وداعا يا يوسف هلال

رحم الله يوسف هلال، فارق الدنيا وهو في ريعان شبابه، وقبل ان يقطف ثمار ما غرسه، ويأخذ نصيبه من هذه الدنيا، قتلته رصاصة الغدر، وابعدته عن وطنه الذي تعلم وعمل من أجله، لكنها لن تقدر ان تمحو جهوده من ذاكرة أهله وأقرانه. 

وهكذا في بلادنا يحطم الغادرون آمال الشعب، ويدمرون مستقبل شبابها، لا يرحمون إلا ولا ذمة. همهم الأكبر قتل مزيد من القيادات الشابة المتعلمة التي هي الأمل الوحيد لهذه الأمة، هذه الأمة التي تركها العدو على مقتل وادخلتها القبلية في العناية المركزة.

ربما يكون المبرر الوحيد لإبادة القيادة الشابة ، فشرد بهم من خلفهم كي يتضعضع كيان الدولة وينهار النظام السياسي. لكن هذا المشروع لم ولن ينجح . بدأ المشروع قبل حوالي عشر سنوات. بدأ عندما قتل عبد القادر يحيي في مقديشو بدم بارد. ورغم استمراره  الي يومنا هذا الا ان أهدافه فيما يبدو لم تتحقق بعد، بل هي بعيدة من ان تتحقق. إذن لماذا يقتل خيار الأمة وعصب حياتها في هذا الكون؟ لماذا يقتل أمثال هؤلاء الشباب الذين قتلهم لا يغير من الواقع شيئا ام هناك أجندات أخرى؟ كم من القيادة الشباب أمثال يوسف هلال قتلوا في السنوات الماضية. هل غير  ذلك من الواقع شيئا؟ وهل صارت مقاعدهم شاغرة. كلا، بل كان التنافس على مقاعدهم محموما وحامي الوطيس. قتل أمس القريب ، عبدالعزيز حاج، النائب في البرلمان ولكن مقعده ليس شاغرا. ويجلس على هذا المقعد اليوم، النائب عمر بلش. وهو شاب أصغر سنا من النائب المقتول وأكثر علما وثقافة. وكذلك لن يكون مقعد يوسف هلال شاغرا. لأن هناك عشرات من الشباب على قائمة الانتظار. تتحمس لشغل تلك المقاعد ومستعدة لدفع الثمن باهظا من أجل هذا الوطن. هؤلاء ليس لديهم هم سوى ان يتحقق بأيديهم التقدم والرفاهية لهذا البلد الغالي. ويدركون انه لا بديل غير هذا الطريق. وان المشروع الدائم أفضل وأطيب ثمرة من المشاريع المؤقتة. لذلك لا غرابة في وجود مثل هذه الفئة االجسورة التي تعتقد أنه مهما بلغ منحنى القتل والغدر لابد ان ينتهي يوما ولابد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر. وكيف ينجلي وينكسر ومتى فتلك مسألة أخرى. لكن المؤكد ان القتل واراقة دماء الأبرياء بهذه الشاكلة لن يدوم. وسيأتي يوم يتذكر القاتل ما سعى ويتم محاسبته أمام العدالة الناجزة. 

 لكن الغريب وما يبعث القلق، الوجه العنصري الذي تتعامل الحكومة مع شهدائها. فاذا قتل رجل من القيادات العليا تعلو صيحات التنديد والإدانه . لأنهم لايقدرون غير هذا. والكل يبادر الي تقديم التعازي الحارة للأهالي المقتولين ومشاركة جنائزهم. لكن عندما يكون المقتول من قيادات الصفوف الدنيا، رئيس حي، مدير قسم، جندي، شرطي… لا تجدهم يفعلون الشئ ذاته. لا تعازي ولا مشاركة جنازة . فتلك عيب وشنارة ووصمة عار على جبين الحكام. هؤلاء الذين قتلوا وسط العاصمة مقديشو وفي وضح النار وعلى مرأى ومسمع القوات الحكومية كانوا من الصفوف الخلفية للحكام والعمود الفقري لكيان الدولة. لماذا لا يحصلون على الأقل عندما ماتوا أو قتلوا نفس المعاملة  التي يحصل عليها النواب أو كبار الشخصيات في الدولة. ولماذا يكون حالهم فقط إكرام الميت دفنه؟. الا ينبغي ان تعيد الحكومة النظر في حساباتها ومعاملتها مع موظفيها الذين يشكلون لها الحاضنة والسد المنيع أم أن لديها ما يكفي من الهموم والمشاغل. فتلك اذا قسمة ضيزى.

قتل يوسف محمد هلال نائب رئيس حي «هول وذاع» يوم الأربعاء الماضي. قتل على يد مجهولون وهو يمر بالشارع الرئيسي في حي ودجر غربي العاصمة مقديشو. رحل يوسف هلال عن هذا الدنيا بصمت ودون ضجيج . وهكذا دون ان نسمع صيحات التنديد والشجب كما جرت العادة. لا الرئيس قدم برقية تعزيه ولا رئيس الوزراء ولا حتى رئيس بلدية مقديشو.أما الناطق بإسم بلدية مقديشو علي «سيكو» فقد اكتفى باعلان فتح تحقيقيات لمعرفة ملابسات الحادث. وهكذا كان دأبهم وديدنهم وهجراهم. 

كان يوسف محمد هلال شابا متميزا بين أقرانه وأصحابه.عاش وترعرع ودرس في مقديشو . ونال شهادة الماجستير من جامعة أم درمان الإسلامية. وعمل هلال خلال السنوات الماضية في عدد من المدارس والجامعات. عمل في جامعة هرسيد بمقديشو ومدرسة أسامة ومدرسة أحمد جري  الثانوية ومدرسة الأنوار بحي طركينلي. كما عمل في السفارة التركية بمقديشو قبل ان يتم تعينه لمنصب نائب رئيس حي هول وذاغ منتصف هذا العام ٢٠١٤. 

 ودعا يوسف هلال ورحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته. وأسأل الله ان يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وجزاه الله لما قدم للوطن والشعب خير الجزاء.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى