السواحل الصومالية والأطماع الخارجية

 سواحلنا مكشوفة وبدون حراسة منذ سقوط الحكومة المركزية عام ١٩٩١، وتتعرض لإنتهاكات مستمرة من قبل السفن الأجنبية التي جاءت من مختلف بقاع العالم.. حتى ايران ارسلت اساطيلها البحرية الي سواحلنا لدواعي محاربة الإرهاب والقراصنة، لكن مهمة تلك السفن بحسب تقارير محلية ودولية لا تقتصر على محاربة القراصنة والارهاب وانما هي متورطة بعمليات صيد غير قانونية والقاء النفايات ومخلفات المصانع والمعامل والمختبرات في بحارنا في ظل غياب حكومة قوية قادرة على القيام بأداء واجباتها تجاه حماية البلاد ومواجه الخطر الذي يهدد ملايين الكائنات الحية الموجودة في بحارنا، بل ان البعض يتهم جهات حكومية بالتواطؤ والسماح للشركات الأجنبية بالإصطياد من مياهنا من خلال اتفاقيات لا تتوافق مع أدنى معايير القوانين الدولية المنظمة لصيد الاسماك في المياه الاقليمية.  

 فالهجمة التي تتعرض لسواحلنا ليست وليدة السنوات الأخيرة رغم إزديادها في تلك الفترة بشكل ملحوظ، فقد كانت بلادنا تتعرض على مدى التاريخ بغزوات اجنبية، بسبب أهمية موقعها الاستراتيجي وامتلاكها ثاني اطول ساحل لأفريقيا، وان الدور البرتغالي في استكشاف البحار كان بداية للهجمة الاستعمارية التي حدثت في شواطئنا منذ ١٤٩٩ واستمرت لمدة ١٧٠ عاما وبعدها ازدادت اطماع الدول الاستعمارية تجاه بلادنا، وتوالت هجماتهم. 

وفي عام ١٨٢٥ رست في مواني الشمال الباخرة البريطانية بقيادة الكبتان ادن ثم وصل أول مركب حربي الي بربرا في نفس العام بعد الاستيلاء على ميناء عدن. وفي الفترة ما بين  عامي ١٨٤٦ -١٨٤٨ تعرضت شواطئ مقديشو لحملة شرسة من ايطاليا واصبحت السواحل الصومالية عرضة للإنتهاكات الاستعمارية واستمرت لمدة ٥٠ عاما وظل الأمر على هذا المنوال حتى شهدت السواحل الجنوبية في البلاد الباخرة الحربية الإيطالية فيكتور ميزاني بقياة سير تمسودي سافويا والتي تصدى لها أهالي الشرفاء وخاصة تلك التي تستوطن السواحل وقاومتها ببسالة منقطعة النظير. 

وحين ظهرت الصومال كقاعدة استراتيجية عسكرية لها أهميتها التجارية بعد افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩، ضاعفت الدول الإستعمارية محاولتها التوسعية والاستعمارية في الشرق الإفريقي ووصلت ايطاليا الي الاراضي الصومالية بعد اتفاقها مع السلطان زنجبار بشأن التنازل عن منطقة كسمايو الساحلية ثم قامت الدولتان بريطانيا والمانيا بدعوة من ايطاليا الاشتراك في مشروع حصار سواحل الصومال.

وخلال فترة الحصار ١٨٦٦-١٨٨٩ عقدت ايطاليا معاهدات واتفاقيات مع السلاطين والشيوخ المحلين تحت ستار حمايتهم وأعلنت سيادتها في منطقة ورشيخ، وفي ٢٨ أكتوبر عام ١٩٢٥ أستولت البحرية الايطالية على مدينة برجال بعد مقاومة عنيفة من جانب سكانها.

وفي ١٧ نوفمبر عام ١٩٢٥ وصل الي ميناء مقديشو الباخرة الحربية (سان جوربا). 

وخلال الحكم الايطالي تدهورت الحالة الاقتصادية وعم الفساد والرشاوي ونتج عن ذلك تدهور صناعة البواخر الكبيرة ذات الشراع التي كانت مزدهرة في بلادنا، وهجرة شعوب المنطقة من السواحل الي الاراضي الداخلية واحترافهم الرعي وهجرة جزء كبير منهم الي المدن. 

واليوم تفاقمت المشكلة، وصارت بلادنا في خطر واصبحنا محاصرين من قبل السفن الأجنبية العائمة في محيطنا وبحارنا وخلجاننا والتي تلتهم ثرواتنا السمكية منذ اكثر من ٢٥ عاما بدون رقيب أومحاسبة، ولن ينتهي هذا الحصار ما لم توجد حكومة قوية قادرة على حماية حدودها البحرية والبرية من اطماع الدول الأجنبية ولم يتم معاقبة الخونة الذين يبيعون بلادهم بثمن بخس، ومقارعة الدول القوية التي تتسابق اليوم من اجل ضمان مستقبلها وان كان على حساب الآخرين. إذا متى نستفيق من الغفلة؟ … ومتى تستعيد حكومتنا شيئا من رشدها حتى ترى حجم الكارثة؟.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى