المعالم التاريخية بمقديشو  في خطر

قلما يوجد منطقة من العالم تخلو عن مواقع أثرية ومعالم تاريخية تدلّ على تاريخ المنطقة والحقب الزمنية المتلاحقة على سكّان هذه المنطقة ومساهماتهم في إنشاء حضارة المنطقة.

وكغيرها من المناطق تزخر بعض أحياء مقديشو بمواقع أثرية ومعالم تاريخية، تعود إلى فترات تاريخية بعيدة

وتتميّز المعالم التاريخية المنتشرة في مقديشو بكون أغلبها مساجد ذات طابع معماري إسلامي فارسي أو عربي أو عثماني، وقصور الملوك والسلاطين الذين حكموا الصومال في فترات مختلفة.

لقدّ أثرت الحروب الأهلية، التي أطاحت بالدولة العسكرية الصومالية، أثرت بمختلف جوانب الحياة مما يعني أن المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في مقديشو أصابها الدمار الذي جعل بعضها مهددة بالزوال والاندثار.

ومن الملاحظ أن هذه المعالم التاريخية تكثر في الأحياء القديمة من العاصمة والمطلة على الساحل كحيّ حمروين وشنغاني، حيث يوجد في هذه الأحياء أهم المعالم التاريخية في مقديشو.

وفي هذه العجالة لا بدّ من الإشارة إلى بعض المعالم التاريخية لهذه المنطقة منذ زمن غابر، ومن أهم هذه الآثار:

  1. مسجد أربع ركن: تقول الروايات التاريخية إلى أن بناء مسجد أربع ركن في حيّ شنغاني يعود إلى عام 1268م، أي منذ حوالي 751عاما، وقد ساهم هذا المسجد في نشر الإسلام في المنطقة طيلة وجوده في العاصمة الصومالية، إلاّ أنه تأثر بالحروب الأهلية الصومالية، إذ أنّ بعض سكان العاصمة اتخذوا منه مسكنا يأوون إليه في فترة من فترات ما بعد سقوط الحكومة المركزية، مما أعاق أداء المشاعر التعبّدية فيه. وبعد جهود مبذولة من قبل سكان حي شنغاني وبعض أفرادهم في المهجر، وبالتعاون مع إدارة مديرية بنادر تم إخراج الساكنين في المسجد، مما سهّل عمليات إعادة ترميم المسجد وذلك بالتعاون مع هيئة تركية تعمل في الوقف الديني تدعى الإسراء. كللت هذه الجهود بالنجاح أواخر عام 2016م حيث أنه تم افتتاح المسجد من جديد آنذاك، وذلك بعد ترميمه وإعادة بنائه.
  2. جامع حمرويني: يوجد هذا المسجد في حيّ حمرويني الّذي يُعتبر النواة الأولى للمدينة حيث أن تأسيسها يعود إلى عام 149هــ، كما يقول محمد بن علي أونسني أحد وجهاء حمرويني في مداخلة له لتقرير قناة الجزيرة حول عراقة حمرويني وقدمها. تذكر الروايات التاريخية إلى أن بناء جامع حمرويني الذي بناه الشيرازيون المنحدرون من بلاد فارس يعود إلى أيام فترة حكم الشيرازيين لمقديشو، وبالتحديد عام 336هــ، كما تدل الكتابات المنقوشة على مئذنة الجامع، بينما بعض القائمين على أعمال المسجد يعتقدون أن بناءه كان أقدم من ذلك بكثير. ويعاني الجامع من إهمال شديد حيث لم يتلق أيّ اهتمام أوترميم منذ سقوط الدولة مما يجعله مهددا بالاندثار.
  3. قصور سلاطين وملوك: تحيط هذه القصور جامع حمرويني، وهي عبارة عن قصور السلاطين والملوك الّذين حكموا مقديشو عبر الأزمنة المختلفة، ولكنها تعاني من التدمير الناتج عن الإهمال وعدم الاهتمام بترميمها وإعادة إعمارها.
  4. النصب التّذكارية: ومن المعالم التاريخية التي تشتهر بها مقديشو النصب التّذكارية التي ترمز إلى جهود أبناء الوطن الّذين كافحوا الاحتلال وقدّموا أرواحهم الغالية في سبيل تحرير الصومال، وتخليدا لذكراهم وعرفانا لجميلهم أقامت الحكومات التي أعقبت الاحتلال نصبا تذكارية تذكّر الأجيال الناشئة جهود الآباء والأجداد، ليسيروا على نهجهم في التفاني ونكران الذات، ومن أشهر النصب التذكارية في مقديشو:
  • تمثال السيد: وهو عبارة عن تمثال يرمز إلى السيد محمد عبدالله حسن المشهور بمهدي الصومال والذي واجه مثلث قوى الاحتلال المتمثلة ببريطانيا، إيطاليا، والحبشة.
  • تمثال الجنديّ المجهول: وهو عبارة عن تمثال يرمز لكلّ شخص ساهم في بناء الوطن وتطوّره، سواء بالمال أو بالنفس.
  • تمثال طغحتور: وهو عبارة عن تمثال يجسّد واقع المقاومة الصومالية آنذاك، حيث أن الشعب كان يواجه قوات الاحتلال برمي الحجارة، فتوثيقا لحادثة 1949م عندما نادى حزب وحدة الشباب الصومالي إلى تكثيف المسيرات الداعية إلى التحرّر، وقامت قوات الاحتلال بقمع المتظاهرين بالقوة المفرطة مما نجم عنه تصادم بين المتظاهرين وقوات الاحتلال التي عمدت إلى قتل المتظاهرين بالأسلحة النارية، وكردّة فعل استخدم الثوار الحجارة لمواجهة العدوّ، فهذا التمثال رمز لتلك الحادثة وتوثيق لها.
  • تمثال حواء تاكو: وهو تمثال نصب لتخليد ذكرى المناضلة حواء عثمان تاكو التي استشهدت عام 1948م أثناء مشاكتها في مسيرات ضدّ الاحتلال، حيث أطلق عليها النار من قبل قوات الاحتلال.

هذه بعض أهم المعالم التاريخية في مقديشو، وتشترك معظم هذه المعالم التاريخية في الإهمال وعدم الاهتمام بها، حيث أصبحت كلّها مهددة بالاندثار، بل إن أجزاء أساسية من بعض هذه المعالم اندثرت بسبب الحروب الأهلية وبسبب الإهمال الناجم من عدم وجود هيئة ثقافية تعنى بالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية، وعليه فإنّه لا بدّ من الجميع سواء كانوا من منظمات المجتمع المدني، أو أعيان أحياء المعالم التاريخية، أو مؤسسات الدولة المعنية بالآثار والسياحة، لا بدّلهم من إنشاء هيئة وطنية ترعى المواقع الأثرية والمعالم التاريخية، وتتعهدّها بالمتابعة والترميم حتى يتم إدراج بعضها أو كلّها في قائمة التراث العالمي للآثار والمواقع التاريخية.

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى