هل ستسقط حكومة عبدالولي شيخ ؟

بالرغم من الاقتراح الذي تقدم به أكثر من ١٤٠ نائبا في البرلمان الصومالي، لحجب الثقة عن رئيس الوزراء عبد الولي شيخ أحمد، وهذا العدد كاف لتمرير المقترح الا أن دعوة مصر الي عقد اجتماع عربي عاجل لحل الأزمة وتصريحات نيكولاس كي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال الذي أشار الي أمكانية دفع رشاوي لإسقاط حكومة عبدالولي شيخ خلطا كل الأوراق وغيرتا المعادلات موجهة الي المسؤولين الصوماليين رسالة واضحة مفادها «ان الوضع الحالي أصبح ببساطة غير مقبول» . 

في الأيام القليلة الماضية وصل الي العاصمة مقديشو ممثلون من المجتمع الدولي ومبعوثون من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وجرت لقاءات مطولة بين تلك الوفود وقيادات العليا للبلاد، تم البحث خلالها كافة المستجدات في الساحة السياسية وافضل الطرق لتهدأة الأوضاع وحل الخلاف بين الرئيس ورئيس وزرائه عبر تفاهمات ثنائية وتسويات سياسية  وعلى قاعدة «الوطن فوق الجميع» ، وليس عبر البرلمان وحذرت تلك الوفود من مغبة وخطورة استمرار الخلافات بين قطبي الحكم على مستقبل عملية التحول الديمقراطي وتحقيق رؤية الصومال  عام ٢٠١٦.  

وكان اعلان رئيس البرلمان، محمد شيخ عثمان جواري، عن تعليق مشروع اقتراح سحب الثقة من رئيس الوزراء لإعطاء الفرصة للمفاوضات الجارية، من أولى ثمرة تلك الاتصالات واللقاءات التي أجراها المبعوثون الدوليون مع كبار المسؤولين الصوماليين، ولولا هذا التدخل من المجتمع الدولي كما يرى البعض لوصل الخلاف الي نقطة لاعودة، ولما تردد أعضاء البرلمان المؤيدين للرئيس حسن شيخ عن اسقاط الحكومة غير آبهين بحجم التدعيات والعواقب الوخيمة التي قد تترتب على مثل تلك الخطوة وآثارها السلبية على العملية السياسية ومستقبل الصومال على المدى البعيد.

فاسقاط حكومة عبدالولي شيخ عبر البرلمان فيما يبدو أمر سهل المنال ، لأن الرئيس حسن شيخ قد خطط لهذا الظرف منذ ان حجب البرلمان الثقة عن رئيس الوزراء السابق عبدي شرودون العام الماضي، بل يمكن القول منذ انتخابه رئيسا للبلاد عام ٢٠١٢، حين شكل من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي يتمتع بها، فارح شيخ عبدالقادر وزير العدل والشؤون القانونية والذراع الأيمن للرئيس، كتلة برلمانية متماسكة مؤيدة لآرائه السياسية ويمكن اللجوء اليها في وقت الشدة، وهذه الكتلة البرلمانية تتكون حوالي  ١٠٠ عضو كما يقول الناشط السياسي فيصل روبلي، ولا يحتاج الرئيس في مثل تلك الظروف الا ٣٩ نائبا لضامن الأصوات المطلوبة (١٣٩ ) لإسقاط أي حكومة لا تتوافق مع آراء وتوجهاته؛ لأن الدستور الحالي لا يعطي الرئيس صلاحية عزل رئيس الوزراء، وانما أعطى هذه الصلاحية للبرلمان، مراعاة للتفاهمات السياسية بين القبائل الصومالية.  وللمحافظة على هذه التفاهمات أعطى الدستور أيضا لكل من الرئيس ورئيس الوزراء سلطات مكبلة تمنع كل منهما  اتخاذ قرارات مصيرية بمفرده دون الحاجة الي الطرف الآخر. وهذا بأريي أمر لا بد منه من أجل منع قيام دكتاتورية قبلية تتفرد بمصير ومستقبل البلاد. 

فاذا تحدى الرئيس-ولا أتوقع انه سيفعل- إرادة المجتمع الدولي وعلى رأسهم الإتحاد الأوروبي الراعي الأول للعملية السياسية ومسيرة التحول الديمقراطي في البلاد، ومضى قدما على اسقاط حكومة عبدالولي شيخ، فان ذلك حتما سينتج عنه تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد، بل وعلى طموحات الرئيس حسن شيخ نفسه في مرحلة ما بعد عام ٢٠١٦، لأن الصومال لا تزال عالة على المعونات الدولية وتعتمد ١٠٠٪  على مساعدات والقروض والمنح المقدمة من الدول المعنية بالشأن الصومالي، وان التقدم السياسي والأمني الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة لما تحقق دون دعم المجتمع الدولي الذي عقد أكثر من ثلاثة مؤتمرات دولية لدعم الصومال، حيث تبرع المانحون بسخاء ملايين الدولارات لبناء الدولة واعادة هيكلة المؤسسات الإقتصادية والأمنية. 

وعلى هذا الأساس، سيصعب على الرئيس حسن شيخ محمود الإصرار على عزل رئيس الحكومة دون الحصول على موافقة أو ضوء  أخضر من المجتمع الدولي وانه من الغباء السياسي أو المراهقة السياسية ان يعتقد بعض السياسين بأن لديهم حرية في اتخاذ قرارات لا تتقاطع مع رؤية وارادة المجتمع الدولي. 

والنقطة الأخرى الأكثر أهمية من ذلك والتي ينبغي على الرئيس ان يفكر فيها مليا قبل الاقدام على اسقاط رئيس الوزراء هي تداعيات تلك الخطوة على وحدة الصومال والثقة المهزوزة أصلا بين مكونات المجتمع الصومالي، لأن هناك أطراف متعددة تبدي امتعاضها من اسقاط رئيس الوزراء دون مبرارات تذكر وتلك الأطراف قد تفكر مستقبلا في اتخاذ خطوات تصعيدية وهو ما يبقي البلاد في دوامة العنف وعدم الاستقرار السياسي يؤدي في نهاية المطاف الي تفكك ما تبقى من جمهورية الصومال. أضف الي ذلك ما تسببه مشاريع اسقاط الحكومات من اهتزاز ثقة المواطن على النظم السياسية واللجوء الي بدائل قد تكون خطيرة على مستقبل الأمة، لأن المواطن العادي كان يعلق آمالا عريضة على النظام الحالي وكان يتوقع منه أن يأتي بحلول عاجلة لمشاكليه اليومية، الأمن، البطالة، المرض، والفقر، والجوع خلال فترة وجيزة، لكن لم يكن يتوقع منه ان يدور في خلقة مفرغة تعقد الأمور وتضيف في قائمة معاناته اليومية مزيدا من المشاكل والتعقيدات. 

في هذه المرحلة، ينبغي ان يعلم الجميع انها مرحلة تحتاج الي مزيد من التوافق الوطني الواسع والتوازن في المشهد السياسي، بعيدا عن أنواع الهيمنة والإقصاء، بغية حماية المسار الديمقراطي وإنجاح استحقاقات المرحلة والانتقال من المؤقت الي الاستقرار وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقتها المحدد، اغسطس عام ٢٠١٦. ولن يتحقق ذلك الا من خلال التمسك بالحوار والحد من التجاذبات وخلق مزيد من الفوضى السياسية، لأن ذلك لا يخدم الا للجهات التي لا تريد أن ترى الصومال موحدا وقويا أو التي تريد ان تحكم البلاد تحت تهديد السلاح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى