مشروع تعديل الدستور … فرص الحكومة وعقبات المعارضة  

يتأجج هذه الأيام على نار هادئة صراع سياسي حول مستقبل النظام السياسي في الصومال بين فريق متحمس للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وفريق يحذر من مغبة هذه الخطوة ، وتداعياتها على المسار السياسي الهش في البلاد. وأن هذا الصراع يبدو أنه سيضع الصومال على مفترق طرق جديد.  

فرماجو  يطل برأسه من جديد

لأول مرة منذ خسارته في انتخابات عام 2022،  عاد محمد عبد الله فرماجو الرئيس الصومالي السابق إلى مقديشو في خطوة وصفت بأن الهدف الحقيقي منها  تدشين المرحلة الأولى من حملته نحو السلطة التي فقدها أمام الرئيس الحالي حسن شيخ محمود. أوضح فرماجو  النائب في البرلمان الصومالي خلال وصوله إلى مقديشو أنه عاد من مقر إقامته في الدوحة للمشاركة في المناقشات الجارية  حول  مشروع تعديل الدستور، وأنه يبدأ بإجراء مشاورات مع جميع الأطراف السياسية في البلاد للوصول إلى توافق حول التعديلات التي يجريها البرلمان في الدستور الصومالي المؤقت، وتشمل هذه التعديلات مواد حول النظام السياسي، والانتخابات،  والأحزاب السياسية بالإضافة إلى مواد أخرى تتعلق بالجنسية والحريات .

يحاول الرئيس الصومالي السابق فرماجو أن يشكل جبهة جديدة عريضة تعارض التعديلات الدستورية أو على الأقل تضع العصي في دواليبها وأعلن فرماجو في أكثر من مناسبة أو خلال تغريدات نشرها على منصة اكس (X) أن مساعي الرئيس حسن شيخ محمود لإستكمال الدستور واجراء تعديلات فيه لا تحظى على الاجماع، وأن توقيتها غير مناسب؛ لأنها تأتي في وقت يواجه البلاد تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة وبالتالي طالب بعدم الاستعجال، وتوسيع دائرة المشاورات والسماح لجميع التيارات والقيادات في المشاركة في النقاشات الجارية  المتعلقة بمشروع تعديل الدستور، وعدم حصرها على أعضاء البرلمان. ويشارك الرئيس السابق فرماجو في هذا الرأي عدد من السياسيين البارزين وعلى رأسهم الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد ورئيس الوزراء الأسبق حسن خيري بالإضافة إلى شخصيات سياسية أخرى تعارض أو تنتقد في العلن التعديلات الدستورية لكن لا تريد في ذات الوقت العمل فرماجو مثل رئيس حزب وذجر والنائب في البرلمان والمرشح الرئاسي السابق عبد الرحمن عبد الشكور في ظل وجود تكهنات بقرب تشكيل تحالف جديد يقوده فرماجو ضد مساعى الرئيس حسن شيخ لتعديل الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي ، ومن المتوقع أن ينضم  إلى هذا التحالف الرئيس الصومالي الأسبق شيخ شريف ، وحسن خيري بالإضافة إلى رئيس ولاية بونت لاند الذي أعيد انتخابه في 18 من شهر يناير الماضي لفترة ولاية ثانية تمتد لمدة 5 سنوات.

حملة انتخابية سابقة لأوانها

 رغم اعلان الرئيس فرماجو وغيره من المسؤولين بأنهم لا يحملون أجندات خفية وليس لديهم هدف أخر سوى تحقيق توافق سياسي ومجتمعي على التعديلات الدستورية، لكن في الواقع  ، هناك مؤشرات تدل على أن تحركات فرماجو جزء من حملة انتخابية مبكرة  لمواجهة الرئيس حسن الذي شيخ محمود الذي بدأ ايضا  في وقت مبكر  بإتخاذ خطوات سياسية استعدادا للإنتخابات المزمع اجراؤها في الصومال عام 2026.  لقد قرر الرئيس حسن شيخ محمود أن يقوم بجميع الإجراءات والخطوات الضروية لإستكمال المسار الديمقراطي في الصومال وفي مقدمتها مراجعة الدستور والاستفتاء عليه، ووضع النظام الانتخابي قبل انتهاء فترة ولايته بوقت كاف  كي لا يقع في أزمة انتخابية تهز عرشه، وتسقطه في الإنتخابات المقبلة كما حدث لغريمه فرماجو الذي عاش في السنة الأخيرة من فترة رئاسية في أزمة سياسة طاحنة جراء خلافات سياسية حول الإنتخابات ونظامها، وأنه فيما يبدو يحاول جاهدا في تقديم الجدل الانتخابي بهدف الحصول على فرصة  لترتيب أوراقه الإنتخابية. وفي المقابل قرر العديد من السياسين وعلى رأسهم فرماجو وشيخ شريف اللعب على نفس الوتر ، وعدم اعطاء الرئيس حسن،  مجالا للمراوغة، والانفراد بتقرير مصير النظام الانتخابي المقبل، وخوض صراع مفتوح معه ، لأنهم يعتقدون في حال حقق الرئيس حسن نجاحا في مشروع تعديل الدستور سيكون رمزا  سياسيا، وبطلا قوميا يتمتع بتفويض شعبي تمكنه من تفرير مصير المستقبل السياسي في البلاد، وخصوصا بعد  أن قطع شوطا كبيرا في ايجاد حل  لقضيتين رئيسيتبن تعدان عائقا أمام إعادة بناء الدولة الصومالية وهي :

  1. قضيةحركة الشباب.  سعى الرئيس حسن إلى تقويض حركة الشاب وحشرها في الزاوية. وأنه تمكن حتى الآن  من تحقيق انجازات لا بأس بها في هذا الإطار ، حيث استطاع في غضون أقل من عام  على ابعاد حركة الشباب من العاصمة مقديشو  وتحرير أراضي شاسعة في وسط الصومال كانت تعد معقلا لها بالإضافة إلى تجفيف منابع تمويلها وتدمير خلاياها في أروقة الدولة. وهذا النجاح رفع أسهم الرئيس حسن لدى الشعب الصومالي المتعطش للأمن والإستقرار السياسي.
  2. ملف الصراع مع إثيوبيا: بعد توقيع  إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إدارة أرض الصومال للحصول على شريط ساحلي في البحر الأحمر شن الرئيس حسن حملة واسعة للرد على اعتداء إثيوبيا على سيادة الصومال ونجح حتى الآن في الحصول على تأييد جميع القوى الاقليمية والدولية ، وتتعرض إثيوبيا بضغوط شديدة ربما تدفعها في المستقبل إلى إعادة النظر في اتفاقيتها مع ارض الصومال للوصول إلى البحر الأحمر .

عقبات أمام مساعي المعارضة

 يجب الإشارة إلى أن أمام الحراك السياسي الذي يحاول الرئيس فرماجو تدشينه في مقديشو والرامي إلى عرقلة مشروع تعديل الدستور عقبات سياسية كبيرة ليس من السهل تجاوزها تتمثل في أمرين؛

الأمر الأول يتمثل في رؤساء الولايات الاقليمية  الذين يتمتعون بسلطات واسعة ، ولهم دور كبير في حسم معركة التعديل الدستوري، وتقرير مصير النظام الإنتخابي المقبل، وأن جميع رؤساء هذه الولايات بإستثناء رئيس ولاية بونت لاند سعيد عبد الله ديني باتوا على الأقل في العلن متحالفين مع الرئيس حسن شيخ محمود ومشروعه السياسي، ويريدون السير معه حتى النهاية وذلك بعد أن ضمن لهم البقاء على السلطة رغم انتهاء فترة رئاستهم  أو كادت تنتهي.

فالعقبة الثانية تتعلق بالقوى السياسية الأخرى في مقديشو التي لا تضم في الحكومة الحالية. تنشط في مقديشو قيادات سياسية بارزة غير مقتنعة بمشروع تعديل الدستور وغير  راضية بأداء الرئيس حسن شيخ محمود وخططه بشأن المسقبل السياسي في البلاد وأنها في ذات الوقت لا تحبذ على الأقل في الوقت الحالي العمل مع فريق يضم الرئيس السابق فرماجو ، وهذه القيادات يمكن أن تلعب دورا كبيرا في قلب الموازين وترجيح الكفة لصالح إحدى الطرفين الحكومة والمعارضة.  

الرئيس ديني … رهان المعارضة

 يمكن القول أن عودة الرئيس فرماجو وحراكه السياسي الجاري بدعم من الرئيس الأسبق شيخ شريف، ورئيس الوزراء الأسبق حسن خيري محكوم بالفشل وأن التعديلات الدستورية ستمرر بسهولة وسيصادق البرلمان على الانتقال إلى  النظام الرئاسي وأن الانتخابات المقبلة ستجرى وفق ما يخططه الرئيس حسن شيخ محمود الا أن الفرصة الوحيدة لدى الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية هي ولاية بونت لاند  ورئيسها سعيد ديني الذي تتوفر لديه بعض الإمكانيات لقيادة حراك قوي مناهض لتعديل الدستور، لأن  ديني عارض حكومة الرئيس حسن منذ البداية وأنه ملتزم على خط المعارضة رغم الاغراءات التي تأتي من جانب الحكومة الفيدرالية وحلفائه السابقين، وأن عيونه على رئاسة الصومال التي خسرها أمام الرئيس حسن في انتخابات عام 2022 وحل في المركز الثالث وليس على رئاسة بونت لاند التي نالها في المرة الثانية بسهولة. وعلى هذا الأساس، فإذا قرر  الرئيس ديني  التحالف مع ثنائية فرماجو- وشريف أو شكل جبهة أخرى معارضة فإنه لا شك يعطي دفع قوية للحراك المعارض لمشروع تعديل الدستور، والانتقال إلى النظام الرئاسي، وبالتالي فإن فشل هذا المشروع، ودخول البلاد في أزمة سياسية أمر غير مستبعد.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى