الجنوب ينتفض

العام والخاص يعلم ما يحدث في الجنوب الجزائري من مظاهرات ومسيرات وإعتصامات وما شابهها، في حقيقة الأمر هي طريقة من طرق التعبير الجماعي عن الرأي في قضية من القضايا العامة للأمة أو للمجتمع، أو قضايا شريحة أو أكثر من الأمة، وهي طريقة قديمة لكنها لم تكن شائعة بلإنتشرت كثيرا في عصرنا الحالي،فيما منحتها جميع معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية للأفراد الحق في حرية الاشتراك في الجمعياتوالتجمع السلمي، فهي تتيح للدول فرض قيود معينة على تلك الحقوق للأسباب وبالشروط المحددة في هذه المعاهدات نفسها، وتنص المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية” وتضمن المادة 21 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في التجمع السلمي وتحمي المادة 22 حرية تكوين الجمعيات.

صحيح أن هذه الأسطر جاءت متأخرة جداً وقصدت ذلك إختياراً وليس إضطراراً، وذلك من أجل الإطلاع على كامل التفاصيل والآراء والأحكام والتفسيرات الإستباقية حول موضوع الغاز الصخري وما أثاره من جدل كبير في أوساط الناس ومن كافة شرائح المجتمع، فأول قطرة التي أفاضت الكأس هي تأكيد سحنون المدير التنفيذي لشركة النفط والغاز الجزائرية “سوناطراك”في تصريح للإذاعة الجزائرية، أن الشركة سوف تستثمر ما لا يقل عن 70 مليار دولار خلال العشرين سنة القادمة من أجل إنتاج 20 مليار متر مكعب من الغاز الصخري سنويا، مشيراً إلى أن ذلك سيسمح بتوفير 50 ألف فرصة عمل، والغاز الصخري هو صنف غير تقليدي من الغاز الطبيعيلوجوده داخل الصخور، وينتشر في الطبقات الصخرية داخل الأحواض الرسوبية وتطلق عليه  تسمية غاز حجر الأردواز هذا من باب التعريف به.

ولكن رغم هذه الإغراءات إنتاب الخوف سكان الجنوب من أثاره السلبية على البيئة من جهة وعلى الإنسان من جهة أخرى، حيث شرعت مجموعة من الشخصيات بولايات الجنوب في إطار حملة لرفض استغلال الغاز الصخري حيث نشطت لقاءات مع سكان المنطقة للتعريف بخطورة هذه الطاقة، وجمع التوقيعات للتأكيد على رفض قرار الرئيس بإستغلال الغاز الصخري، والخروج في مظاهرات سلمية للتنديد والرفض المطلق لهذا المشروع جملتاً وتفصيلاً، ولكن الذي لم نفهمه بعد هل فعلاً نحن بحاجة إلى هذا المشروع؟ وهل نحن ملزمون إلى ضخ 70 مليار دولار في ظل سياسة التقشف المعلنة من طرف الحكومة؟ وهل نملك فعلاً الغاز الصخري  أم أنه مجرد وسيلة لنهب هذه الأموال مثل مشروع إستغلال مناجم الذهب بتمنراست الذي خسرت فيهسوناطراك1000مليار؟

من وجهة نظري أننا لسنا بحاجة إلى هذا المشروع ولا غيره في ظل غياب خطط مستقبلية لنهوض بهذا الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة خاصة أننا نملك الموارد الطبيعية والبشرية لا تملكها دول أخرى، ولكنهم يملكون استراتيجيات وسياسات رشيدة قريبة وبعيدة المدى،وهي الآن أحسن منا من كل الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والثقافية مثل إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وتركيا…، لذلك نحن نحتاج إلى العمل والتخطيط المتطور القائم على جميع التفاصيل المتعلقة بالإنسان كعنصر أساسي من عناصر التنمية المستدامة والتخلي عن السياسات الإتكالية لتفادي مشاكل العصر، وعلينا أن نتعلم من تجربة البترول التي لم نستفيد منها في ظل الفساد وغياب صناع القرار في البلاد وتغييب الخطط التنموية وتبذير المال العام وغيرها من المشاكل التي ما زلنا نتخبط فيها في حياتنا اليومية، فالجزائر لديها بديل عن هذا المشروع وجب الاستثمار فيها كالطاقة الشمسية والفلاحة والسياحة.

                                                                                         بقلم علي بوخلخال

علي بو خلخال

علي بو خلخال أستاذ وطالب سنة أولى دكتوراه ل م د تخصص علم إجتماع ودراسات ديموغرافية وكاتب إجتماعي
زر الذهاب إلى الأعلى