أزمة التيار السلفي الصومالي

المراد بالسلفية هو الانتماء التام إلى عصر النبوة والصحابة والقرون المفضلة والانتساب إليهم والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم في جميع أمور الدين الأصلية والفرعية في أبواب التوحيد والتشريع والسلوك والأخلاق ، وفي الفقه والمعاملات والتعامل مع الزوج والأولاد والأقارب والجيران والأصدقاء ، والتعاطي في الشأن العام وإدارة الدولة والعلاقات مع الأمم والأجناس الأخرى في حالة الحرب والسلم والتعايش المشترك .

وتعني السلفية بحب الخير لجميع الخلق والفرح بهدايتهم والحزن لغوايتهم ، والسعي لنفعهم ومساعدتهم ، والرحمة للمسكين والعطف على اليتيم والمحتاج ، والتألم لألأمهم ، والتفاني في الإصلاح ، والتلطف مع العاصي والمذنب ، وتبشيره برحمة الله التي وسعت كل شيء، والدعوة بالتي هي أحسن ، واجتناب الفظاظة والغلظة مع المدعوين ، ثم التواضع ولين الجانب ، واتهام النفس قبل الأخر ، وإصلاحها قدر المستطاع ، والبعد عن الكبر والاستعلاء وتحقير الغير ،  وعدم التتبع على عورات الأخرين من غير مصلحة شرعية معتبرة .

وترمز السلفية إلى احترام العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله تعالى ، ومباركة جهودهم والدعاء لهم ، ونشر فضائلهم ، واحترام اجتهاداهم المعتبرة ، ورفع شأنهم ومكانتهم بين الأمة ،  واعتذار أخطائهم غير المقصودة ، والبعد عن احتقارهم وإهانتهم ، والإغفال عن زلاتهم ، والسكوت عن عثراتهم ،  والترحم على الأموات منهم .

ولا تعني السلفية الاهتمام في باب واحد من أواب التوحيد فقط ، أو فيما يتعلق في جزئية حقوق الحاكم على الرعية ،  أو الأسلوب الأمثل في نصيحته ، أو تخصيص الدعاء له بالصلاح أو غير ذلك من الأمور ، ثم الإغفال عن باقي أصول الدين وفروعه .

وليس من السلفية الغلظة والخشونة في الدعوة ، أو الاحتقار والتتبع على كل من لا يروق لك في المذهب والمشرب ، أو توزيع التهم جزافا ، أو اعتبار كل من انضم أو شارك في أعمال الحركات الإسلامية أو الجمعيات الخيرية بأنه خالف السلف ، أو الرمي بالفسق والبدعة كل من ظننت أنه أخطأ في مسألة ما ،  أصولية كانت أم فرعية .

والسلفية ليست مذهبا لجماعة معينة أو حزبا لقطر بداته ، أو ملكا لشخص أو فئة من الناس ، ولا تحتاج الانتساب إليها استئذانا من أحد ، ولا يُشترط الوساطة فيها ، فهي سبيل وطريق معبد لكل أهل الإسلام قاطبة ، فيجوز للفقيه أن ينتسب إليها ،  والمحدث أن يجول في ساحاتها ، والزاهد أن يرتاح في جنباتها ، والصوفي السُنِّي أن يخوض في حياضها ، والعامي أن يأنس من ذكر سير وأخباره روّادها ، فهي بحر واسع يتسع لأهل القبلة والإجابة بلا استثناء مصداقا لقول صاحب العصمة والرسالة (ما أنا عليه الآن وأصحابي ) .

والسلفيون ليسوا معصومين ولا منزهين من الذنوب والخطايا ، ولا يعطي الانتساب إليها حقوق فوق العادة ، ولا يملكون صكوك الغفران لأنفسهم فضلا بأن يمنحوها لغيرهم ، وليست لديهم مفاتيح الهداية والغواية ، بل هم بشر  يجري عليهم بما يجري على غيرهم ممن لمن يَتَسم بهذا اللقب مع إيمانه بوجوب المتابعة .

والصوماليون مسلمون منذ زمن بعيد ، وهم سلفيون بالفطرة ، ولكن السلفية بالمعنى الحركي المنظم أو غير المنظم، أو ظهور دعوات تنادي التصحيح في كثير من البدع التي تسربت إلى المجتمع، تعود إلى أوائل الستينات من القرن الماضي ، وابتدأت بدعوات فردية ، ثم عرف الصومال أول تنظيم حركي عام ١٩٨٣م ، بعد تأسيس حركة الاتحاد الإسلامي ، وقد قام التنظيم الجديد بجهود مثمرة في السنوات الأولى من تأسيسه ، ولكن الخلاف الذي دبَّ إلى صفوفه ، أدى إلى انسحاب عدد من مؤسسيه ، ثم جاءت الفاجعة التي قسمت ظهر الحركة  وسببت انسحاب مجموعات من عضويتها  وذلك بعد مشاركتها في الحرب الأهلية التي نشبت بين القبائل الصومالية بعد سقوط الحكومة المركزية عام ١٩٩١ م .

ويمثل السلفية في الصومال اليوم جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة ، والدعوة السلفية ( السلفية الجديدة ) ، ومجموعات كثيرة ، قد يفوقون عددا من المجموعتين المذكورتين ، ولكنه لا يجمعهم رابط ، ويمكن إطلاقهم بالمستقلين .

والمنتسبون إلى المدرسة السلفية الصومالية يشكلون نسبة كبيرة وقطاعا عريضا  في خريطة الحركات الإسلامية الصومالية ، ومع ذلك لم يستطع التيار إيصال أي فرد من أفراده بصورة حركيّة إلى المناصب الرسمية في الدولة مع وجود الدواعي وتوفر الأسباب ، بينما استطاعت بعض الحركات الأخرى من الاتجاهات الدعوية الصومالية التبوء في مناصب عليا في الدولة الصومالية . وقد يقول قائل بأن  التيار السلفي منظمة دعوية لا يسعى إلى المناصب والجاه ، فلا يضيره إن لم يحصل مناصب حكومية .

فهذا كلام يكذبه الواقع ولا يشتغل بالرد عليه . 

ويعاني التيار السلفي الصومالي أزمة كبيرة ومشاكل عويصة في تحقيق ما يصبو  إليه ، ويمكن الإشارة إلى بعضها في الأسطر التالية :

–          أخفق التيار السلفي الصومالي بكل مكوناته إيجاد قيادة فاعلة تتمتع بكَارِزْمِية تستطيع من خلالها جمع أبناء المدرسة في بوتقة واحدة .

–          لم يستطع التيار اختيار وإبراز شخصية علمية أو مجموعة من العلماء القادرين في لملمة فرقاء التيار السلفي .

–          تعاني المدرسة السلفية الصومالية النقص الشديد في الكوادر العلمية  والثقافية والسياسية .

–          الخلاف الشديد بين أتباع التيار السلفي يتسع دائرته ولا يتوقف عند حد ، بل مرشح للانشطار أكثر من أي وقت مضى ، ما يجعلدوره ينحصر في المجتمع .

–          لم يستطع بعض المنتسبين للتيار السلفي الصومالي بشقيه الحركي واللاحركي التعايش مع من يخالفه في الرأي المجرد ، بل يصنف هذا النوع من تنوع الرأي في عداد المعارضة .

–          ليس للتيار السلفي رؤية موحدة أو شبه متقاربة في التعامل والتعاطي مع الشأن العام الصومالي .

–          تَسرب وتغلغل في الجسم السلفي الصومالي الداء العضال والمرض الفتاك الذي قسم الصومال إلى كيانات طائفية ومجموعات انتهازية لا يعنيها إلا مصالحها الشخصية ، ولم يستطع التيار توظيف الحمية الموجودة في الشعب الصومالي إلى الوجهة الصحيحة التي تعود بالنفع على البلد .

–          يعاني التيار السلفي الصومالي فهم نصوص الوحيين الداعية إلى الاجتماع والوحدة وتطبيقه في أرض الواقع ،  وبدلا من ذلك ارتضى أن يكون جزء مشاركا أو مساندا للدويلات الطائفية التي قسمت البلاد إلى كنتونات قبلية .

–          التيار السلفي اللاحركي مشغول بتتبع ما أسماه الأخطاء والتجاوزات  التي ارتكبها عدوه اللدود المتمثل بالحركة السلفية الحركية ، ضاربا عرض الحائط بإسهامه ومشاركته في هذه الأخطاء يوم أن كان جزءا فاعلا فيه ، كما أن التيار الحركي منغمس في اتهام كل من لا يشاطره فيما يذهب إليه من أفكار وأراء بأنه معاد له .

–          فشل التيار السلفي باعتراف أخطائه السابقة بمنتهى الشفافية ، وهذه الأخطاء التي ما زالت تلاحقه في كل مكان ، وبدلا من تقديم الاعتذار للشعب ارتضى بالمواراة ورمي التهم على الغير .

–          لم يستطع التيار السلفي التفرقة بين  وجوب الدفاع عن المنهج المقدس المتمثل بالكتاب والسنة الصحيحة وبين الدفاع عن الحركة والجماعة التي هي من صنع البشر ، تصيب مرة وتخطيء مرات عديدة ، فأنشغل بالذود والدفاع عن الحركة وأعضائها ومنتسبيها ومؤيديها وتكريمهم من غير اعتبار في الكفاءة العلمية أو الدعوية  ،   وبدلا من التعاون والتفاهم مع كل من يصبو إلى المذهب السلفي اتجه بعض منظريه إلى محاربة وتشويه كل من لم  يقنع أو يرضَ بانضمام الحركة كعضو أو على الأقل مجاملتها ومداراتها، واعتبرته خصما لها ، وغير ذلك من المشاكل التي لا يتسع المجال لذكرها .

وإذا أراد التيار السلفي الصومالي الاستعادة برونقه ومكانته بين المجتمع يجب عليه أن يعيد النظر في جميع محطاته الدعوية والتعليمية ومشاكله وأخطائه الإدارية ، ثم التداعي إلى اجتماع عمومي لجميع مكونات ومنتسبي المدرسة السلفية من غير استثناء ، لدراسة الأسباب التي جعلت التيار السلفي يتقهقر إلى الوراء ،ثم إجراء المصالحة الحقيقة بين مكونات التيار ، ووضع كل شخص في موقعه الصحيح ، وتقديم أهل العلم الشرعي ، وابعاد كل الأغيار والمنتفعين الذين تسلقوا إلى جدران مؤسسات التيار ، واعتماد الكفاءة والعطاء في القيادة والمسؤولية .

وأخيرا أعتقد بأن هذا الكلام لا يعجبه كثير من الذين يزاولون أعمال خفافيش الظلام في داخل مؤسسات المدرسة السلفية الصومالية ولا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية ، ولكن أملي في الغالبية العظمى من العلماء والدعاة  الذين تؤلمهم أوضاع الدعوة .

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى