أحبك …… ولكن أختلف معك

أحبك .. الكلمة المحبوبة إلى النفس ، المطلوبة شرعا ، المفعمة بالنشوة ، والتي تسحر الوجدان وتملك القلوب، وتقرب الأعداء ، وتستولى العواطف ، وتنسي المأسي ، وتفتح الأمال ، وتداوي المكلوم في كبريائه.

هذه الكلمة .. أحبك…. تأخذ  حيزا كبيرة في حياة الناس ومعاملاتهم اليومية ، ولا يكاد يمر يوم إلا وقد تلفظت بها ولو من غير شعور وادراك .

وتمثل .. أحبك …. الشيء الكبير والكنز العظيم الذي لا ينضبّ ولا يتوقف لدى الحركات والجماعات المتنوعة والمدارس المختلفة والأفراد في عرض وطول العالم الإسلامي وفي بلاد المجهر ، لأنها البلسم الشافي والترياق الناجح لكثير من المشاكل والأزمات التي تواجهها الحركات في سبيل أداء واجباتها وتحسين جَبهَتها الداخلية ، لأن كلمة أحبك تعمل في وجدان الشخص ما لا تعمل غيرها من الأقوال والأفعال .

ولا نريد أن نورد هنا الأيات والأحاديث الداعية إلى تأكيد هذا المبدأ والخلق العظيم ، بل هي معروفة في مظانها .

والذي نريد من تسطير هذه الكلمات هو بيان أن الحب في الدين شيء ، واختلاف الرأي شيء آخر ،  الحب الشرعي له أركانه وشروطه ومسبباته وحدوده وديموميته ، وأما الاختلاف في الرأي قد يزول كليا إذا فقد أسبابه أو يبقي في دوائر ضيقة ، فلا تلازم بينهما – أي إن وجد أحدها ذهب الأخر ، بل يبقى الحب حبا ، ويستمر الاختلاف في الرأي والرؤى ما دام العمل موجودا ، وكما يقال اختلاف الرأي لا يفسد للودِّ قضية .

ويعتقد كثير من الإخوة وخاصة طلبة العلم والدعاة إلى الله تعالي بأن الحبَّ يعني الموافقة الكاملة في كل شيئ ، أو الذوبان في الشخصية ، أو التبعية العمياء ، أو إظهار الرضا عن جميع التصرفات ، أو أن تكون طبق الأصل عن محبوبك ، أو أن تسلم عقلك وفكرك للأخر ،  الحب أو الطوفان ، الحب أو ضدَّه ، إما معي إن كنت تحبّني  أو لا ؟ وكأن شعاره قول الشاعر  :

فإما أن تكون أخي بحقفأعرف مِنك غثي أو سميني

وإِلا فاطَّرِحْنِي واتخذنيعدُوّا أتقيك وتتقينــــــي

فإنِّى لوْ تخالفني شمالى  خلافكِ ما وصلتُ بها يميني

إذاً لَقَطَعتُها ولقُلتُبِيني كذلكَ أجتوى منْ يجتويني .

والحب الصادق لا يعني كل ما  ذكر ، بل خلافه هو الصحيح ،

أحبك ولكن لي كبريائي ورجولتي.

 أُحبك ولكن أعبر رأيي من غير خوف ولا وجل .

 أحبك ولكن أحمل نفسا تواقة إلى العلياء .

أحبك ولكن لا أحب أن أكون إمعة يقبل كل شيء .

أحبك ولكن أقاسمك في السؤدد والتصدر .

أحبك ولكن لا يراقبني إلا ضميري .

أحبك ولكن لا أقبل أن تملي علي اختياراتي .

أحبك ولكن لا يجب علي التقيد باجتهاداتك .

أحبك ولكن لا يتحكم علاقاتي إلا أنا .

أحبك ولكن لي اعتباري ووجودي .

أحبك ولكن نفسي عزيزة علي .

أحبك ولكن ليست الحياة أسود وأبيض فقط بل هناك ألوان أخرى .

أحبك ولكن أغار عليك بانجازاتك من غير حسد .

أحبك ولكن ليس للكرسي وحدك بل لي الحق أن أجلس عليه .

أحبك ولكن لابد أن يكون الحب  متبادلا –  وفي الحديث ( تهادوا تحابوا ) – من كلا  الطرفين حتي يستقيم عوده .

أحبك ولكن لا أقبل الضيم والإهانة والإزداء .

أحبك ولكن نتساوى في الحقوق والواجبات .

أحبك ولكن يجب علينا أن نتبادل الإحترام .

أحبك ولكن لست مغفلا عمَّا يدور حولي .

أحبك ولكن عندي من الخبرة ما يؤهلني في فهم الحياة .

أحبك ولكن لا أتحمل أخطاءك .

أحبك ولكن أجيد قدر أو أكثر ما تجيد من العلم الشرعي .

أحبك ولكن عندي دبلوم في الإدارة .

أحبك ولكن حصلت دورة في العلاقات العامة .

أحبك ولكن تجاوزت عن مرحلة المراهقة الفكرية .

أحبك ولكن قرأت كثيرا من الكتب والمؤلفات .

أحبك ولكن لم أعد أقدر الجلوس في الصفوف الخلفية .

أحبك ولكن يجب أن أتسلم دوري في قيادة الجماعة .

أحبك ولكن ينبغي لك بأن تخلد إلى الراحة وتفسح المجال أمام الأخرين  .

أحبك ولكن الحق أحب إلي منك .

هذا هو الحب الحقيقي الذي يثمر محصولا جيدا يستمر أبدا ، لأن صاحبه يعرف ما له وما عليه ، ولكن الحب المصطنع الذي لا يجاوز الشفاه ، ويحول صاحبه إلى دمية في يد محبوبه ، يفرض عليه أراءه ، ويجعله يرتل تراتيل مجد جماعته كالبغبغاء ، أو يخاف إظهار مكنوناته ، خوفا من ضياع الحب المفروض عليه ، أو    يحمل التظاهر به لأجل الحفاظ على مصالح أنية وشخصية ، لا ينجب هذا الحب المزعوم  إلا بغضا وبعدا بين الأخوة ، وقد يورث مفاسد ومآسي لا يحمد عقباها .

ولذا يجب على أبناء لحركة الإسلامية اليوم  القيام بمراجعة تصحيحة حول مفهوم الحب الحقيقي الذي لا يتغير ولا يتبدل ما دامت علائقه وأسبابه موجودة ، وبين الرأي المجرد الذي لا يفسد للود قضية ، ولا يحصر الحق في بوتقة واحدة ، ولا يحمل النفس بما لا تتحمل ، ويفتح الأفاق لكل ذو رأي رأيه ، ويوسع الصدور والعقول بتقبل الأخر بكل أريحية ويسر وسهولة .

جعلني الله تعالى وإياكم من أهل محبته ، أمين .

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى