وبعض أتباع الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبده، علماً أنّ المدرسة أول ما بدأت بالسيد جمال الدين الأفغاني الذي بثّ أفكاره إلى تلاميذه وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده الذي استلم زمامها من بعده ووسع بحوثها ومن ثم استلمها تلاميذه فنشروها بين الناس حتى سادت في الأذهاه ورسخت بين العلماء، ومنهم شيخنا نور الدين علي بن أحمد عندما رسخت لديه بعض الأفكار المتأثرة بتلك المدرسة في عصر الحديث.وقد كنت أسمع قبل أن ألتقي فضيلته رحمه الله بمكة المكرمة أنه يرى بعض آراء المدرسة العقلية، رغم أنه لم يصل إلى درجة يعطي العقل مرتبة تضاهي الوحي، ومع ذلك كان لا يقبل فيهم نقداً ولا عتاباً لأنّه ليس لديه أدنى شك ، ولا تحوم حولها الشبهات. وعندما قمت زيارة الشيخ في مكة وكان ضيفاً على الأخ الأستاذ سليمان حاجي عبد الله، وفي أول الوهلة رأيتُ كان على يد الشيخ كتاب التفيسر للمراغي، وبعد تحية سألته بأن هذا الكتاب من التفاسير المدرسة العقلية ، وكان جواب الشيخ نور الدين عنيفاً بحيث قال: ” أنت أشرت إلى العقل فهل كنت تريد الجنون ولمن لم يكن لديه عقل، أم أنك تفضل بعض التفاسير مثل ابن كثير وغيره وفيهم الإسرائيليات والخزعبلات…” انتهى. هكذا كان يرى الشيخ يرفض دائماً ما يراه بأنها تضاهي العقيدة والعقل السليم ، حتى أنه كان لا يرى بعدم الاستدلال بالآحاديث التي لم تصل إلى درجة التواتربما له صلة بالعقيدة، كأحاديث عذاب القبر ونزول المهد وسيدنا عيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك متأثراً بذلك بالفرقة المعتزلة قديماً وبالمدرسة العقلية في العصر الحديث. ومن هنا اشتهر أتباع الشيخ وتلاميذه اعتمادهم بالعقل عند مجادلتهم مع الطرق الصوفية. من ناحية أخرى فإن الشيخ نور الدين علي بن أحمد لم يكن يحتك بالصحوة الإسلامية في بداية أمرها حيث كان أغلبهم صغار السن وقليل الخبرة في ميدان الدعوة الإسلامية ، ولم يكن فيهم من يستطيع الجلوس على الكراسي العلم ويلقي الدروس، إضافة إلى أنّ الفكر الصوفي كان متغلغلاً في صفوفهم، مع أنّ بعض منهم كانوا يأتون إليه ويستمعون من دروسه. وهناك أمر آخر وهو أن الصحوة الإسلامية في المراحل الأخرى كانوا يرون بأنهم يتميزون عن المجتمع المسلم ويقسمون الأمة أحزاباً وجماعات وهو أمر لم يكن يستريح به الشيخ، فكان يلازم الفترة السليمة وعدم تفريق الأمة إلى جماعات وأحزاب.ولكن في الفترات الأخيرة تزايدت العلاقة بين مدرسة الشيخ وباقي الصحوة الإسلامية وكانوا يأتون إليه يلتزمون على حلقاته وخاصة حلقته في علم الفرائض لأن الشيخ كان ممن يشار إليهم البنان في هذا الفن.

مؤلفاته:

وقد ترك الشيخ نور الدين علي ين أحمد مؤلفات عدة مطبوعة ومنشورة وغير مطبوعة وأغلب هذه المؤلفات تدور حول ما اشتهر به الشيخ في توضيح التوحيد وتصحيح العقيدة وتنقية بعض الأفكار التي كان يراها رحمه الله الخربلة ونفث الغبار عنها، ومن هذه المؤلفات ما يلي: كتاب ” هداية المستفيد في علم التوحيد ” وتناول المؤلف في هذا الكتاب مواضيع لها علاقة بعلم التوحيد والعقيدة الإسلامية الصحيحة على مذهب أهل السنة والجماعة من معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وكذا معرفة دين الإسلام بالبرهان والحجة ، وأغلب الكتاب يدور حول تبيين هذا الأمر ومعالجة قوية بطريقة ميسرة تتفق بالعقل السليم والدوق الرفيع ، بل وتتلأئم فهم المجتمع ،ولا شك أن المؤلف استطاع توضيح كل ما ذكرنا مستدلا بالحجج والبراهين الناصعة. ويشمل الكتاب 468آية و 33 حديثا ، وكما أسلفنا فإنّ الكتاب يتناول موضوعا  له علاقة بأبواب التوحيد وما يجب على المسلم أن يعتقد على وقف معتقد السلف، بأسلوب سهل جدا يفهم مرادها على عجل ، وهي على طريقة السؤال والجواب ليسهل فهمها ، وكأنها سلاح وعون لمن يقرؤها ليجادل في الأخرين الذين يعترضون التوحيد وأهله بالحجج والوافية والبراهين القاطعة ، ومقويا رأيه بالأيات والبينات والأحاديث الصحيحة . وقد ركز الكتاب على توحيد العبادة والاعتقاد حيث فند الشيخ 228 مسألة في صلب الاعتقاد والتوحيد ، وعلى العموم فإن الكتاب ينافح عن الحق ويدمغ الباطل والخرافات، وطبع الكتاب بمصر بمطبعة السنة المحمدية ، سنة1381ه – 1961م يقع في 64 صفحة.

ومن بين كتبه رحمه الله كتاب ” نواقض الإسلام ” وهذا الكتاب نشر في مجلة الهدي النبوي بمقالات مسلسلة بالقاهرة – مصر  في عام 1379ه. وكتاب ” التعظيم المشروع للرسول الكريم ، والتعظيم المبتدع ” ونشر في مجلة نور الإسلام لادارة الوعظ بالأزهر في عام 1379ه بمقالات مسلسلة. أم كتاب ” المواربيث الشرعية في المذهب الأربعة ” فيتناول الشيخ موضوعاً مغايراً عما كان يركز عليه ويتناول في مجال التوريث وعلم الفرائض ، والحق أنّ الشيخ برع في هذا الفن حتى كان يواظب حلقاته في ذلك نخبة من الدعاة وأهل العلم، وكان يشار إليه بالبنان في القطر الصومال، والكتاب مطبوع. أما كتاب ” القول السديد في النهي عن التنديد ” فهو كتاب مطبوع  أيضاً ولكنه نفذ عن الأسواق في وقت مبكر. وللشيخ كتاب آخر يسمى” أحكامالفطرة ” وهذا الكتاب ما زال مخطوطا غير مطبوع. ومن بين مؤلفات الشيخ رسالة صغيرة عنوانها ” الشفاعة ” وما زالت عير مطبوعة حتى الآن.

” الفرائض “رسالة صغيرة من دروس طلبة معهد كيسوني في ممباسا.

أحكام الصلاة ، مخطوط.

أحكام الجنائز،  مخطوط.

شجرة التوحيد وشجرة الشك، مخطوط.

وقبل ختام ترجمة الشيخ نور الدين علي بن أحمد:

أعتقد أنه لا أحد كان يعرف فضيلته يشك بأن ما أشرنا إليه من الأخبار عنه تقرب إلى تلك الشخصية العظيمة ولكنها لا توحي كل ما كان يستحق حول حياته وكفاحه الدعوي والعلمي، وكلنا نعرف بأن الشيخ رحمه الله عانى كثيرا من مضايقات المبتدعين ، وسجن عدة مرات في عهد سياد برى ، ثم اضطر للهجرة إلى كينيا وأوغندا حيث واصل دعوته في بعض منابر العلم في كينيا وأوغندا – كما ذكرنا من قبل بالتفصيل – وتخرج على يديه العديد من الدعاة ، إضافة إلى مؤلفاته العقدية والفقهية المطبوعة والمخطوطة . ومن هنا فلا يستغرب إذا اعتبر البعض بأنّه  رحمه الله أحد المؤسسين الأوائل للدعوة السلفية في الصومال وقطب من أقطابها في زمانه ، حيث صرف جهده وهمته في محاربة البدع والخرافات في أوساط الناس،ولكن ذلك لم يكن إلا جهدا فرديا ومقصورا على مناطق معينة.

فكان رحمه الله كثير الاجتهاد في نشر العلم والمعرفة وعلى سبيل ذلك كان يبذل جهدا جبارا في الوعظ والارشاد وخاصة فيما يتعلق بتصحيح بعض الأفكار الذي كان يراها منحرفة وبعيدة عن الصواب ، ومن هنا عرف الناس واعظا جريئا يوصل الأمة ما يريد ، ولم يكن يمر يوم أو يومين إلا وكان يحرص على أن يحبس نفسه في الأماكن الخير والعلم معلما ومرشدا سواء في المساجد والمدارس أو في الزوايا والبيوت الخاصة.  وقد امتازت دعوته بأنها لم تكن منحصرة على فئة معينة دون غيرها ، كما أنها لم تكن مقتصرة على أماكن خاصة كالمساجد والزوايا، بل كان يرى أن الأمة بمختلف أطيافها يجب الإيصال بالخير والعلم ، حتى طرق أبواب الرئاسة ومجلس الوزرراء وبعض المسؤولي الدولة.

وفاته:

وتفي فضيلته يوم السبت 4/6/1416ه الموافق 28/10/1995م في مدينة الرياض بمملكة العربية السعودية عن عمر يناهز 81 سنة ، وقد اشترك في تشييع جنازته عدد من العلماء والوجهاء وعلى رأسهم المفتي العام للملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – إضافة إلى جمع غقير من الأهل والأقارب والمعارف، رحم الله فضيلته وأسكنه فسيح جناته.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى