مركز مقديشو … لؤلؤة المدينة وجوهرتها

IMG_2192

صورة لكاتب المقال وزملاء من المركز

وبعد يوم سوف يطوى سجل العام 2014م وسيهل علينا عام جديد 2015 جعله الله عام خير وبركة .

ينتهي هذا العام بما كان فيه المر والحلو، ويأتي عام جديد ولا أحد يدري بما خبأه الله لنا فيه من الأحداث والأقدار. وقد قرأنا خلال هذا العام أحداثاً كثيرةً حدثت هنا وهناك في هذا الكوكب وفي مختلف مجالات الحياة ، غير أنّ جلّ الأحداث المتعلقة ببلاد الصومال تابعنا عبر موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات الذي سوف يكتمل عام وبضعة شهور تقريباً  بحيث تمّ تأسيسه في 1/8/2013م ، وهي مدة قياسية قصيرة ولكن العطاء كان كبيراً ، بل مفاجئةً لدى كثير من القراء لاسيما إذا أعطينا الاعتبار أوضاع البلاد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك، والحقيقة أنّه لم يكن غريباً في ذلك لدى من يعرف الكوادر المخلصة والأيادي الخفية القائمة على إدارة المركز، أعني أؤلئك الشباب النشط ذات الحيوية المستمرة والذي لا يهدأ ولا يستكين حتى تكتمل الرسالة ويصل الخبر في موضعه. 

والحق نحن معشر القراء لغة الضاد – سواء من أهل الصومال أو غيرهم – كنا نستأنس أخبار منطقتنا القرن الإفريقي عبر المواقع “الصومال اليوم” و”شبكة الشاهد العربي “، غير أنه في الآونة الأخيرة أصبحنا نستمتع بمتابعة موقع ” من أجل الصومال” وموقع “مركز مقديشو للبحوث والدراسات ” ولعله مواقع أخرى على النمط السابق وتسير على الدرب ونفس المنوال تسلط الضوء على المنطقة ولكنّ معرفتي في ذلك معدومة لم أصل إليها وأرجو أن تكتمل ” إنّ وأخواتها” وإنني شخصياً لا أخفى رؤيتي تجاه هذه المواقع بحيث أعتبرها نوافذ خير وبركة ساقه الله إلينا في مطارحنا هنا وهناك بحيث نستنشق من خلالها أريج الهواء النقي الصافي الذي ليس فيه همّ ولا كدر ، كما أنّه ليس فيه كبر ولا بطر ، بل وتغذي الروح قبل الجسم كما تثير العاطفة قبل الحماسة، وتشجع الفكر النير والعقل السليم وتنمي القدرات والخبرات عبر أقلام الأخيار التي تمدّ المعارف والأخبار. 

والحقيقة أنّ ظهور مركز مقديشو صادف في وقت مناسب وفي فترة استعادت العاصمة عافيتها بعد خروج قوات المتطرفين منها كاملةً ودحرهم عن بكرة أبيهم، وعقب ذلك بدأ المجتمع يتنفس من جديد ويستعيد هيبته ونشاطه وبريقه في الحياة، بل وتدفق الناس من كل حدب وصوب سواء من هجر اللاجئين ومهجر المهاجرين تتوق أن ترى بلدها لاسيما مقديشو التي سماها ابن سعيد المغربي المتوفي (سنة 673ه) في كتابه جغرافيا عند حديثه بأنّها – أي مقديشو- ” مدينة الإسلام “، وأكثر من ذلك قلّما تجد مصدراً من مصادر كتب الرحالة والجغرافيا القديم إلّا وتناولت أخبار مقديشو ولو بقليل. 

وإذا كان مركز مقديشو هذا يعمل في العاصمة ويقدم أطروحات ثقافية ويعقد بحوارات مثيرة وصريحة مع أهل الفكر والثقافة لبلادنا ومع الضيوف الكرام من السفراء والمسؤولين العرب بهدف تقوية الأواصر العلاقة القديمة بين الأطراف العربية والتي تضرب بجذور عميقة ممتدة بأزمنة سحيقة لا شك أنّه سوف يقدم للمجتمع خدمة جليلة، وربما يكشف عن الميرات الحضاري والكنز الثمين والدفاتر القديمة المدفونة تحت الثرى، ويصل إلى اللؤلؤة المضيئة والجوهرة المخبئة في غور المحيط العميق، ومن ثمّ يحلو بالقول والتقلد بالشاعر اليمني:

قف ها هنا العلم والتاريخ والأدب      وها هنا فنّ والإتقان والحسب

هنا الجلال هنا الماضي بروعته          هنا العلا وهنا آباؤنا النجب

وللحضارة أركان مشيّدة                وللثقافة إبداع بها خلب

كأن ساحاته العليا لنا حرم             لا لهو في عيشنا ولا بطر

فهنيئاً لإخواننا في المركز بهذا الإنجاز الكبير أؤلئك الفرسان الكرام الذين ليس فيهم كلل ولا ملل ، ورجاؤنا أن يستمروا على الدرب وأسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه، ولا شك أنهم على طريق الآباء والأجداد وما ظلم من شابه أباه، وكأن الآباء أحياء ما ماتوا بل هم فينا كما قال الشاعر:

أباؤها الطهر أحيا في ضمائرنا   ما ماتو ولا قبروا

وأول مرة التقيتُ بإخواننا في مركز مقديشو كان في الصيف الماضي حيث أنّ خلال وجودي في الصومال في تلك الفترة سواء في مقديشو وبيدوا وبور هكبة كان لنا لقاءات مع مجتمعنا وخاصة في الحقل التعليمي من الأساتذة والطلاب أو أولياء الأمور وكان الحديث يدور حول كيفية تطوير التعليم في مجتمعنا وإفساح آفاق أخرى، كما كان لنا لقاءات ثقافية أكثر من صرح علمي وثفافي سواء بالجامعات أو المراكز العلمية والبحثية مثل مركز مقديشو للبحوث والدراسات، وكم كنت مسرورا عند لقاءنا الأخير والذي دار في كيفية تطوير في مجال البحث العلمي ولملمة قضايا علمية وثقافية لبلادنا مثل وضع خطة في عقد مؤتمرات ثقافية وعلمية ، ووضع فهرسة للمخطوطات المتناثرة في البلاد وإيجاد جهة علمية تكرم العلماء والمثقفين لتشجيع البحث العلمي، وقد تم هذا اللقاء في  يوم الخميس الموافق في ٢ اغسطس وقد تبادلها الأخبار والخبرات وكان في منتهى المتعة، وبه انتهت رحلتي هذا العام قبل مغادرتي من البلاد إلى مقر إقامتي في النرويج عبر دبي، وكان ختام الرحلة مسك لأنه كان مع مركز مقديشو والجوهرة الثمينة ولؤلؤة المحيط الهندي.

 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى