الدور الفرنسي في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 وانتقال الصراع العرقي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية (4-5)

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الرواندية دشنت في أكتوبر من العام 2006 تحقيقاً في الدور الذي لعبته فرنسا في المذابح الجماعية التي حدثت في العام 1994، وحسب البيان الصادر عن الحكومة الرواندية حينها، من المتوقع أن يؤدي ذلك التحقيق إلى كشف النقاب عن طبيعة الأدوار التي قام بها أعضاء في المؤسسة الفرنسية في تلك المذابح، وبحث ما إذا كانت تلك الأدوار قابلة للإدانة جنائياً.

وبعد انقضاء عدة أسابيع على بدء عمل اللجنة المكلفة بإجراء ذلك التحقيق، أصدر القاضي الفرنسي الاتهام السابق ذكره للرئيس “كاغامي” وتسعة مسؤولين روانديين آخرين.

في حين كانت لجنة تحقيق تقوم بتحقيقات حول الدور الفرنسي قبل وخلال الإبادة الجماعية، والتي كانت ستستعيد جلستها في 11 ديسمبر 2006، للوصول إلى الحكم أمام محكمة العدل الدولية CIJ ضد فرنسا والمتهمة بتورطها في تشجيع المذبحين.

وبالرغم من رفض فرنسا الاعتراف بصورة مطلقة عن تورطها في النزاع الرواندي، ففي كل الأحوال، لقد دعمت نظام “هابياريمانا” كباقي الديكتاتوريات الإفريقية. ولقد تطورت واستمرت توتر وبرودة العلاقات بين الدولتين إلى غاية اندلاع الصراع في جوما Goma من جديد في شرق الكونغو في نهاية عام 2008.

وبسبب أن فرنسا مضطرة لاستعادة حضورها في منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، حيث لا يحدث شيء بدون رواندا الصغيرة ذات التأثير الحاسم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، جارتها صاحبة الثروات المنجمية الضخمة، فخلال زيارة الرئيس الفرنسي حينها “نيكولا ساركوزي” لكيغالي، لم تكن لهجة نظيره الرواندي عالية، بالرغم من أنه لم يكن يتوانى عن مطالبته الملحة لفرنسا مُنذُ وصوله إلى السلطة بتقديم الاعتذار لبلاده. وفي هذه الزيارة يعلن “فيما يتجاوز إدراك ما حصل ومحاولة مراجعته، آن الأوان لإرساء علاقة جديدة، شراكة جديدة تقوم على التفهم وعلى الإدارة الصائبة للحقيقة. نحن نرفض أن نكون رهائن الماضي. وهناك أخطاء ارتكبت، وقد تحدثنا عنها. ومع تقدمنا في مقاربة الواقع، يبقى المهم هو التطلع إلى المستقبل”.

من جهته أقر الرئيس الفرنسي حينها ” نيكولا ساركوزي” وللمرة الأولى بحصول “أخطاء سياسية” من جانب فرنسا تجاه رواندا، وقال إنه “نوع من العمى” منع فرنسا من رؤية الجانب الإبادي في حكومة الهوتو في ذلك الوقت، لكنه لم يصل إلى حد تقديم الاعتذار، ولم يذكر مزيد من التفاصيل، فخلال هذه الزيارة، بدا تبادل المجاملات واضحاً، فمن جهة، تم إغفال الادعاءات حول دور لفرنسا في الإبادة الجماعية، ومن جهة ثانية، تم التقدم في ملفات الروانديين اللاجئين إلى فرنسا وتحييد تحقيق القاضي الفرنسي “بروغيير.

تبعت ذلك زيارة للرئيس الرواندي إلى فرنسا قي سبتمبر من العام 2011، وهي أول زيارة لرئيس رواندي إلى فرنسا مُنذُ مذابح الإبادة الجماعية في رواندا العام 1994، وتعكس زيارة “كاجامي” لفرنسا ذوبان الجليد في العلاقات الفرنسية- الرواندية بعد مذابح 1994، وكانت رواندا اتهمت فرنسا في العام 2008 بالمشاركة في المذابح تحت غطاء العملية العسكرية والإنسانية “تركواز” ونفى الفرنسيون بشدة هذه الاتهامات.

وفي اجتماع مع الجالية الرواندية في باريس، قال الرئيس “كاغامي” سوف نعمل معاً لنرى كيف يمكننا أن نهرب من التاريخ ونتحرك قدماً”. وفي هذا الإطار اعتقد، أن سبب التقارب بين فرنسا ورواندا راجع لسببين رئيسيين هما:

1/ النفوذ الفرنسي في منطقة البحيرات العظمى قد تضائل لصالح الولايات المتحدة والصين وقوى دولية أخرى.

 2/ تعرض الرئيس الرواندي “كاغامي” لضغوطات متزايدة، سواء من داخل بلاده أومن خارجها بسبب اتهامات له بإساءات في مجال حقوق الإنسان.

ومن أجل خطب ود رواندا، يقول الرئيس الفرنسي حينها، نيكولا ساركوزي:

 “أما بالنسبة لمنطقة البحيرات العظمى، العنف ينطلق مرة أخرى، الخيار العسكري لن يجلب أي حل للمشاكل العميقة التي نشأت بشكل متواتر منذُ عشر سنوات. هذا يزيد من علة المكان. مسألة مستقبل رواندا، دولة بسكان نشطين وبمساحة صغيرة. هذا يضع مسألة جمهورية الكونغو الديمقراطية، دولة بمساحة شاسعة وبتنظيم غير مفهوم للثروات الحدودية… سيلزم للحظة أو أخرى وجود حوار ما، لن يكون ببساطة حوار مناسب لكن حوار بناء، كيف؟ في هذه المنطقة من العالم، نقسم المساحة والموارد وندرك أن الجغرافي والبشري له قوانينه، إن البلدان أحياناً تتغير وأنه من الضروري أن تتعلم العيش إلى جانب بعضها البعض”.

علي حسن الخولاني

باحث دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، مختص في الشؤون الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى