تعيين الخبير الانجليزي نايجل روبرت رئيسا للبنك المركزي الصومالي خطوة في الاتجاه الصحيح

جاء تعيين البريطاني نايجل روبرت رئيسا للبنك المركزي الصومالي كخطوة شجاعة وصحيحة من قبل الحكومة الصومالية في سبيل تعديل أوضاع البنك المركزي وبنائه من جديد بعد أن فقد دوره تقريبا منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م ، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 حتى الان بتعديل اوضاع البنك ، وجعله محل ثقة المجتمع المحلي والدولي ، ولعل ما يؤكد ذلك تعدد المعينين لهذا المنصب خلال فترات قصيرة ، بل أن بعضهم استقال أو هرب وأرسل استقالته من خارج الصومال متهما متنفذين بالضلوع في عمليات فساد ، في حين يقول مانحون غربيون يمولون الصومال بعد صراع استمر طويلا، إن إصلاح البنك المركزي شرط أساسي لتلقي المساعدات. 

ان تعيين رئيس للبنك المركزي من جنسية تنتمي الى دولة عريقة ورائدة في مواكبة أحدث تطورات العصر وتقنياتها ، وتنتمي الى مصاف الدول العظمى هي خطوة كبيرة في سبيل سرعة إعادة هيكلة الدولة وبناء مؤسساتها على اسس حديثة ، وسرعة دمج وربط الاقتصاد الصومالي باقتصاديات دول العالم لا سيما المانحة منها ، واخراجها من العزلة التي تعاني منها مما أثر على قيمة الشلن والاقتصاد الصومالي بشكل عام.

لقد تابعت ردود الافعال على هذا التعيين من قبل صوماليين عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستغربت اعتراض بعضهم لا سيما من الطبقة المثقفة ، والتي تتركز حول أمور السيادة ، في حين أدخل آخرون موضوع الدين والفتاوي في هذا التعيين ، ومن هنا كان لابد من ايضاح الحقائق التالية.

  • منصب رئيس البنك المركزي هو منصب مدني وفني في آن واحد ، وبما أن الدولة الصومالية المركزية انهارت تماما عام1991 ، واستمرت في ذلك مدة طويلة بدون دولة ، فإن الدولة الصومالية الحالية تعتبر في بدايات التأسيس ، حيث محا انهيار عام  1991 ما قبله من تأسيس للدولة الصومالية ، وكأن الدولة الصومالية تنشأ من جديد ، وطبيعي أن كثير من الدول استعانت بالخبرات الاجنبية في جميع مراحلها ، وبعض الدول وضعت هؤلاء الاجانب في مناصب رفيعة اعترافا منها بتواضع قدراتها والحرص على تأسيس الدولة على أفضل المواصفات العالمية ، اذكر من ذلك مملكة الأردن فقد كان رئيس أركانها بريطاني في بدايات الاستقلال ، كما كان رئيس الشرطة في دبي بريطاني ايضا ، واستمر لمدة طويلة، وفي سلطنة عمان تجارب مماثلة ، ولم يسمع هناك بمن يقول هذا مخالف للسيادة أو الدين.
  • لعل من المناسب هنا أن أذكر تجربة البنك المركزي السعودي أو ما يسمى مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث عين عند تأسيسها الأمريكي السيد جورج بلوارز (George A. Blowers) وذلك عام 1371 هـ الموافق 1952 ، في أواخر عهد الملك عبدالعزيز ، وفي عام 1374 هـ ، الموافق 1954  وفي عهد الملك سعود ،عين الأمريكي السيد رالف ستاندش (Ralph Standish) نائباً للمحافظ بعد استقالة نائب المحافظ السابق راسم الخالدي ، وفي (20/10/1954 م) صدر مرسوم ملكي بالموافقة على استقالة المحافظ السيد جورج بلوارز (George A. Blowers) وتعيين السيد رالف ستاندش (Ralph Standish)  محافظاً للمؤسسة ، والذي في عهده افتتحت المؤسسة العديد من الفروع وسكت فئات مختلفة من النقود.
  • وفي عام 1958 صدر قرار بتعيين الباكستاني انور علي رئيسا لمؤسسة النقد السعودي ، والذي كان يعمل مديراً لإدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، واستمر في المنصب لمدة طويلة حتى عام 1974 م أي 16 عاما ، والذي حدث في عهده تطورات كبيرة لعمل البنك وللإصدارات السعودية من النقود , وتطور البنوك والاعمال المصرفية في البلاد.
  • ثم في عام 1974 عين الاستاذ عبدالعزيز القريشي محافظا للبنك كأول سعودي يتبوأ هذا المركز بعد حوالي 22 عاما من تأسيس البنك المركزي السعودي والذي شغل المنصب فيه أجانب.
  • ما ذكر اعلاه ما هو الا مثال واحد ، وإلا فهناك الكثير من الأمثلة من دول العالم والتي لا يتسع المجال لذكرها ، في دولة تتمتع بثقل عربي واسلامي كبير بين الدول العربية والاسلامية.
  • بالنسبة للسيادة فليس هناك أي مس بسيادة الدولة الصومالية لأن الأجنبي المعين قد تم تعيينه من قبل الدولة الصومالية كموظف يقوم بمهام محددة في بناء البنك المركزي على اسس حديثة وشفافة ، وهو تحت سلطة رئيس الدولة والحكومة الصومالية ، ويمكن في حال تعديه على سيادة الصومال ، أو تدني كفاءته ، أن يعفى  من منصبه ، وبالتالي فليس سوى موظف في الدولة حتى وإن علت درجة هذه الوظيفة.
  • أما من حيث الجواز وعدمه حيث أن المعين غير مسلم ، فمن المعلوم أن جماهير العلماء قد قررت جواز الاستعانة بغير المسلمين عند الحاجة ، والصومال في امس الحاجة في سبيل اعادة بناء مؤسساته المدنية والعسكرية ، وفي نظري ان اقحام الفتاوي في مسألة التعيين غالبا تعود الى أهداف سياسية من قبل المعارضين ، وإلا فأين فتاويهم من وجود آلاف الجنود غير المسلمين من القوات الافريقية التي تساند الحكومة الصومالية في سبيل استعادة الدولة – رغم عدم اعتراضي على ذلك –  ولكن اذا قرروا أن تنصيب شخصية غير مسلمة  في منصب مدني لا تجوز فمن باب أولى عدم جواز الاستعانة بالجنود غير المسلمين.
  • هناك من يبرر اعتراضه بوجود العشرات من الصوماليين الاكفاء للمنصب ، وفي نظري أنه لا يوجد صوماليين في نفس كفاءة البريطاني المختار كتجربة وخبرة في هذا المجال ، وحتى لو كان موجودا فما سيقدمه البريطاني روبرت لن تستطيع توفيره أية شخصية صومالية، وأهمها كسب ثقة المجتمع الدولي المانح للمساعدات للصومال حيث تعتمد الصومال بدرجة كبيرة في تسيير اعمالها لسنوات قادمة على  المساعدات الخارجة في ظل شح الامكانيات الداخلية ،  وبالتالي ربما يؤدي الى زيادة هذه المنح والمساعدات من مختلف دول العالم للصومال ، لاسيما أن الصومال بوضعه الراهن لا زال يحتل المركز الاخير في مؤشرات الفساد ، وبالتالي فوجوده على رأس الهرم الاقتصادي الصومالي قد يحسن من سمعة الصومال وتحسين مستواها في مؤشرات الفساد ، وبالتالي تدفق المساعدات الخارجية على الصومال ، وكسب ثقة المستثمرين الصوماليين من المغتربين وحتى المستثمرين غير الصوماليين في الاستثمار داخل الصومال.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى