هل الفدرالية مؤامرة خارجية أم حل للأزمة ؟

مراحل نشوء فكرة الفدرالية  في الصومال

في عام 1943م ظهرت الفدرالية لأول مرة في تاريخ الصومال حين نادى بها بعض النخب السياسية البارزة آنذاك في المشهد السياسي في الصومال وذلك خشية من  تلاشي حلم  الاستقلال بسبب إختلاف العشائر الصومالية على الحكم بعد الاستقلال. ولكن قوبل هذا الرأي بمعارضة شديدة من قبل حزب وحدة الشباب الصومالي في الأمم المتحدة ما أدى الي  اشتعال فتيل أزمة سياسية أودت يحياة أبو الفذرالية في الصومال، الدكتور عثمان وانقسام الشعب الصومالي بين مؤيد للفدرالية ومعارض لها.

 في فترة الوصاية

في ظل الحكم الداخلي في فترة الوصاية الإيطالية في الصومال عام 1957،  كانت الفدالية تشكل أكبر تحدي أمام لجنة صياغة أول دستور للبلاد عام 1959 وبهذا السبب دارات نقاشات حادة ومداولات كثيرة بين الأحزاب السياسية حول تحديد نظام الحكم في الدولة الوليدة، فهل يكون (مركزي  أم فذرالي).

وكانت بعض الأحزاب السياسية في الشمال وحزب وحدة الشباب الصومالي تدعو الي ضرورة بناء دولة مركزية قوية في حين كانت الأحزاب الأخرى تعتقد أن مستقبل استقرار الصومال لا يكون الا على أساس نظام فذرالي، مبررة في ذلك بانه يصعب الوصول الي توافق حقيقي بين تلك العشائر على النظام  المركزي الا أن الأحزاب السياسية المطالبة إلي النظام المركزي ظلت رافضة لهذا المقترح  حتى تحقق أملها، وتم الاتفاق عام 1960م على بناء نظام ديمقراطي مركزي وصياغة دستور ينص على أن الصومال دولة مركزية ديمقراطية.

في عهد الحكومة العسكرية 

وبعد ٩ سنوات من حياة سياسية ديمقراطية في الصومال، يتم تداول السلطة بشكل سلمي، ونشأة أحزاب سياسية على أسس ديمقراطية، قامت ثورة21 أكتوبر عام 1969 بقيادة محمد سياد بري، والذي قضي على أحلام الصوماليين وتحول البلاد من نظام ديمقراطي إلى حكم إستبدادي شمولي لايعرف إلا القهر والطغيان.

وفي عهد سياد بري لم تطرح أي دعوات للفذرالية خوفا من القمع المفرط الذي كان يمارسه النظام العسكري وغابت اصوات حاملي لواء الفدرالية من الساحة السياسية وحل محلها الأصوات المروجة للحكم الشمولي والثورة المجيدة، ولهذا تم التخلص على من تبقى من دعاة الفذرالية في الصومال.

لكن الخبراء السياسين في ذلك الوقت كانوا على يقين بان فترة النظام العسكري لن تدوم طويلا مهما توفرت لديه وسائل القمع والترهيب وان مصريه سيكون كمصير الأنظمة الاستبدادية التي مرت بالعالم. بالفعل هذا ما حدث  في ٢٦ يناير عام ١٩٩١.

انهيار الدولة المركزية وظهور الوجه الفبيح للفدرالية 

ماقبل انهيار الدولة عام 1991 اصبح النظام العسكري بقيادة سياد بري أكثر شموليا واستبدادا وبدأت عشيرة الرئيس تستأثر السلطة في البلاد وتمارس اقسى انواع الظلم والقمع ضد كل معارض لسياساتها الفاشلة وهذا الأمر أدى الي  اندلاع حرب أهلية في مناطق مختلفة من البلاد وارتفاع  الأصوات المنادية بالفدرالية في بعض المناطق الصومالية، وبات الأمر اكثر الحاحا لاعادة النظرالي نظام الحكم في البلاد، بل بلغ الأمر في المناطق  الشمالية لحد المساس بقدسية الوحدة واعلان الانفصال عن باقي البلاد، في حين كانت العشائر الجنوبية تتناحر على السطلة والثروة في المناطق الجنوبية.

انعقاد مؤتمر عرتا في جيبوتي

انعقد مؤتمر عرتا للمصالحة في محاولة لإعادة بناء الدولة الصومالية ومؤسساتها، وطرحت مسألة الفدرالية من جديد بضغط من دول الجوار  بغية تفكيك الوحدة الصومالية واثارة الفتنة بين الصومالين. لكن سرعان ما أدرك الأشقاء الجيبوتيين خطورة هذه المحاولات الآثمة وقاموا بعقد مؤتمر عرتا للمصالحة والذي نحج بعد شهور من المناقشات بين زعماء العشائر الصومالية في تشكيل نظام سياسي مركزي وانتخاب عبد القاسم صلاد حسن رئيسا للبلاد، غير ان الرياح لم تجر بما تشتهي السفن وتمكنت المؤمرات الداخلية والخارجية من تقويض جهود اشقاء الجبوتيين، حيث واجهت حكومة عبدالقاسم معارضة شديدة من قبل زعماء الحرب في مقديشو الذي كانو يحصلون على كل أنوع الدعم المادية والسياسية من بعض دول الجور وخصوصا اثيوبيا العدو القديم للصومال.

مؤتمر نيروبي للمصالحة  

عقد مؤتمر نيروبي للمصالحة  بين زعماء الحرب برعاية دول الجوار (إثيوبيا وكينيا)،وهنا طرحت فكرة الفدرالية بقوة من جديد وبدعم من دول الجوار وبات لزاما على المشاركين في هذا المؤتمر القبول بالنظام الفدرالي دون الإلتفات الي تدعيات ذلك على مستقبل ومصير البلاد وبهذ كان ميلاد الفدرالية المشؤومة.

هل الفدرالية مؤامرة خارجية أم حل للأزمة ؟

 أرى أن الحل الأسمى والأمثل للمشكلة الصومالية هو النظام المركزي وليس النظام الفدرالي وبالتالي على المروجين للفدارلية الاحتكام الي العقل وقراءة المشهد بكل فصوله وابعاده بشكل دقيق قبل فوات الأوان ولات حين مناص، لان الفدرالية ليست الا جزاء من مؤآمرة خارجية آثمة حيكت بعانية، وأنها المرحلة الثانية لاعادة  ترسيم حدود الصومال، وفقد كانت المرحلة الأولي حين اقتطع الاستعمار البريطاني جزءا من الخريطة الصومالية واعطاها هدية غالية للإثيوبيا وكينيا. 

وبصريح العبارة، أوقول إن الفدرلية لم ولن تكون حلا للأزمة السياسية والاجتماعية في الصومال، بل تفتح الأبواب لمزيد من الخلافات والاقتتال الداخلي، وأن المحاولات التي يقوم بها النظام الحالي لإنشاء حكومات فدرالية لا تأتي الا بنتائج عكسية وتؤدي إلى إشعال نار الفتنة مرة أخرى بين القبائل الصومالية ويعقيد المشهد السياسي. وهذه المخاوف مبررة؛ لأنها آثارها السلبية، ظهرت وبشكل جلي ومخيف حين عقد مؤتمر أديس أبابا بين الحكومة الفدرالية ورئيس اقليم جوبا أحمد مدوبي بضغط من دول الجوار وإيغاد، والذي أثار هيجانا وغضبا عارما من قبل بعض القبائل التي تقطن اقاليم جوبا العليا، وجوبا السفلى، وجذو، وقامت مظاهرات في بعض الأقاليم الصومالية الأخرى تنددا بنظام حسن شيخ محمود، مطالبين بحقوقهم كاملة من الحكومة المركزية. اليس هذا دليل واضح على عمق المشكلة وأن خطورة الفدرالية أبعد مما يتصورها البعض.

عبد الرحمن إبراهيم عبد الله

عبد الرحمن إبرهيم عبد الله خريج جامعة أفريقيا العالمية في خرطوم كلية الأذاب قسم التاريخ
زر الذهاب إلى الأعلى