قراءة رسالة ماجستير في السياسة الشرعية بعنوان:فقهُ مُناصحة ولاةُ الأمر في الدّولة الإسِلاميّة” (1).

مدخل:

   تُعتبر الرسائل الجامعية على مستوى الماجستير والدكتوراه من مصادر المعلومات المهمة التي تقتنيها المكتبات ومراكز البحوث العلمية الجامعية، وتُشكل فئة مُهمة من الوثائق التي تُعين الباحثين في موضوعاتهم وثمار جهودهم، على اعتبار أنها تتناول عادة موضوعات أصيلة لم يسبق بحثها أو دراستها، وتُعتبر بالتالي إضافة إلى الاستفادة من المعلومات المتخصصة في الموضوع الذي تطرحه إمكانية التعرف على طرق البحث ومناهجه التي اتبعها الكاتب في رسالته.

   وتكمن المشكلة الرئيسية في الرسائل الجامعية في توافرها بعدد محدود جداً من النسخ، وفي مشكلة الحصر الببلوجرافي لها، ولهذا يتم تصويرها على المصغرات الفيلمية مثل الميكروفيلم وعلى أقراص الليزر.

   يُعتبر التعريف بالأطروحات والرسائل الجامعية ضروري جد؛ لأنه عمل يُشكل استكمالاً للعمل التوثيقي الهادف إلى التعريف بالجهود المبذولة داخل الجامعات، والمبادرة إلى التعريف والتوثيق جهد مطلوب، وواجب لازم؛ لأن هذه الأطروحات والرسائل الجامعية يبقى توزيعها محدوداً جداً، والقلة القليلة منها فقط هي التي تجد طريقها إلى المطابع ليتم طبعها ثم توزيعها بشق الأنفس ؛ ولأن المادة العلمية في كثير من الأطروحات والرسائل الجامعية هي ثمرة جهد طويل وجاد، يقوم به الطلبة الباحثون تحت إشراف أساتذتهم المتخصصين في مختلف ضروب المعرفة الجامعية، وهي تشكل بذلك مراجع قيمة للباحثين خاصة، ولطلاب العلم والمعرفة الإنسانية عموما.

    والبحث الأكاديمي نهاية المطاف بالنسبة لمسيرة الطالب العلمية،وهي سمة مُميزة للدراسات الأكاديمية المتقدمة،فهي وثيقة إثبات لقدرة طالب الدراسات العليا في الماجستير أو الدكتوراه، وجواز مروره إلى حقل البحث العلمي ومجتمع العلماء،إذ أن هدف الدراسات العليا هو إتاحة الفرص الأكاديمية للبحث عن الحقيقة العلمية،وإضافة معرفة جديدة لرصيد الإنسانية الفكري، واليوم بين أيدينا واحدة من تلك الرسائل الجامعية المعنونة[فقه مناصحة ولاة الأمر في الدولة الإسلامية] المقدمة من الباحث ناصر حمد بكار أحد ثمار جامعة إفريقيا العالمية.

أولا:أهداف الدراسة:

   تهدف الدراسة إلي إيضاح بالأحكام المتعلقة بنصح الولاة في الشريعة الإسلامية، ودور الفقه الإسلامي في هذا الموضوع، وبيان ما يترتب من عدم تطبيق أحكام الله على الراعي والرعية،ومسير المستبدين في العالم الإسلامي والعربي، وتخلفها عن الركب علميا واقتصاديا بسبب حكامها الفاسدين،فحاول الباحث إنزال الفقه علي الواقع،وإرجاع الأمة إلي العصور المفضلة،وتحرير المسائل والقضايا المتعلقة في هذا المضمار ،وكيف عالج الإسلام في قضية الاستبداد والإنفراد بالحكم، حيث أصبح  حكام المسلمين يسيرون البلد كما تسول لهم أنفسهم.

ثانيا:منهج البحث:اعتمد الباحث في دراسته على المنهج الاستقرائي والتاريخي والاستنباطي التحليلي، وذلك بتتبع أراء الفقهاء في النصح وأحكامها وضوابطها والمقارنة على أوجه الاتفاق والاختلاف مع مراعاة الواقع، والضوابط الشرعية وإيراد أدلتها من الكتاب والسنة.

ثالثا:الدراسات السابقة: ذكر الباحث أنه لم يقف على دراسة علمية في هذا المضمار، إلاّ ما نثر في أمهات كتب السنة حول الحديث ” الدين نصيحة” والنصيحة هنا عامة لجميع أفراد الأمة، وعليه تُعتبر هذه الدراسة نتاج عمل لمدة ثلاث سنوات متتالية، اعتكف الباحث فيها على دراسة الكتب الفقهية والأصولية والأحكام السلطانية والصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والتفاسير، فانجز خير انجاز.

رابعا:محتويات البحث:اشتملت الدراسة على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وفهارس متنوعة، تعين القارئ في كشف المطلوب بسهولة ،كما حوت المقدمة أسباب اختيار الموضوع وأهميته، ومشكلة البحث ومضامينها، وأهدافها، وشملت الخاتمة أهم النتائج التي توصل إليها الباحث في دراسته، وتضم فهرس الآيات، والأحاديث والآثار، والمصادر والمراجع مرتبة على نحو الآتي:

التفسير وعلومه،السنة وشروحها،الفقه وأصوله،العقيدة وعلم الكلام،السير والتراجم، علوم السياسة والسياسة الشرعية،القواميس والدوريات وهكذا.

الفصل الأول: مفهوم الدولة الدولة الإسلامية ومشروعية اقامتها:

 يشتمل هذا الفصل على مبحثين، وتحت المباحث مطالب وفروع تتلخص الآتي.

 المبحث الأول: تعرض لمفهوم الدولة: إن مفهوم الدولة الإسلامية يشمل الشعب والإقليم المحدد ،والسلطة العامة والاستقلال السياسي.

   إنّما تنشأ الدولة بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها، ويتحول السلطان فيها بتحول هذه الأفكار؛ لأن الأفكار إذا أصبحت مفاهيم أثرت على سلوك الإنسان وجعلت سلوكه يسير بحسب هذه المفاهيم فتتغير نظرته إلي الحياة وتبعاً لتغيرها تتغير نظرته إلى المصالح.

   وتتميز الدولة الإسلامية عن غيرها إذ أنها دولة ذات كيان مُزدوج كيان مادي وكيان روحي ،و الكيان الروحي هو الذي يُهيمن على الكِيان المادي همينة تامة.

   ومن خصوصية الدولة الإسلامية شموليتها في جميع جوانب الحياة، وإسعاد البشرية وتحريرها من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، وتحرره من كل القيود التي تخالف الإسلام وحريته السياسية.

 ونعني بالحرية السياسية حرية التعبير عن الرأي الذي يتعلق بشؤون الأمــة والحكم،وعلاقة الحاكم بالمحكوم،وعلاقة الدولة بغيرها من الدول،ويجب أن تكون ضمن دائرة العقيدة الإسلامية وتعاليمها،وتشتملُ الحرية السياسية على العناصر التالية:

  1. حرية التعبير عن الرأي السياسي ضمن الفكر الإسلامي الأساسي.
  2. حرية انتخاب الإمام وممثلي الأمة وحرية الترشيح والترشح.
  3. حرية النقد السياسي ومحاسبة الحكام.
  4. حرية الحق في سحب الثقة من الحاكم أو الحكومة.
  5. حرية التجمع والاجتماع السلمي للتعبير عن الرأي.
  6. حرية تأليف الجماعات والأحزاب والتنظيمات السياسية، معارضة للحكومة أو موالية لها.

   والإسلام يَعتبر الحرية بعناصرها هذه منحة من الله،وهبة أوجدها الخالق في الإنسان، قال تعالى :﴿ وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [1] ؛ وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [2] ؛ وقال جلّ وعلا: ﴿ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[3].

  المبحث الثاني :نشأت الدعوة الإسلامية وتكوينها ومراحلها: 

  • نشأة الدعوة الإسلامية: ظهرت الدعوة الإسلامية بمكة شبه الجزيرة العربية بعد نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صفي انحرافات العرب ممارسة وعقدياً، وكانت الجزيرة العربية مركزاً للطرق التجارية، ومجاورة لمناطق انتشار الديانة المسيحية كالإمبراطورية البيزنطية والحبشة، والديانة المجوسية.
  • مرت الدعوة الإسلامية بمرحلتين أساسيتين:

(1)مرحلة الدعوة بمكة: امتدت من سنة 610م إلى سنة 622م يمكن التمييز فيه بين مرحلة الدعوة السرية والجهرية. 

(2)مرحلة بناء الدولة بالمدينة:امتدت من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة سنة 622م وانتهت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 632م تميزت هذه المرحلة بإرساء دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.وأمن بذلك وحمي الجبهة الداخلية من النزاعات والشقاق،وهي دولة ترمي إلى إقامة الوحدة العقائدية  والسياسية والنظامية بين المسلمين،وكان بذلك توفير الأمان والسلام والسعادة والخير للبشرية جمعاء.

   تُشكِّل الدولة أبرز ظاهرة في الحياة الاجتماعية المعاصرة،وتتميّز بأنّها مُؤسّسة سياسية ذات سلطة مُلزمة، والدراسات الاستقرائية للنصوص الشرعية والسيرة العملية توصلنا إلى أنّ الفكر الإسلامي اعتنى عناية خاصّة بمسألة الدولة والسّلطة، واعتبرها ركناً أساسياً من أركان البناء الإسلامي .

   والفكر الإسلامي سبق الفكر الأوربي المعاصر بقُرون عديدة بتمييزه بين شخصية الدولة وشخصية الحاكم، فقد كانت شخصية الدولة قبل مجيء الاسلام مندكّة بشخصية الحاكم،ويُعتبر هذا التمييز انجازاً حضارياً عظيماً في عالَم السياسة والعدالة والدولة واحترام حقوق الإنسان.

   لقد فصل الاسلام بين شخصيّة الإمام أو الخليفة وبين الدولة، واعتبر الإمامة منصباً يملؤه الإمام،كما اعتبر السّلطة أمانة ورعاية عامّة لشؤون الاُمّة يتحمّلها الحاكم،
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [4] ، تضمنت الآية جميع الدين والشرع وهي من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشريعة.

أركان الدولة: ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله: [كُلّكُم راع وكُلّكُم مَسؤولٌ عَن رعيّته][5] ،وتتكوّن الدولة في المفهوم الإسلامي من العناصر الآتية:

1)   الاُمّة .

2)   السّلطة.

3)    السِّيادة.

4)   القانون .

ولم يعتبر الفكر الإسلامي الأرض ركناً من أركان الدولة، بل الدولة تُقام على الأرض التي تُقيم عليها الاُمّة كلّها أو بعضها، وتُمارس عليها سلطة ولايتها وفق القانون، ولا دخل للأرض في تكوين شخصية الدولة، بل الأرض شرط في قيام الدولة، فلا تُقام دولة إلّاّ على أرض تملكها الاُمّة وتُقيم عليها.

والمسألة الثانية في تكوين الدولة هي أنّ القرآن اعتبر القانون ركناً أساساً من أركان تكوين الدولة،جاء هذا البيان في قوله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾[6].فالقرآن يُوضِّح في هذه الآية نشأة الدولة على يد الأنبياء، كما يُوضِّح أركان تكوين الدولة الأربعة السابقة الذكر.

  فالدولة الإسلامية هي دولة قانونية وعقائدية تقوم على أساس الدستور الإسلامي وتخضع له، وتبني على أساس العقيدة الاسلامية، وبذا تتميّز هويّتها وشخصيّتها الفكرية، وهي نتيجة طبيعية للمجتمع الإسلامي والأداة السياسية لتطبيق الإسلام.

ونستطيع أن نفهم التفسير الإسلامي لنشأة الدولة من خلال النصوص والمفاهيم والأهداف الإسلامية والمسؤوليّات المُناطة بالدولة، ومن ذلك نستطيع القول أنّ الفكر الإسلامي يُفسِّر الدولة تفسـيراً أخلاقيّاً وعقائديّاً.

وأوضح الباحث أنّ الدولة في نظر الإسلام قامت على أساس حماية الحقّ والعدل والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والإصلاح في الأرض وإعمارها، وتطوير الحياة وتنميتها، لتوفير الخير للبشرية وسعادتها، والدعوة إلى توحيد الله وعبادته، وهداية الإنسان في طريق الهُدى والرشاد.

وكل هذه الموجبات هي موجبات أخلاقيّة وعقيديّة والعشرات من الآيات والروايات وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العمليّة وحديث الرعاية والمسؤولية تؤكِّد هذا التفسير الفكري لقيام الدولة:

فمن هذه النصوص قوله تعالى: ﴿إنّ اللهَ يأمُرُكُم أن تُؤدّوا الأماناتَ إلى أهْلِها وإذا حَكَمْتُم بينَ النّاسِ أن تَحْكُمُوا بالعَدْل ﴾ سورة النساء، الآية: 58،﴿وبالحقِّ أنزَلْناهُ وبالحقِّ نَزَل﴾ سورة الاسراء، الآية: 105؛﴿الّذينَ إن مَكّنّاهُم في الأرْضِ أقامُوا الصّلاةَ وآتوا الزّكاةَ وأمَرُوا بالمعروفِ ونَهُوا عن المُنْكَر ﴾ سورة الحج الآية: 41؛﴿وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا مِنْكُم وعَمِلُوا الصّالحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُم في الأرْضِ كما اسْتَخْلَفَ الّذينَ مِن قَبْلِهِم ﴾ سورة النور، الآية: 55 ،وهكذا يتحدّد أمامنا حقيقة الدولة وموجب قيامها في المفهوم الاسلامي 

ويُثبِّت القرآن مبدأ الشورى في خطابه للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم﴿وَشاوِرْهُم في الأمْر ، فإذا عَزمتَ فتوكّل على الله ﴾ سورة آل عمران، الآية: 154. ومن هذا النصّ القرآنيّ الكريم يُستفاد مبدأ مشاورة الحاكم للاُمّة واحترام رأيها، كما يُثبِّت القرآن مبدأ الشورى بين المسلمين في الحكم وفي الحياة العامّة بقوله:﴿والّذينَ اسْـتَجابُوا لربِّهم وأقامُوا الصّلاة وأَمْرُهُم شورى بينهم﴾ سورة الزخرف، الآية: 38.

وبذا يُسقِط فكر الدولة الإسلامية الاستبداد السياسي، ويعطي الاُمّة دوراً فعّالاً في الحياة السياسية وتصحيح حياتها الاجتماعية وفق مبادئها ومصالحها العامّة وخصوصيات مثل:

(1)إنّ السلطة أمانة ومسؤولية: ويُثبِّت القرآن مبدأً سياسيّاً هامّاً، وهو أنّ السلطة أمانة بيد الحاكم ورعاية لشؤون الاُمّة، فهو أمين وراع ومسؤول، وليست السلطة تملّكاً للاُمّة ولا تسليطاً عليها … يتصرّف فيها تصرّف المالك، ويعاملها تعامُل المُتسلِّط.. يوضِّح ذلك قوله تعالى: ﴿إنّ اللهَ يأمركُم أن تُؤدّوا الأماناتَ إلى أهْلِها وإذا حَكَمْتُم بينَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالعَدْل ﴾ سورة النساء، الآية: 58.

  ومبدأ المسؤولية المُثبّت في هذا النصّ وفي العشرات من النصوص التي تتحدّث عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر وعن النصيحة والمحاسبة، يعطي الاُمّة حقّ مُساءلة الحاكم عن تقصيره، وسوء إدارته ، أو استغلاله للسلطة ، أو انحرافه عن المبادئ كما هو مسؤول أمام الله سبحانه يوم يقوم الأشهاد.

(2) الدولة الإسلامية دولة قانونيّة: قبل الحديث عن قانونيّة الدولة الإسلامية، ينبغي أن نُوضِّح معنى الدولة القانونيّة، فمعنى الدولة القانونية بايجاز هو أنّ الدولة بما هي شخصيّة قانونيّة، فانّها تخضع بكل ما فيها من سياسة وإدارة وسلطة للقانون، يحكم سلوكها، ويُنظِّم بنيتها، ويُقاضيها حين التقصير، كما يحكم سـلوك الأفراد ويُقاضيهم حين التقصير.

(3) دولة هداية لا جباية: يجب مراعة الفروق بين العصور المختلفة وبين الناس ،كما أن الجباية ليست الهم الأكبر في الدولة الإسلامية وهذا واضح في الدولة النبوية والراشدة ،حتي وإن جمعت فكانت تصرف في أوجه الخير.

(4)  دولة لحماية الضعفاء:إن الدولة الإسلامية تسير وفق مبادئ الشريعة العامة لحماية أفراد المجتمع، كما تفرض في موارد الدولة كالفيء وغيرها﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ سورة الحشر، الآية: 6. الزكاة المفروضة على الأغنياء لترد إلي الفقراء والمساكين. وكم هو عظيم قول الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: [لا تُقدّس أمّة لا يُؤخَذُ فيها للضّعيف من القوي حقّه غير متعتع].

(5)  دولة مبادئ وأخلاق:الدولة الإسلامية دولة مبادئ وأخلاق تلتزم بها ولا تحيد عنها في داخل أراضيها وخارجها مع من تحب وتكره في سلمها وحربها.

فالرسالة الإسلامية ثبّتت مبدأ ولاية الأمر(السلطة)، وأعطت وليّ الأمر صلاحيات الولاية، وبيّنت ما له وما عليه من الحُقوق والواجبات تجاه الاُمّة، والتحليل العلمي لمعنى الولاية في الإسلام يُوضِّح لنا أنّ الولاية في الإسلام هي ولاية تنفيذيّة، أي أنّ الشخص المُكلّف بتنفيذ أحكام الشريعة وقيمها ودعوتها وحفظ مصالحها، يحتاج في كثير من الأحيان إلى صلاحيّات الإلزام، لذا أُعطِيَ مَن يلي اُمور المسلمين صلاحية الإلزام، ليتمكّن من أداء مهامه.

ويُوضِّح القرآن قانونيّة الدولة وسيادة القانون في خطابه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم المُمثِّل للولاية والسلطة الشرعية، يوضِّح ذلك بقوله تعالي: ﴿ إن أتّبِعُ إلّا ما يُوحى إليَّ ﴾ سورة الأنعام، الآية: 50..

ومن المزايا الأساسية في الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي هو حُرمة القضاء وقُدسيّته واستقلاله وحمايته من تأثير أي سلطة، ووجود القضاء المستقلّ الذي يعطي الأفراد والسلطة على حدٍّ سواء، وفق معايير الحقّ والعدل، لهو من أبرز مظاهر الدولة الحضارية والمجتمع المتحضِّر، فالقضاء المُستقلّ وشمول سلطته التي لا يُستثنى منها أحد مهما كان موقعه في الدولة والمجتمع، لهو الحصانة الكُبرى لحفظ الأمن وحماية الحقوق، وردع التعسّف السلطوي ضدّ الأفراد والجماعات والهيئات.

ويُؤكِّد القرآن حُرمة التحاكم إلى الطاغوت، وهو الحاكم الظالم الذي لا يقضي بالحقّ ولا يعمل بأحكام الشريعة العادلة، جاء ذلك واضحاً في قوله تعالى: ﴿ألَم تَرَ إلى الّذينَ يَزْعمونَ أ نّهُم آمَنوا بما أُنزِلَ إلَيْكَ يُريدونَ أن يَتَحاكَمونَ إلى الطّاغوتِ وقد أُمِروا أن يَكْفُروا بِه ﴾ سورة النساء، الآية: 60.  .

واختتم الباحث في هذا الفصل مبحثا حول تنصيب الرئيس: تنصيب رئيس الدولة أمر واجب على الأمة ليقوم بحراسة الدين والدولة،وفي ذلك يحتاج إلي من يقوم بالإشراف على تطبيقها وتنفيدها سواء كان فرداً أو هيئة قيادية عليا في الدولة الإسلامية ،ثم مراقبة سير العمل  على الواقع المعاش،وما يترتب من نتائج وأثار ،فهي بحاجة إلي سلطة حاكمة عليا ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ سورة الحديد، الآية: 26.

ويتم انتخابه بأحد الطرق الآتية:

  1. يتم ترشيح المرشح لهذا المنصب من قبل أهل الحل والعقد.
  2. أن يعهد الرئيس الحالى إلي شخص يراه مناسبا لهذه المهمة بعد مشاورة أصحاب الشوري.
  3. جعل الأمر شوري بين أهل الحل والعقد لعدد من المرشحين لمنصب الرئاسة من قبل الرئيس الحالي بعد وفاته، أو قدم استقالته.وختم في هذا المبحث شروط تنصيب الرئس، وهي شروط بعضها متفق والأخري مختلف فيها.

البيانات العامة

عنوان الرسالة: فقه مناصحة ولاة الأمر في الدولة الإسلامية

  • اسم الباحث: ناصرحمد بكار، أبو عبد الرحيم.
  • المشرف: أ. د/إسماعيل محمد حنفي،عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
  • التخصص: السياسة الشرعية(الفقه).
  • الكلية: الشريعة والدراسات الإسلامية.
  • الجامعة:جامعة إفريقيا العالمية – الخرطوم.
  • تاريخ المناقشة سبتمبرعام:2001م.
  • الدرجة الممنوحة: ماجستير، بتقدير” جيد جدا “.
  • لجنة المناقشة:
  1. أ.د. إسماعيل محمد حنفي، عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مشرفا على الرسالة ورئيسا.
  2. أ.د. عبد الله الزبير عبد الرحمن عضو المجلس الفقهي السوداني مناقشا خارجيا.
  3. د. سليمان محمد كرم أستاذ أصول الفقه المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية ومنسق الدراسات العليا مُناقشا داخليا.
  • حجم الدراسة:360 صفحة A4.
  • عدد المراجع والمصادر التي رجع إليها الباحث تصل نحو: 190، ما بين مصادر أصلية ومراجع حديثة معاصرة ودورات علمية محكمة.

 


  29 سورة الكهف، الآية: [1]

    174  سورة البقرة،الآية: [2]

  42    سورة البقرة،الآية:[3]

58     سورة النساء، الآية: [4]

[5]   2169 – ( صحيح )صحيح الترغيب والترهيب [2 /252]

213    سورة البقرة، الآية: [6]

د. يونس عبدلى موسى

الدكتور. يونس عبدلى موسى يحيى: باحث في شؤون شرق إفريقيا وأستاذ الفقه وأصوله بجامعة عبد الرحمن السميط التذكارية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،وهو من مواليد مدينة منديرا Mandera(NFD) شمال شرق كينيا عام 1/8/1968م دكتوراه فقه المقارن جامعة أم درمان الإسلامية عام 2003م ممتاز مع مرتبة الشرف، ماجستير الجامعة الإسلامية في أوغندا الفقه المقار عام 2000م ممتاز مع مرتبة الشرف ،البكالوريوس الشريعة والقانون شعبة القانون جامعة إفريقا العالمية عام 1994م(الدفعة الثالثة) والباحث في شؤون شرق إفريقيا. وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية باتحاد علماء إفريقيا
زر الذهاب إلى الأعلى