أحلام ثقافية (ركن أسبوعي) عباقرة لهم أصول في منطقة القرن الإفريقي (16)

فضيلة الشيخ إبراهيم محمد علي (المشهور بالشيخ إبراهيم صولي)الدريّ الصومالي رحمه الله(1)

صاحب الفضيلة الشيخ أبو محمود إبراهيم محمد علي المشهور بشيخ إبراهيم صولي الدريّ نسبة إلى تلك القبيلة الصومالية الكبيرة التي ينحدر منه فضيلته، المحدث المعروف وصاحب الفصاحة والوجاهة والداعي الكبير ، وكان له حياة حافلة بالعلم والدعوة، وترك بسمات واضحة على حقل الدعوة الإسلامية في بلاد الصومال وغيرها في المنطقة.

ولادته واسمه  ونشأته :

الشيخ إبراهيم محمد علي من مواليد عام 1932م في قرية ديفو  Deefow قرب مدينة بلدوين في محافظة هيران في وسط الصومال ولكن علي حدود الحبشة.وكانت نشأته الأولى في تلك المنطقة الصغيرة ودخل في دكسي خلوة تعليم وحفظ القرآن الكريم كعادة أهل المنطقة وغيرها في شرق إفريقيا على يد معلم علي القبيسي الدري، كما بدأ هناك في هذه القرية تعليم بعض الكتب الإسلامية الصغيرة على يد بعض شيوخ المنطقة مثل معلم إسماعيل الدري، والشخ حسن أحمد عثمان الدري من أهل القرية، غير أنه تحول فيما بعد إلى مدينة بلدوين واتصل بعض علماءها كالشخ عمر أحمد دينلي الحسني من قبيلة رير أو حسن ، وتعلم منه النحو والصرف، ثم انتقل إلى الحبشة ولاسيما أراضي الصومال التي تحتل إيثوبيا وخاصة قرية قلافي حيث تلقى هناك علوماً كثيرةً على يد الشيخ محمد ولي الحسني وغيره من علماء المنطقة، واستمر هناك قرابة ثلاث سنوات.وكان فضيلة الشيخ إبراهيم محمد علي يحب العلم وأهله وأثناء وجوده في منطقته خطر على بال أن يرحل إلى خارج البلاد لأجل طلب العلم ، وقرر السفر إلى منطقة الحجاز في الجزيرة العربية حيث كانت تهفوا نفسه منذ شبابه ، وانطلق من الصومال عام 1954م توجهاً إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة عن طريق قلافي ماراً بمنطقة أواري حتى وصل مدينة هرجيسا في شمال البلاد ، واستأنف رحلته حتى وصل الحجار عبر اليمن، وكان وصوله إلى مكة عام 1961م ، وتمكن أداء فريضة الحج في هذه السنة ثم بعد ذلك انتظم إلى الحلقات العلمية التي كانت متناثرة في أرجاء المسجد الحرام بمكة المكرمة وخاصة حلقة الشيخ سيد علوي مالكي( والد السيد محمد علوي مالكي) وحلقة الشيخ حسن المشاط وحلقة الشيخ نور سيف ( والد فضيلة الدكتور محمد نور سيف محدث منطقة الحجاز المعروف)وحلقة الشيخ محمد أمين الكتبي وكلهم كانوا من علماء الحرم في تلك الفترة ، ومن هؤلاء العلماء الشيخ عبد الله دردور الجاوي المكي حيث تعلم الشيخ إبراهيم محمد علي هذه الحلقات العلمية علوماً كثيرةً وفنوناً عديدةً كاللغة وأدابها والفقه وأصوله والحديث وعلومه. وكذلك تعلم على يد الشيخ حسين الأوغاديني، وعلى يد الشيخ إسحاق عبده الرحنويني حيث تعلم منهما اللغة العربية وأذابها والحديث وعلومه. واستطاع الشيخ إبراهيم محمد علي ( الشيخ إبراهيم صولي) رحمه الله أن ينال إجازة التدريس من جانب عدة شيوخ مثل الشيخ حسن المشاط والشيخ علوي المالكي في عام 1960م.

رجوعه إلى بلاد الصومال:

وبعد أن نال الشيخ قدراً من العلوم والفنون المتنوعة على أيدي علماء أجلاء وأكفاء ومن ثم حصوله على إجازة التدريس عاد الشيخ أبو محمود إبراهيم محمد علي رحمه الله إلى أرض الوطن،  وقد صادف هذه العودة في وقت نالت البلاد استقلالها من قبل الاستعمار الأوربي ولاسيما استعمار البريطاني، بحيث عاد الشيخ إلى الصومال في عام 1961م، الجدير بالذكر أنّ وقت استقلال البلاد كان فضيلة الشيخ إبراهيم متواجداً في مكة المكرمة وكان يتابع من هناك أحوال البلاد والعباد مع مجموعات صومالية هناك، بل ولشدةحبهم للوطن واستقلاله من استعمار الاروبي اجتمعوا هناك وقد افتتح الشيخ هذه اللقاء والتجمع الذي عبروا فرحتهم من استقلال الأمة من براثن الغزاء، وقد بدأ اللقاء بقرآءة آيات من كتاب الله سبحانه وتعالى ثم تبادلوا التهاني والتبريكان نتيجة استقلال بلادهم من الاستعمار، غير أنّ الشيخ إبراهيم لم يمكث كثيراً حيث عاد إلى الصومال – كما أشرنا – بل وشقّ طريقه إلى قسم الحدود الشمالية المعروفة بأنفدي NFD ، الأراضي الصومالية المحتلفة من قبل دولة كينيا بعد أن ضمّ إليها الاستعمار البريطاني.

نشاطه العلمي والثقافي في منطقة القرن الإفريقي:

ولما وصل فضيلة الشيخ إبراهيم محمد علي إلى الأراضي الصومالية في الحدود الشمالية المذكورة آنفاً شرع في نشر العلم والمعرفة متمثلاً قوله تعالي : ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) (التوبة).

وكان الشيخ إبراهيم يرى أهمية التدريس والمدارس النظامية بعد ما اطلع ما كان يجري في البلدان العربية الأخرى ، ومن هنا حرص على تأسيس وفتح مدراس علمية موجهة للأطفال والشباب ، وافتتح هذه مدرسة ابتذائية في قرية تاغ غابو Taag Gaaboالتابعة بمدينة منديرا، وأخبرني فضيلة الشيخ بأنّ هذه المدرسة كانت بدايتها تحت شجرة قرع مستخدماً سبورة كبيرة يراها جميع الطلبة، وكان أغلب الحاضرين من قبيلة غري Garre  لأنّ أغلب سكان القرية كانوا منهم، علماً أنّ هؤلاء كانوا يستخدمون لغة بورن Booran ، وقد أطلق فضيلته اسم المدرسة مدرسة تاغ غابو الابتذائية، واستمر نشاط الشيخ الثقافي والدعوي حوالي أربع سنوات متتالية حتى اندلعت الحرب الصومالية الإيثوبية في عام 1964م، وبسبب هذا الحرب صارت المنطقة غير مستقرة ، واضطر فضيلته العودة إلى عاصمة الصومال مقديشو.

ولما وصل الشيخ إبراهيم محمد علي مقديشو استمر حياته العلمية والدعوية وأصبح خطيباً لمسجد الهدى في سيغالي بحي هدن في مقديشو، بالاضافة إلى ذلك كان له كرسي خاص لمسجد المرواس في حي حمروين بمقديشو يدرس الأحاديث النبوية وخاصة كتاب جوهر البخاري وجامع صحيح البخاري، كذلك كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق الشيخان، غير أن فضيلة الشيخ إبراهيم صولي اشتهر بتدريسه كتاب رياض الصالحين لأبي زكريا يحيى بن الشرف النووي رحمه الله بحيث كان يعيد تدريسه كلما أنتهى أربعة أجزاءه، وجل من قام بتدريس هذا الكتاب بقطر الصومالي فيما بعد يعتبر من طلابه بحيث تتلمذوا على يديه حتى فشت في أوساط طلبة العلم بأنّ الشيخ هو الذي أتى هذا الكتاب إلى الصومال وبدأ تدريسه علناً في المساجد، ورغم أنّ هذا الأمر غير صحيح إلا أنّه يدل على مذى تعلق الشيخ بالكتاب واقترن اسمه باسمه رحمه الله .

ولم يتوقف نشاط الشيخ الثقافي والعلمي والدعوي على ذلك وإنما فتح أيضاً مدرسة الهدى في مسجد الهدى المذكور سابقاً الواقع في منطقة سيغالي بحي هدن، وهي مدرسة إسلامية تنهج بمنهج فريد من نوعه في الصومال ، وكأنّ الشيخ اقتبس في البلدان التي زارها في الجزيرة العربية جنوبها  وشمالها- أي في  اليمن والمملكة العربية السعودية – ولم يكتفي الشيخ تأسيس المدرسة وإنما صار مشرفاً عاماً لها وعمل في سبيل تطويرها من حيث المنهج والإدارة ، ومن هنا اتصل بأهل الخبرة والحنكة في ذلك المضمار مثل البعثة الأزهرية في مقديشو بالصومال، وقد أثمرت هذه العلاقة واعترفت بعثة الأزهر بالمدرسة وأمدّوها بالكتب والمناهج وكان بعض شيوخ الأوهر وعلمائها يقومون بالزيارة إلى المدرسة بين فينة والأخرى.

وفي عام 1965م انتظم الشيخ إبراهيم محمد علي دورة دعوية علمية قامت بها رابطة العالم الإسلامي مع زملائه وإخوانه في حقل الدعوة والتعليم في القطر الصومالي الكبير ، وأقيمت هذه الدورة في عاصمة مقديشو بغية رفع المستوى العلمي والوعي بالإضافة إلى تقوية أواصر العلاقة بين المسلمين وقادتهم من العلماء والمثقفين ، علماً أنّ فضيلة الشيخ محمد سرور الصبان – الأصل الصومالي الذي خصصناه ترجمة خاصة له في هذه السلسلة – كان له فضل كبير في إقامة هذه الدورة بالصومال، وكان مشرف الدورة فضيلة الشيخ عبد الزبور المرزوق. وتبرز قيمة مثل هذه الدورة الدعوية والتثقيفية إذا عرفنا أنذ ضمن المشاركين والقائمين عليها كان من خيرة علماء الإسلام في عالمنا الإسلامي أمثال فضيلة الشيخ سيد سابق، وفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري وغيرهما، وقد نال فضيلة الشيخ إبراهيم صولي اعجاباً كبيراً  لدى إخوانه العلماء الزائرين في الصومال وأعطوه تقديراً خاصاً ، وأكثر من ذلك رشحوا فيما بعد ضمن المدرسين والقائمين بأمر معهد التضامن الإسلامي في المرحلة الثانوية، علماً أنّ المعهد أقامته رابطة العالم الإسلامي في منطقة رقم أربع بمقديشو عام 1966م وكان تحت رعايتها.والمعروف أنّ معهد التضامن الإسلامي أخرج جيلاً متعلماً ساهم في التربية والتعليم للجمهورية الجديدة ، إلى جانب ذلك أخرج آخرين واصلوا مسيرة حياتهم التعليمية في العالم الإسلامي ولاسيما في معاهد المملكة العربية السعودية وجامعاتها والمؤسسات العلمية والثقافية المختلفة، وكان فضيلة الشيخ إبراهيم محمد علي من أهمّ المدرسين للمعهد، ولما قامت ثورة 21 أكتوبر عام 1969م بقيادة اللواء محمد سياد بري التي قامت الانقلاب الأبيض للبلاد استمر المعهد يشعّ نور العلم والمعرفة كغيره من المعاهد والمدارس في تلك الفترة حتى جاء قرار الثورة في تأمين أغلب المؤسسات التعليمية والاقتصادية الأجنبية في البلاد ، وكان معهد التضامن الإسلامي ضمن المؤسسات التعليمية التي وقع عليها التأمين.

ولترجمة الشيخ له بقية نتناولها إن شاء الله في الحلقة القادمة.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى