الاحزاب السياسية الصومالية .. التاريخ والواقع والدور المأمول

الاحزاب السياسية الصومالية .. التاريخ والواقع والدور المأمول

 مدخل

الأحزاب السياسية الصومالية (1940-1990)

 في هذه الورقة سوف نعرض الحديث عن الأحزاب السياسية في الصومال منذ تأسيس أول منظمة سياسية قبل الاستقلال مروراً بانتهاء التعددية الحزبية على يد الانقلاب العسكري، وانتهاءً بانهيار الحكومة العسكرية عام 1991.

وسوف نقسم الحديث إلى الملامح الاجتماعية والمشاركة السياسية للأحزاب قبل الاستقلال، ثم نتطرق الحديث إلى هذه الملامح بعد الاستقلال، لنختتم الموضوع بحقبة نهاية التعددية بيد الانقلاب العسكري.

الملامح الاجتماعية والمشاركة السياسية للأحزاب قبل الاستقلال
في عام 1950 وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تخلى البريطانيون الذين حكموا شبه الجزيرة الصومالية عن حكمهم. عرضت الأمم المتحدة بعد ذلك إلى الصومال الإيطالي لحكم محلّي. وبحلول ذلك الوقت كانت أنشطة الأحزاب السياسية قد بدأت ازدهارها بالفعل في جميع أنحاء البلاد. تشكل حزب عصبة الشباب الصومالي SYL في عام 1947، تحسبا من وصول لجنة القوى الأربعة للتحقيق، وهذا الحزب قد حل محل نادي الشباب الصومالي المعروف احتصاراً بـ SYC كمنظمة سياسية وطنية نشطة. وكحزب سياسي يقاتل من أجل الاستقلال في الجنوب؛ فقد كان عصبة الشباب الصومالي SYL يتمتع بملامح غربية، ويمكن النظر إلى توجهه العلماني في النظرة السياسية كما هو واضح من برنامجه الأربع نقاط. في هذا البرنامج، تم الدعوة لاستئصال سياسة القبيلة ، ولم يتم تناول لفظ “الدّين” في هذا البرنامج لأي سبب من الأسباب. وإلى جانب SYL تم تشكيل المنظمات السياسية الأخرى، وكلها تتنافس على الفضاء السياسي الخاص بها، داخل الساحة السياسية الصومالية. ويكمن التحدي الأول الذي واجهته هذه المنظمات ككيانات سياسية قابلة للاستمرار؛ في امتلاكها أهدافا معرّفة وما يكفيها من الأتباع، ليظهر هذا التحدي في عام 1946 عندما تم تشكيل لجنة القوى الأربعة للتحقيق من قبل الأمم المتحدة وأرسلت بعد ذلك إلى الصومال للتشاور مع الشعب الصومالي حول مستقبلهم السياسي.

SYL الذي جاء غالبية أعضائه وقادته من قبائل دارود والهوية (هذا مع عدم استبعاد القبائل الأخرى) دعا إلى الوحدة ودولة مركزية، وعرض عدم رغبة الصومال في النظر إلى الوراء لإيطاليا. 

وهناك منظمة سياسية أخرى لها ميزانها تسمى  Digil e MirifleHizbia ، ويظهر عنه الانتماء القبلي  Digil e MirifleHizbia. في البداية حافظ Hizbia رؤية سياسية ذات طبيعة غامضة جدا.

من جهة انضمت إلى هذه المنظمة مجموعة تتكون من جمعيات مختلفة، بما فيها تلك التي تنتمي إلى الإيطاليين والهنود والعرب، والمعروف إجمالا باسم “مؤتمر الصومال”، مطالبة بأن يتم وضع الأراضي الصومالية لمدة 30 عاما تحت الوصاية الإيطالية استعداداً لاستقلال البلاد. من ناحية أخرى، قال ممثل هذه المنظمة عند الضغط عليه لتحديد حد أو مدى الوصاية أنه كان يقصد فقط الأراضي التي تنتمي إليها مجموعات Dighil e Mirifle.

في عام 1958، ومع ذلك، غيرت المنظمة اسمها إلى Hizbia Destour Mustaqil Somali   ، HDMS وحصلت أيضا أوراق اعتماد قومية، في حين دعت لدستور اتحادي. كان تغيير الاسم تمشيا مع القانون الذي يفرض على الأحزاب السياسية إلى تجنب استخدام الأسماء التي يمكن أن يكون لها ارتباط قبلي.

في عام 1950 أصبح الصومال تحت وصاية الأمم المتحدة وتدار من قبل إيطاليا لفترة العشر سنوات القادمة. وهذه الحلقة الهامة في التاريخ السياسي للإقليم طوقت الجرس لتذكير الأطراف المختلفة لبدء الكفاح النهائي من أجل استقلال الصومال.

في عام 1950، تم تأسيس المجلس الإقليمي كهيئة إدارية لها وظيفة استشارية فقط؛ وجاء تعيين أعضائها من زعماء القبائل. في عام 1954 و 1956، عقدت أولى انتخابات بلدية وأولى انتخابات للجمعية التشريعية على التوالي. في الحالة الأخيرة، أسفرت هذه الانتخابات تشكيل حكومة مسؤولة أمام السلطة التشريعية، وأدت أيضا إلى حل المجلس الإقليمي. وبعد هذه الانتخابات، أجريت انتخابات مشابهة مرتين أخريتين، وكانت انتخابات البلدية وانتخابات المجلس التشريعي لعامي 1958 و 1959 على التوالي.

 ومع أن حزب “عصبة الشباب الصومالي” كان يمثل الأغلبية في المقاعد، فقد كان هناك عدة أحزاب ناورت SYL لشغل مقاعد في جميع هذه الانتخابات التي جرت خلال تلك الفترة. واحدة من سمات هذه المنظمات السياسية كانت توجهها المبنيّ على هوية القرابة على الرغم من أنها قد تجاوزت اثني عشر أو نحو ذلك من عمرها السياسي، وفيما يلي عدد قليل من الأحزاب على سبيل المثال.

حزب SYL السياسي، كان حزبا يتمتع بتأييد واسع في جميع أنحاء المنطقة، ومع ذلك فإنه كان يستمد من قيادته أساسا من أعضاء قبائل الدارود والهوية. في حالة أن HDMS استمد مؤيديه أساسا من دجل وميريفلي. أما عصبة الصومال الكبير GSL، فقد كانت مجموعة منشقة عن SYL يتزعمه حاجي محمد حسين، وكان رير حمر (Rer Xamar)، وكان مدعوما من رير حمر كما كان مدعوماً من دارود، سواء من مقديشو أوكيسمايو. كما كان هناك حزب الشباب الصومالي الليبرالي، والمعروف باللغة الإيطالية Partito Liberale Giovanni Somalo، PLGS، وتلقى هذا الحزب أتباعه من أبغال إحدى فروع قبيلة “هوية” وأيضا تلقى الدعم من أسر “دير” التي تعيش في مناطق جنوبي مقديشو.

كان الاتحاد الوطني الصومالي، SNU، المعروف سابقا باسم اتحاد شباب بنادير، يعتبر آخر منظمة سياسية مهمة شاركت في الانتخابات. وتلقت هذه المنظمة أتباعها من المدينتين الساحليتين مقديشو ومركا.

كما كانت منظمات أخرى صغيرة لكن أصبح لها وجود محسوس؛ بما في ذلك “اتحاد ماريحان” و”اتحاد الصومال الأفريقي”. طالب كل من هذه الأحزاب استقلال البلاد.

والمعروف بلا منازع أن SYL قاتل من أجل دولة مركزية ووحدوية، إلا أنه كان يحمل توجها غربيا في النظرة السياسية. على عكس HDMS، حيث دعا الأخير لإقامة دولة اتحادية (فيدرالية) في الصومال. أما GSL فكانت أيدولوجيته واضحة، لم يسعى لدولة وحدوية فحسب؛ بل وكان عنيفا جدا في رغبته في أن يرى جميع الصوماليين موحدين تحت راية واحدة، وكان يساري التوجه في جدول أعماله السياسي، كما دعا إلى توثيق علاقة العمل بين الصومال ومصر.

 في الجزء الشمالي من البلاد، والمعروف باسم أرض الصومال البريطانية، كان هناك شكل من أشكال الجمعيات السياسية منذ 1935. وفي عام 1945 تأسست منظمة رسمية هي الجمعية الوطنية الصومالية SNS والتي اندمجت لاحقا مع بعض الجمعيات السياسية الموجودة في المنطقة، قبل أن تتطور أكثر في عام 1951 لتصبح منظمة نشطة للغاية وفعالة، والحصول على اسم، العصبة الوطنية الصومالية SNL .

قبل هذا الحدث وفي عام 1945، تم بالفعل إنشاء فروع SYL في المنطقة. في الشمال شكلت عودة منطقة هود “Hawd” عن الحكم الإثيوبي في العام 1954، كعامل مساعد في رفع مستوى المناورات السياسية الصومالية في المنطقة. في عام 1955 نتيجة لذلك جرت محاولات لإنشاء منظمة شاملة، وهي الجبهة الوطنية المتحدة (NUF) فيها جميع الجمعيات الأخرى بما في ذلك الأحزاب السياسية المختلفة لغرض توحيد الجهود وتوجيه الطموح المشترك للقتال من أجل عودة “هَود” إلى الحماية البريطانية. وعندما فشلت المنظمة في طموحها، فقدت أهميتها، وغادر أعضاؤها التأسيسية التحالف ورجعوا فيما بعد إلى برامج مستقلة خاصة بهم.

في عام 1960، تم تشكيل حزب سياسي جديد يعرف باسم حزب الصومالي الموحدUSP . جلب هذا الحزب أعضاءه بين مختلف المجموعات غير المنتمية إلى قبائل إسحاق، والذين يعيشون في الشمال. وتتمثل في طولبهنتي وورسنجلي (هارتي دارود) وجودوبيرسي (دير) من الشمال الغربي وذلك لتحديث موازنة مع حزب SNL في الميادين السياسية.

 الملامح الاجتماعية والمشاركة السياسية للأحزاب بعد الاستقلال

عشية الاستقلال في عام 1960، بدأت الأحزاب السياسية، سواء في الجنوب أو الشمال، وضع نفسها في صراع من أجل تحسين موقفهم قبل يوم الاستقلال. وهكذا في الانتخابات التالية من شهر فبراير عام 1960، في الشمال حقق SNL انتصارا باهرا ضد الأطراف الأخرى المنافسة، وذلك بعد أن فاز عشرين مقعدا من أصل ثلاثة وثلاثين. وأتى في المرتبة الثانية الحزب الصومالي الموحد USP مع اثني عشر مقعداً بينما لم تحصل الجبهة الوطنية المتحدة NUF سوى مقعد واحد على المستوى الإقليمي، وربما ترجع هذه الخسارة إلى انضمام بعض مؤيديها إلى SYL. بعد فوزهما في الانتخابات، شكل SNL و USP ائتلافا وترك مرشح NUF وحيداً.

أما في الجنوب، فقد واصل SYL الكفاح بلا هوادة من أجل الاستقلال، واستمر في حشد الدعم الرئيسي لها كلا من هوية ودارود. وعلى الرغم من هزيمة الأحزاب الأخرى مثل HDMS و GSL إلا أنهما عرضا معركة حماسية ضد هيمنة SYL، ولكن في نهاية المطاف استطاع SYL استمالة أعضاء مهمين ينتمون إلى HDMS إلى صفوفه.

 وتحقق الاستقلال في يوليو 1960 من خلال الاتحاد الذي جمع مجلسي التشريعيين في الشمال والجنوب لتشكيل الجمعية الوطنية للجمهورية الوليدة، وفي الوقت نفسه تم انتخاب آدم عبد الله عثمان بالإجماع كأول رئيس للجمهورية. وجلب الاستقلال وتوحيد الشمال والجنوب تحديات خاصة للصومال؛ واحدة من هذه التحديات التي لحسن الحظ تم التغلب عليها تمثلت عندما تم التصويت بالإجماع لصالح آدم عبد الله عثمان على منافسه شيخ علي جمعالي في جلسة مشتركة من المجلسين التشريعيين، وكلاهما ينتميان لقبيلة الهوية.

 اضطرت الحكومة لتعكس الرغبة السائدة في الأحزاب السياسية الفائزة، والممثلة للشمال والجنوب، فكان عليها التوازن بين المحاصصة القبلية وبين اختلاف المناطق في آن واحد. وعندما أعلن رئيس الوزراء عبد الرشيد علي شرماركي، المنتمي لقبيلة الدارود، عن مجلس الوزراء المكون من أربعة عشر حقيبة، اعتبر الجميع أنها هيئة تمثيلية تماما. ومن بين الوزراء الأربعة عشر، أربع من إقليم الشمال من حزبي SNL و USP، ومن بعض الحقائب التي قدمت لهذا الإقليم نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع ووزير التربية والتعليم. وفي السابع من يوليو عام الاستقلال انتخبت الجمعية الوطنية جامع عبد الله غالب –وهو من قبيلة إسحاق في الشمال وعضو بارز في SNL ليصبح رئيس الجمعية الوطنية. أما حقيبتا رئيس الوزراء والرئيس فذهبتا إلى الجنوب، وكانت تمثل محاصصة قبلية بين دارود وهوية على التوالي. ونظراً للاعتقاد بأن حجم الجمعية الوطنية ومجلس الوزراء كبيرة جدا، فقد أتى الطلب بالتغيير. ونتيجة لذلك في 14 أغسطس أعلنت الحكومة الجديدة المؤلفة من 12 وزيرا والتي- كالحكومة السابقة- كانت تحاول تحقيق التوازن في مصلحة القبيلة. كان رئيس الشرطة من الشمال، بينما رئيس الجيش أصبح من الجنوب. وكانت من أهم الجوانب التي سعت الحكومة المدنية التعامل معها بشكل يحقق التكامل في البلاد: إدارة المجالات السياسية والقضائية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية والثقافية. ربما يضاف إلى رصيد الحكومة المدنية التزامها في التنمية السياسية لفترة طويلة. فمنذ عام 1960 حتى عام 1969، كان قد جرت في البلاد ما لا يقل عن أربعة انتخابات عامة جعلت الحكومة المدنية رقما قياسيا لجعل الصومال أول دولة في أفريقيا تقيل رئيساً وتستبدله بآخر جديد.

 وفي الانتخابات العامة لعام 1967، جاء رئيس الوزراء للمرة الأولى من الشمال، وهو محمد حاجي إبراهيم عقال –من قبيلة إسحاق، وقد وصل إلى هذه الدرجة من خلال نضال سياسي طويل. حيث شغل منصب وزير الدفاع في أول حكومة قبل أن يستقيل، ليكون قائد أعضاء المعارضة من SNL ، ثم التحالف مع بعض الجنوبيين الساخطين ليتم تشكيل حزب جديد يسمى: المؤتمر الوطني الصومالي في مايو 1963. وأصبح هذا الحزب قوة لا يستهان بها ليتم ضمه في تشكيلة حكومة 1967 والتي من خلالها جاء محمد حاجي إبراهيم عقال، وقد هدأ قلق الشماليين حول خوفهم من التهميش في شؤون البلاد.

وفيما يتعلق بالسياسة التى انتهجتها حكومة إبراهيم عقال إزاء مشروع الصومال الكبير الذى تهدف جمهورية الصومال إلى تحقيقه بضم الأقاليم المقتطعة من الصومال، وهي الصومال الإثيوبى (أوجادين) والصومال الكيني والصومال الفرنسي إلى جمهورية الصومال الحالية، فقد اتسمت سياسة الحكومة الصومالية فى تلك الفترة بالمصالحة فيما يتصل بالخلاف على الحدود بينها وبين كل من كينيا وإثيوبيا.
وقد اتضحت هذه السياسة فى اتفاق أروشا الذى تم توقيعه فى نوفمبر 1967 والذى نص فيه على احترام كل من الصومال وكينيا لسيادة الأخرى ووحدتها الإقليمية كذلك عقدت الصومال اتفاقا مماثلا مع إثيوبيا ومن ثم انتهت حالة الطوارئ التى كانت قائمة على الحدود، وسمح للاجئين بالعودة من الصومال إلى إثيوبيا وكينيا، كما عادت العلاقات الدبلوماسية إلى مجاريها بين الصومال وكينيا، وأزيلت القيود المفروضة على التجارة بين البلدين وأوقفت أعمال الدعاية المعادية وقامت كينيا بدعوة الصومال إلى الاشتراك فى السوق المشتركة فى أفريقيا الذى أنشئ حديثا وتألفت لجنة مشتركة من الصومال وكينيا وزامبيا للإشراف على تنفيذ اتفاق أروشا. وبالنسبة للحدود مع إثيوبيا فقد اتفق على عقد اجتماعات دورية وتكوين لجنة عسكرية مشتركة للإشراف على تطبيق اتفاقية الخرطوم سنة 1964 الخاصة بوقف أعمال الدعاية وإطلاق النار.
هذا وقد قوبلت سياسة المصالحة التى انتهجتها حكومة عقال بشأن الحدود بمعارضة شديدة من جانب الشعب الصومالى، باعتبارها مهدرة لحق تقرير المصير للصوماليين فى كل من كينيا وإثيوبيا غير أن البرلمان وافق على هذه السياسة بعد مناقشة حامية، وقد بررت حكومة عقال هذه السياسة بأنها تكتيك جديد يمكنها من تحقيق هدفها بوسائل سلمية، بعد أن تبين لها أن السياسة الأولى كانت تلقي عبئا ثقيلا على ميزانيتها وميزانية أطراف النزاع، فضلا عن عدم حصولها على التأييد الدولى.
ومن المرجح أن الذين قاموا بالانقلاب قد استفادوا كثيرا من السخط الذى كان يعم البلاد نتيجة لحالة الفوضى والاضطرابات التى سادت الحياة السياسية والتى بلغت ذروتها فى انتخابات مارس 1969.
يضاف إلى ذلك تدهور الاقتصاد الصومالي الذى انعكست آثاره على الانخفاض الواضح لاحتياطات البلاد النقدية، والعجز الكبير الذى كان يعانيه الميزان التجارى، علاوة على تعثر مشروعات التنمية رغم المعونات الأجنبية الضخمة، مما حدا ببعض الصوماليين إلى أن يطلقوا عليها مقبرة (المعونة الأجنبية) حتى الطبيعة نفسها كانت معادية، فقد اعترت الصومال موجات جفاف شديدة فى 1966- 1969 كما أنه لا يمكن إغفال آثار سياسة المهادنة التى انتهجتها حكومة عقال بشأن الحدود مع إثيوبيا وكينيا، حتى أن المعارضة الوطنية اتهمته بأنه (باع جزءا من الوطن)، وقد يكون حادث اغتيال الرئيس شرماركى قد عجل بقيام الانقلاب، غير أنه لم يكن سببا مباشرا له.

 نهاية التعددية الحزبية 

فى 21 أكتوبر 1969 استولى الجيش والشرطة الصومالى على السلطة وكان ذلك قبل مرور 22 ساعة على تشييع جنازة عبد الرشيد شرماركى رئيس الجمهورية الذى اغتيل فى 15 أكتوبر بيد أحد رجال الشرطة أثناء الجولة التى كان يقوم بها فى مناطق الجفاف فى شمال الصومال.
وقد تم تشكيل مجلس أعلى للثورة بقيادة الجنرال محمد سياد قائد الجيش وتم حل البرلمان، ووقف العمل بالدستور، واستبدلت جميع القوانين التى كانت سائدة بقوانين مؤقتة، وألغي مجلس القضاء الأعلى، وأعلن تجميد نشاط الأحزاب السياسية، كما أعلن بأن الانتخابات العامة سوف يتم إجراؤها فى الوقت المناسب، كذلك أطلق على الصومال اسم (الجمهورية الديمقراطية الصومالية).
وأعلن أيضا أن جميع أعضاء الحكومة السابقة الذين تم اعتقالهم سيقدمون للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد الذى كان متفشيا فى البلاد كذلك أعلنت الحكومة الجديدة التزامها بسياسة عدم الانحياز بين الشرق والغرب، وتأييدها الكامل لحركات التحرر الوطني والنضال ضد جميع أشكال الاستعمار والاستعمار الجديد، وأفصحت عن احترامها والتزامها بجميع الاتفاقات الدولية التى أبرمتها الحكومة السابقة.

وقد قام مجلس الثورة بتشكيل حكومة جديدة يغلب عليها الطابع المدني، إذ تضم 13 وزيرا مدنيا، ووزيرا واحدا من الشرطة.
وتتميز هذه الحكومة عن الحكومات السابقة بأنها تضم مجموعة من الشباب ذوى التعليم الجامعى فهي تضم 10 وزراء جامعيين ومنهم 6 تلقو دراساتهم فى إيطاليا و 3 فى بريطانيا والأخير فى الولايات المتحدة، أما الباقون فقد أنهو على الأقل التعليم الثانوي، ورغم أن معظمهم يتمتعون بخبرات فنية وإدارية، إلا أن قليلا منهم يملكون خبرات سياسية، ويلاحظ أن تشكيل الحكومة لم يتم على أساس التوازن القبلي –كما كان مألوفاً في السابق، بل يضم العناصر المتعلمة التى تتمتع بثقة الجيش.

ورغم السلطات الواسعة التي يتمتع بها مجلس الثورة، فإنه تحدث إلى نية الجيش في العودة إلى ثكناتهم وتسليم السلطة للمدنيين في الوقت المناسب، وقد أعلن مجلس الثورة أنه سوف يجري الانتخابات السياسية وتسليم السلطة للمدنيين بعد الانتهاء من برنامجه الثوري الذي يتمثل المشاكل التي يواجه الصومال في المرحلة الراهنة؛ ويشمل القضاء على مشكلة الفساد الحكومي، ومشكلة القبلية والدين، والمشكلة الاقتصادية، وتدوين اللغة الصومالية.

وقد تم تطبيق تجميد الأحزاب وسياسة التعددية حتى انهيار الحكومة العسكرية عام 1991 بواسطة الجبهات المسلّحة، ليدخل الصومال إلى مرحلة حروب أهلية وانهيار البنى التحتية والانقسامات العشائرية، وسعى المجتمع الدولي والأمم المتحدة منذ انهيار الحكومة الصومالية حتى الآن (2014) إلى إجراء مصالحة بين الأطراف المتصارعة، وتحقيق السلام، وبناء الحكومة الصومالية. ولم تتح الفرصة لنظام تعدد الأحزاب حتى أعلن عنها الرئيس الحالي حسن شيخ محمود عزمه في تهيئة الأجواء لنظام تعدد الأحزاب، وأنه سوف يتم تسجيل الأحزاب ليتم أول انتخابات تخوضها الأحزاب في الفترة الرئاسية القادمة 2016.

    خريطة الأحزاب السياسية في بونتلاند

خريطة الأحزاب السياسية في بونتلاند هي خليط موزع ما بين الإطار الجغرافي والقبلي للأقاليم السبعة في الولاية، مع وجود تنوع إيدلوجي فريد من نوعه في بنية مكونات الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة.

 تتسم بعض الأحزاب في بونتلاند بالقوة الجماهيرية المطلوبة، مدعومةً بخلفيات فكرية تعكس ألوان الطيف الإيدلوجي والفكري في المنطقة.

وتفتقر بعض الأحزاب العنصرين معاً، ما يجعل  وجودهم فوق المسرح السياسي غريباً للغاية، ويضع أكثر من علامة استفهام حول مغزى تأسيسها، وكأن وجودهم لا يعنى سوى مسرحية هزلية، الهدف منها تمويه المشاهد، وإضاعة المزيد من الوقت من أجل تضييق الخناق على المعارضة، وقطع الطريق أمام أي ممارسة سياسية شريفة.

وسنحاول من خلال هذا المقال تقديم خريطة مبسطة للأحزاب والمكونات السياسية في بونتلاند من خلال تتبع ورصد الأحداث التي مهدت الطريق لبروز تلك الأحزاب، ونحرص -قدر المستطاع- تقديم موجز تعريفي عن أبرز الشخصيات التي تتصدر المشهد السياسي في المنطقة.

حزب هورسيد

حزب هورسيد هو أقوى الأحزاب السياسية في بونتلاند من حيث قوة عدد من ينتمي إليه من أعضاء الحكومة، بالإضافة إلى تمتع الحزب بموارد مالية تتيح له إنجاز مشاريعه السياسية بكل يسر وسهولة، والحزب يمثل وجهة نظر حكومة بونتلاند.

ولا يحظى الحزب بالقوة الجماهيرية القادرة على منافسة بعض الأحزاب، بقدر ما يزخر بكوادر لها تجارب مديدة في الممارسة السياسية، ويراهن الحزب على أعضاء الحكومة الذين يشغلون حالياً معظم مناصب الحزب، وبعض المراجع الفكرية التي ُتنظر له وتمثل أيضاً رصيداً بشرياً هائلا في مواجهة الخصوم. ويعمل مركز بونتلاند للدراسات والتطوير كواجهة فكرية تثري ساحة “هورسيد” بالبحوث وتقديم المشورة السياسية اللازمة.

ويتصدر في قائمة قيادة الحزب والمجلس العمومي رئيس حكومة بونتلاند الدكتور عبد الرحمن محمد محمود فرولي، ويعمل كل من: نائب الرئيس عبد الصمد علي شري، ورئيس مجلس وكلاء بونتلاند ( البرلمان) عبد الرشيد محمد حرسي نائبيْن له.

ويشغل وزير الداخلية عبد الله أحمد جامع ( Ilko jiir) أميناً عاماً للحزب، مع وجود 21 تنفيذيا داخل الحزب، يتولون قطاعات الحزب الأساسية من شباب ورياضة، الإعلام والنشر،الشؤون الاجتماعية والمرأة، وغيرها.

حزب الوحدة:

يحتل حزب الوحدة في صدارة أقوى الأحزاب السياسية في المنطقة، فهو من ناحية حزب النخبة؛ حيث اجتهد مؤسسوه استيعاب جميع الكوادر الفكرية والسياسية والمالية.

 ومن ناحية أخرى يُعتبر الحزب الواجهة السياسية لحركة ” الاعتصام بالكتاب والسنة السلفية”،  والتي لها وجود ومؤيدين كُثر في مناطق بونتلاند.

وعلى الرغم من محاولة مؤسسي الحزب إبعاد الكيان الوليد عن هيمنة حركة فكرية بعينها، إلا أن رؤيتهم تبدو أنها لا تنسجم وعواطف بعض منتسبي جماعة ” الاعتصام” الذين وضعوا كل ثقلهم السياسي والفكري على حزب الوحدة، واتاحوا هامشا ضيقا من المشاركة السياسية لبقية التيارات الفكرية وغيرهم من المستقلين.

ومن أبرز رموز الحزب يأتي في المقدمة الكاتب الصومالي د.صادق محمد أينو ( ماجيرتين- عثمان محمود) رئيس الحزب الذي يُعتبر الشخصية المحورية التي تقف وراء تحقيق مشروع الحزب.

 ويتمتع د.صادق أينو – طبيب أطفال وخريج كلية الطب في إحدى جامعات أوكرانيا- كارزيما طاغية، حيث يجيد فن كسب الكوادر وإقناع الجماهير، وقد اكتسب هذه المهارة من خلال محاضراته الدينية والتاريخية التي كان يلقيها في كل من دول المهجر والصومال.

ويوجد من ضمن كوادر الحزب شخصيات أكاديمية منهم الأستاذ عبد القادر سعيد علي “شينو” من قبيلة دشيشه، وشينو هو نائب رئيس الحزب. وقد عمل سابقاً نائباً لرئيس جامعة شرق أفريقيا، ويدير حالياً -إلى جانب ممارسته السياسية-  شركة للحلويات ومخابز في بوصاصو.

ويتولى أحمد الشيخ فارح ( يوسف دارود) منصب رئيس اللحنة العمومية للحزب المكونة من 95 فرداً، وهو أكاديمي صومالي وخريج إحدى الجامعات في الهند، ويعمل الشيخ أيضاً رئيساً لجامعة ولاية بونتلاند في جالكعيو.

وينشط داخل الحزب شخصيات عسكرية سابقة في الجيش الصومالي كالعقيد أحمد محمود “قروي” ( من قبيلة ماجيرتين- أوجار سليمان) واللواء علي إسماعيل محمد ( من قبيلة ديشيشي)، والأخير هو كاتب صومالي له مؤلفات سياسية وتاريخية عن الصومال، ولا ينتمي لأي حركة (كما ذكر في مقابلة صحفية له مع موقع الصومال اليوم عام 2009).

ولا يغيب عن تشكيلة الحزب الدور البارز لرجال المال والأعمال، حيث يعمل محمد عبدي نور ( ماجيرتين- عيسى محمود) كأحد دعائم الحزب الأساسين، الذين يُوصف بالقوة والمتانة، وعبدي أحد مؤسسي شركة نوجال للكهرباء (NEC). كما يضم الحزب أيضاً في داخله أعضاء من البرلمان أمثال أحمد بري (ماجيرتين ـ عيسى محمود).

حزب التنمية والعدالة:

يمتاز حزب التنمية والعدالة المعروف اختصاراً بـ “Hor-Cad” بأنه كيان سياسي يضم في داخله خليطاً من رجال المال والمغتربين، وهو أول كيان سياسي تم إعلانه في المنطقة، ويزاوج الحزب – كما يبدو من هيكله الإداري- المال والنفوذ القبلي على نحو يفهم المتتبع بصورة جلية مراهنة هذا الحزب عليهما.

ومن أبرز قيادي الحزب عمر إسماعيل وابري ( من قبيلة دشيشي) ويُوصف وابري بأنه أحد أنشط الشخصيات في ” هورعد” . ولايتمتع وابري بالخلفية الأكاديمية غير أنه تاجر مشهور في مناطق بونتلاند، ومؤسس إحدى المحاجر الصحية لتصدير المواشي في بوصاصو.

ويأتي علي ديريه علي ( ماجيرتين- عيسى محمود) في المرتبة الثانية، وديريه مساهم كبير في شركة ” نيشن لينك للاتصالات في الصومال”، وله مشاريع تجارية أخرى في منطقة شرق أفريقيا، ويُوصف ديريه بأنه متحمس جداً للخوض في غمار المعترك السياسي، وتغيير الواقع المعيشي في مناطق بونتلاند.

ويحتل عبد القادر أحمد دعالي ” الشاذلي” ( من قبيلة ورسن جلي) مكانة إدارية مرموقة في الحزب بحكم تخصصه الأكاديمي، ويحتاج الحزب إلى كوادر أكاديمية بحجم الشاذلي لها قدرة على مقارعة أقرانه الأكاديميين في بقية الأحزاب السياسية في بونتلاند.

ومن  القيادات الشبابية في الحزب يظهر في وسائل الإعلام بصورة متكررة أحمد ياسين ( من قبيلة دشيشي) وهو المتحدث الرسمي باسم الحزب، وأحد الكوادر الشبابية؛ نظراً لكثرة تحركاته وتصريحاته الإعلامية، رغم أن تجربته السياسية غاية في التواضع وهو – لازال- يخطو أولى عتبات السلم السياسي.

 حزب ودجر:

حزب ودجر – لايزال- يعيش في ظروف بدائية جداً من حيث التكون الفكري والحزبي جعلت تجربته السياسية تفتقر إلى حد كبير إلى الزخم المعنوي والإعلامي المطلوب، بالإضافة إلى غياب كوادر مؤهلة تضفى على مسيرة الحزب قدراً من التألق السياسي – على الأقل- لتجاوز فترة اختبار الأحزاب السياسية في المرحلة المقبلة.

ورغم افتقار الحزب للمؤهلات البشرية الضرورية، فإنه ضرب مثالاً يستحق الاقتداء من حيث إشراك المرأة في قيادة الحزب، حيث تحتل لول جامع ( ماجيرتين- عيسى محمود) منصب نائب رئيس الحزب، وهو استحقاق سياسي منقطع النظير للمرأة في مناطق بونتلاند، مقارنة لتغييب دورها أو تهميشها المتعمد في بقية الأحزاب.

ومن أبرز كوادر الحزب د. عبد الله سبانس ( قبيلة ظلبهنتي) ويشغل سبانس منصب رئيس الحزب، ويعمل محمد حاجي آدم ( من قبيلة ورسن جلي) الأمين العام للحزب، ويقبع حالياً في السجن بمدينة جروي على خلفية توقيعه لمذكرة احتجاج قدمتها الأحزاب السياسية باستشناء حزب ” هورسيد” للسفير الأمريكي في الصومال أثناء زيارة السفير لمناطق بونتلاند. ويعمل عبد الخير عبد الله شري متحدثاً للحزب.

ويقول المعارضون إن حزب “ودجر” ضمن الأحزاب المقربة لبلاط قصر الرئاسة في بونتلاند، وتهدف الحكومة من خلال تأسيس هذا الحزب – كما يقوله المعارضون- إلى كسب ود بعض القبائل، وعدم إتاحة المجال للأحزاب القوية من دخول حلبة السياسة في بونتلاند؛ تفاديا لدخول حزب قوي على المنافسة؛ حتى لا يشكل شوكة مؤلمة في خاصرة الحكومة.

حزب الشعب البونتلاندي:

المعلومات المتوفرة عن حزب الشعب البونتلاندي شحيحة للغاية، وسبب الغموض الذي يكتنف هذا الحزب راجع أولاً إلى غياب العنصر البشري القادر على إضفاء اللمسة القيادية، والدفع بالحزب  نحو الرقي والازدهار في مواجهة أحزاب كبيرة استقطبت الكوادر ووظفتها من أجل خدمة أجنداتها.

ويشغل الأكاديمي سعيد فارح محمد – خريج دراسات عليا في إحدى جامعات أوغنده-  منصب رئيس الحزب، وقد عمل سعيد (ماجيرتين- عيسى محمود) في الفترة السابقة  في وزارة التربية والتعليم في بونتلاند مديراً لقسم التدريبات، وشغل أيضاً كباحث متعاون مع مركز بونتلاند للدراسات والتطوير في جروي, وله خبرة مديدة في مجال التدريس حيث عمل مدرسا في اليمن، ومحاضراً في الفترة من الفترات في جامعة بونتلاند. ويشغل  محمود نور سعيد( قبيلة ورسن جلي) منصب نائب الرئيس،  وقد عمل سعيد في فترة ماضية محافظاً لإقليم سناج.

ويواجه الحزب حالياً أزمة كسب الكوادر، غير أن البعض يرجّح انضمام عبد الولي غاس (رئيس الوزراء الصومالي السابق) إلى صفوف الحزب، ما يعطيهم دفعة قوية إلى الأمام، ويجعلهم في مصاف أهم الأحزاب الساسية في المنقطة؛ نظراً لعلاقات الأخير مع المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء.

حزب بونتلاند الديمقراطي:

هو أصغر الأحزاب السياسية في بونتلاند حجماً، ويركز الحزب بصورة أساسية على المغتربين عن طريق نشر دعاياته، ومحاولة الحصول على الدعم المعنوي والمالي منهم.

ويتولى د.عبد الرحمن حاجي صلاد ( ماجيرتين- عمر محمود) منصب رئيس الحزب، ولم يتسرب إلى وسائل الإعلام بعدٌ بقية اسماء القيادات التي تتولى مناصب رفيعة في هذا الحزب.

 

1: المراجع

1.      Is Clan a Constrain or an Opportunity for Political Development?, Mohamed I. Farah (Raghe) March 03, 2009

http://www.wardheernews.com/Articles_09/March/Is_Clan_A_Constrain_By_Raghe.pdf

2.     The Road to Zero (Somalia’s Self-destruction)

http://www.ambassadorosman.com/portfolio/the-road-to-zero-somalias-self-destruction/

3.     The heritage of war and state collapse in Somalia and Somaliland: local level effects, external interventions and reconstruction

http://cja.org/downloads/Heritage_of_war___state_collapse.pdf

4.     Somalia History of Independence

http://www.arlaadinet.com/independence.html

 

5.     Midowgii Gobolada Waqooyi iyo Koonfur, Curashadii Jamhuuriyadda Soomaaliya Qeybtii 6-aad.

http://www.ishabaydhaba.com/?p=19356

6.     السياسة الصومالية وثورة أكتوبر

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=213164&eid=3589

 

 

عبدالفتاح نور أحمد (أشكر)

المدير العام لهيئة إذاعة وتلفزيون بونتلاند • ماجستير علاقات عامة- كلية الإعلام- جامعة أمدرمان الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى