الطريق الي بناء الدولة الصومالية(2)

سقوط الدولة الصومالية

إنه الحدث الذي لا يمحو عن الذاكرة، والمصاب الجلل الذي إهتز له كيان البلاد، ولم يسبق أن وقع مثله في العالم الحديث، ولا حتى في الدول التي شهدت أطول الحروب الأهلية، ولم يكن هذا السقوط مفاجأة، بل نتاج أمر قد قضي بالليل، فوقع في أحبولته زعماء الأحزاب التي أطاحت النظام المركزي في البلاد عام 1991م. 

كانت بداية سقوط الدولة الصومالية، عندما أعلن المؤتمر الصومالي الموحد (usc)، بحل الجيش الصومالي الذي كان يمثل الضامن الأول لوحدة البلاد، وتماسك شعبه. تلك الخطئية كانت الرصاصة الأخيرة على قلب الدولة المثخنة أصلا بكثرة الجراح. ثم انفرط العقد، وتفرق شمل الشعب، ولم يبق من الصومال الا الإسم، بل وبات نفسه يقف في عين الزمن.

كما ذكرنا في المقال الأول، الدولة، تنعقد على ثلاثة أركان، وهي، الأرض، والشعب، والسلطة. فهذه الأركان لم تعد اليوم موجودة في بلادنا، وإن وجدت، فهي غير مكتملة الشروط، وتفتقر الي العناصر الضرورية لتحقق مفهوم الدولة. فكل مدينة وكل قرية من قرى البلاد، تعمل لتحقيق أهدافها دون اقامة اي اعتبار للسلطة في مقديشو، وأقامت كل عشيرة من العشائر الصومالية في مناطقها كيانا وعلما مستقلا عن هذه السلطة، وحتي المسؤولين داخل (النظام المركزي) لا يعطون ولائهم للدولة بل للقبيلة، وينزلون لرغبات زعماء العشائر، الحكام الفعلين في البلاد. لا شك في أن مثل تلك الدولة، يجوز وصفها بالدولة المنهارة أو الفاشلة.

مؤشرات انهيار الدولة

أولا: تفكك وحدة البلاد

بعدما غابت رؤية الصومال الكبير عن الأذهاب، أصبح الصومال الصغير في مهب التفكك، ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا ان أي إقليم من أقاليم البلاد يتمنى اليوم قبل الغد، أن يشب عن طوق الحكومات في مقديشو، ويسير على خطى الأقاليم المعروفة بأرض الصومال، التي أعلنت عقب إنهيار النظام المركزي عام 1991م انفصالها عن بقية البلاد، والمناطق الشرقية( بنتلاند) التي لا تعد اليوم ممن يحملون ودا كبيرا لفكرة الوحدة، فهي تسعى جاهدة الي إقامة كيان مستقل، ولولاالضغوط الدولية، وغياب الضوء الأخضر من دول الجوار، لأعلنت الإنفصال منذ ردح طويل، ولتركت الحكومة الفيدرالية في مقديشو للعشائر القاطنة في تلك المنطقة، وهذا المثال ينطبق أيضا على جوبالاند وأقاليم الجنوب الغربي، اذن فماذا تبقي من دولة جمهورية الصومال؟

ثانيا: الفشل السياسي

 لا يوجد في البلاد، جهة مركزية تتخذ القرارات السياسية، كما هو الحال في أي دولة طبيعية. فقد كانت ولا تزال الأنظمة السياسية التي مرت بالعاصمة مقديشو، تتحدث بألسنة متعددة في القضايا الراهنة في البلاد. هذا ينفي، والآخر يؤكد، وقد يعين محافظ مدينة مقديشو شخصا، فاذا بوزير التجارة، يرفض هذا التعين، ويقرر وزير الاتصالات تولي شركة أجنبية، مسؤولية إدارة المطار، ثم يقوم شخص متنفذ ما في الحكومة بإلغاء قرار الوزير، وكل مسؤول أو وزير يعتبر منصبه هبة الدولة لأبناء عشيرته، يعين من يشاء من أقاربه، وتحت أي مسمي يريد وإن كان ذلك العنوان ’’محرم إبنة الوزير العاملة في الوزارة’’. أما إدارات الأقاليم لعلنا لا نبالغ إذا قلنا، لا علاقة لها بالحكومة المركزية، ويحق لرئيس ولاية بنتلاند مثلا أن يقول: أسافر الي الصومال، عندما ينوي زيارة مقديشو.

ثالثا: العجز عن أداء وظائف الدولة

 وفقا للتقرير الصادر عن  مجلة فورن بوليسي يعتبر الدولة فاشلة، أذا ظهرت عليها الأعراض التالية:

1- أن يفقد النظام الحاكم قدرته على السيطرة الفعلية على اراضي الدولة او استخدام سلطته المشروعة في الأراضي التي تقع دائرة حكمه

2- فقدان لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها

3- العجزعن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة.

4  العجز عن التفاعل مع المجتمع الدولي كعضو فاعل في الأسرة الدولية.

ولا شك أن هذه الأعراض قد ظهرت قديما على الصومال، حتى بات اليوم نموذجا للدولة المنهارة، لذلك  نحن بحاجة الي بناء الدولة من جديد، ولا ينفع الإصلاح أو القيام بجراجات تجميلية على ما تبقي من أجزاء الدولة، كما يفعله النظام الحالي. يجب أن تكون خطة البناء شاملة، ترقى الي مستوى القيم، والمعاير التي ينبغي أن يؤسس عليها الدولة الحديثة. وعليه، نتسائل، ما الطريق الي بناء هذه الدولة ؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في المقالات المقبلة.

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى