لدي حلم

اقتباساً على خطاب الشهير المعنون ب “I have a Dream” أي “لدي حلم”، الذي ألقاه زعيم الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية “مارتن لوثر كينج” أمام النصب التذكاري للرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن في 28-8-1963، أمام 250 ألف شخص من الأقليات العرقية ساروا الى واشنطن خلال معركة الأمريكيين السود للاعتراف بحقوقهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر الخطاب من أشهر الخطب بل وأميزها في عالم الخطابة والإلقاء، ويعد اليوم من كلاسيكيات الأدب الأمريكي المعاصر.

 

يحمل الخطاب في طياته كثيراً من مبادئ العدالة وأخلاق التعامل مع الخصم وشحذ همم السود الذين أنهكتهم العنصرية وتركتهم أشلاء قد يئسوا عن الحرية والحياة الكريمة الموازية للبيض أو على الأقل قريبة منهم، إضافة الى تفاؤل مستقبل واعد وغدٍ أفضل يبديها مارتن لأنصاره السود وغيرهم من البيض الذين انجذبوا في خطاباته المؤثرة وكلماته البراقة ومشاعره الراقية ونظرته لحياة الأمة الأمريكية القادمة كشعب موحد ومتحضر ومتجه باتجاه واحد رغم العقبات والأثمان الباهظة المدفوعة في سبيل تحقيق ذلك.

 

ولي –اقتباساً على ما سبق-حلم مماثل يراودني أكثر من عقدين رغم اختلاف المكان والزمن والظرف؛ إلا أننا مشتركين من حيث رجلٍ زنجيً شعر الخطر المهدد والمحدق لوطنه المتمثل بالتفرقة العنصرية المصحوبة بالظلم والقهر؛ والتخلف والفقر القابع في ضرب من أبناء بلده وضرب أخر يغنى غناً فاحشا إضافة الى الحقد والضغينة المسكونتين بين الطرفين والتي هي بمثابة قنبلة هيدروجينية أو نووية موقتة قابلة للانفجار في أي لحظة من اللحظات، ورجلٌ صومالي شعر ومازال يكابد تلك الشعور المتمثلة باستمرار نكسة أمته زهاء عقدين وتزداد كل سنة تخلفاً في المجالات المختلفة من التعليم والصحة والاقتصاد والحكم والحريات والحقوق والفكر… وتمزقاً في أجزاء أرضها واستباحة أقاليمها الأرضية والجوية والمائية؛ وطمعها أحقر الأعداء وأذلهم وحاول اذلالهم واسترقاقهم رقاً أبيضاً ناعماً دون اشعارهم واثارة انتباههم وحفائظهم؛ وفوق كل ذلك تفرقهم الى أشياع وقبائل جعلوها أصناماً وأنداداً يعبد بعد المولى عز وجل، ورضوا بتقنينه تحت مظلة “الفدرالية” المزعومة والتي ما أرادوها إلا أن تكون “فبلية مقننة”  غامضين أعينهم عمداً أوامر نبيهم  صلى الله عليه وسلم بنبذها حيث وصفها بالنتن وقال: “دعوها فإنها منتنة” وقال عندما سمع أصوات الفتنة تعلوا في أوساط صحابته ” أبدعوا الجاهلية وأنا بين أظهركم”، ومثّلها بالجاهلية ومن يتصف بها يكون جاهلاً ولو كان حاملاً بأرقى درجات العلمية المعاصرة.

 

ولدي حلم بشروق شمس وطننا العزيز وفجرها الصادق ليضيئا ويشيعا نورهما في جهات الكون الأربع؛ لتغذي خيراتها ونعمها المكنوزة في أفجويى وبراوي، وكسمايو، وبلدوين… الخ. وتغرق مخزونها النفطي في أسواق “هونكونج ودبي، وواشنطن. وينمو اقتصادها لتصبح من عشرة أوائل الدول في العالم ليتنافس الأفراد الى هجرتها بغية العمل ولقمة العيش، ويشمر رجال الأعمال والشركات التجارية نحوها لحجز مكانتهم فيها.

 

لدي حلم بمستقبل مشرق وسنوات تحمل في طياتها المستحيلات تذهل وتبهر العالم.

 

لدي حلم بقدوم عيد استقلالنا الحقيقية -غير المزيفة-بكل ما تحمل كلمة (الاستقلال) من معاني ومنها: استقلال عن الاستعمار الناعم، وعن داء القبلية والجهوية، وعن سيطرة الرجال وشيوخ النعرات ومشعلي الفتن، وأمراء الحرب، واستقلالاً عن الأفكار والأيديولوجيات الهدامة المغلوطة والمتسترة بستار الدين المتجملة بألفاظٍ عاطفية براقة جذابة تجلجل فيها وجدان النشء والفتية المخلصين.

 

لدي حلم بيوم تتناقش فيه الأقلام بدلاً من “كلاشينكوف” و “AK47″، وتتحاور الأفكار والآراء بدلاً من الشخصنة والتسفيه والتخوين، ويتجالس العقلاء من (راس كامبوني الى راس عسير) في طاولة الحوار يناقشون ويتشاورون مصيرهم ومصير وطنهم وأمتهم.

 

لدي حلم بقيام دولة ذات شوكة وهيبة تلملم شتات الأمة وتجمع أطراف الوطن المترامية في بوتقة واحدة، وتلئم نزيف وطنها الحاد عقوداً؛ تحاسب الجناة وآكلي حقوق الناس أمام عدالة موثوقة تحكم بالقانون وتقيم المساواة والعدالة في أرجاء الوطن وتشفي غليل المظلومين والمجني عليهم وتثلج صدورهم بقبضة الجناة على يد من حديد، تطلب التعويض عن خيرات أراضيها المنهوبة والمحلوفة طول الزمن وتقاضي مع جهات الدولية المتغلغلة -مباشرة أو غير مباشر وبغطاءات مزيفة كحفظ السلام ومساعدة الجوعى. الخ-دون مبررات وجيهة لوطنها تنزع حقوقها ولا تَرتجي. 

 

ولدي حلم بمطلع يوم يعتلي عرش البلاد رجال أكفاء وطنيون شجعاء نجباء نبلاء يرسون السفينة الى مرساها الآمن، يقومون بواجبهم الوطني حق الإقامة يدركون مالهم وما عليهم، يضحون لأجل الأرض يصونون حمى الوطن ينزعون حقوق الشعب يسعون رفاهية المواطن، يجوعون ليشبع الناس، يسهرون لينام الناس، يتعبون ليستريح الناس، رجال قال الله عنهم “رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله”، ” رجال يحبون أن يتطهروا”، “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، وقال النبي صلي الله عليه وسلم ” لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضر من خذلهم…” وأحاديث كثيرة قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم.

 

وأخيراً قيل : ” حارب لأجل أحلامك ولولم يحارب معك أحد”.

عبد الرحمن أدم حسين

خريج كلية الشريعة والقانون ، جامعة افريقيا العالمية والآن يحضر الماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم، الخرطوم - السودان
زر الذهاب إلى الأعلى