ماهي دلالات مطالبة رئيس البرلمان بالإستقالة ؟

دعا نواب في البرلمان الصومالي السبت الماضي رئيس البرلمان الي الإستقالة بعد ان فشل البرلمان في جلسته الأخيرة للمرة الثانية عند بدأ مناقشة مشروع اقتراح سحب الثقة من رئيس الحكومة، عبدالولي شيخ أحمد، اثر احتجاجات قام بها نواب معارضة للمشروع الذين رفضوا اعطاء الفرصة لبدء اجراءات البت في اقتراح حجب الثقة. 

هذه المطالبة بإستقالة رئيس البرلمان إن دلّت على شيء انما تدل على خطورة الخلافات بين الرئيس ورئيس الوزراء وانعكاساتها الخطيرة على مستقبل أهم المؤسسات السياسية في البلاد، البرلمان الذي صار اليوم مهددا بالإنهيار بعد انقسام نوابه الي كتلتين، كتلة مؤيدة للرئيس التي ترى انه اذا لم يتم اقالة رئيس الوزراء فستكون الدائرة على الرئيس، وأخرى متحالفة مع رئيس الوزراء الذي فيما يبدو مستعد لحماية منصبه الي آخر لخطة ممكنة؛ لأن دعوة النواب المؤيدين للرئيس الي استقالة رئيس البرلمان محمد شيخ عثمان جواري، كانت مفاجأة بالنسة لكثير من المتابعين وتنم عن وجود خلاف بين الرئيس ورئيس البرلمان حول كيفية إدارة الأزمة السياسية الحالية ودور رئيس البرلمان فيها أو على الأقل هناك شكوك من قبل مؤيدي الرئيس في انه اي رئيس البرلمان ينحاز الي النواب المعارضة لإقتراح سحب الثقة من الحكومة ما دفعهم الي القاء هذه القنبلة الخطيرة في ملعب البرلمان بعد أن تبددت آمالهم على البرلمان الذي يعتبربالنسبة لهم الطريق الأسهل نحو اقالة رئيس الوزراء. 

كيف يمكن قرأءة ما حدث في البرلمان؟

ما حدث في البرلمان خلال الأيام الماضية لا يمكن ان نقرأ بعيدا عن الخلافات بين الرئيس ورئيس الوزراء وانه جزء من الخطط والبدائل التي وضعها الرئيس حسن شيخ محمود ومؤيدوه لإقالة رئيس الوزراء عبد الولي شيخ الذي اتخذ بدوره اجراءات وقائية للدفاع عن منصبه. كما أنها تعكس على الاستعدادات الجارية للطرفين على المعركة الصفرية الي تقلل أي فرص للتوافق وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وان الطرفين بناء على المعطيات والتطوارات في الساحة السياسية مستعدان لتضحية كل ما تم بناؤه في السنوات الماضية لأجل مصلحة اشخاص أو منافع سياسية.

ولهذا كانت خطة مؤيدي الرئيس حسن شيخ لإسقاط رئيس الحكومة وبعاده المقربين منه عن المشهد السياسي في البلاد مبنية على ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: بدأت بمطالبة رئيس الوزراء بالاستقالة أو التنازل عن التعديل الوزاري المحدود الذي قام به مؤخرا وأثار ردود فعل غاضبة من قبل الرئيس والوزراء المقربين منه عبر  وسطاء صومالين وأجانب. فهذا الخيار لم ينجح وتلقى رفضا قويا من رئيس الحكومة الذي ابلغ الوسطاء في الوهلة الأولي بانه مستعد للنظر فيه لكنه تراجع في نهاية الأمر واعلن الاستمرار في مواجهه الرئيس الي نهاية الطريق.

المرحلة الثانية: عندما فشل الخيار الأول اعطى الرئيس الضوء الأخضر للنواب المؤيدين له في البرلمان للبدء اجراءات الخيار الثاني وهو تقديم مشروع اقتراح يسحب الثقة من الحكومة الي البرلمان وهذا الخيار كان الخيار المفضل لدى الرئيس، لأنه يقطع الطريق على اي محاولات دولية للتوسط بين الجانبين ويرغمه على حل وسط الذي لن يكون حلا مرضيا بالنسبة لأنصاره. لكن هذا الخيار بخطة  رئيس الوزراء عبدالولي الذي لم يستسلم للأمر الواقع كما فعل رئيس الوزراء السابق عبدي شردون رغم معرفته بان تحالف الرئيس يحظى بأغلبية في البرلمان، بل قاوم بشراسة من خلال نواب مؤيدين له عرقلوا مناقشة البرلمان مشرع اقتراح حجب الثقة بالهتافات والأناشيد الوطنية. فخطة أنصار رئيس الوزراء خطلت أوراق النواب المؤيدة للرئيس وأبقت أمامهم خيارين أحدهما مر والآخر غير مضمون العواقب، إما مواجهة النواب المحتجين بالأيدي وهذا سيناريو كارثي يقضي أملهم باسقاط الحكومة عبر البرلمان  أو الضغط على رئيس البرلمان كي يتخذ اجراءات عقابية ضد النواب المحتحجين لكنه الأخير لم يفعل ، بل عبر ان هذا الأمر جزء من طبيعية الديمقراطيات الناشئة.  ولهذا فشل الخيار الثاني لدي حلفاء الرئيس ما دفعهم الي الانتقال الي الخيار الثالث وهو استقالة جماعية من الحكومة يقوم بها الوزراء المتحالفين مع الرئيس حسن شيخ.

المرحلة الثالثة: وقع ١٤،  وزراء اليوم الإثنين عريضة طالبو فيها رئيس الحكومة بالإستقالة، كخطوة أولى نحو استقالة جماعية سيعلن قريبا، تجعل رئيس رئيس الحكومة في موقف حرج، إما الاستقالة أو تشكيل حكومة جديدة وهذا ليس بالأمر الهين.

 لكن هذه الخطة هي أيضا ليست محسومة لأنه فيما يبدو لرئيس الوزراء خطط بديلة وهناك وزراء مؤيدون له ويمكن له أن يعوض مناصب الوزراء المستقيلين بنوابهم أو وزراء أخرى جدد. كما يراهن رئيس الوزراء على ان يتدخل المجتمع الدولي مرة ثانية لفك طلاسم الأزمة التي باتت تقترب من ان تنفجر وتضع العملية السياسية التي يرعها المجتمع الدولي برمتها في كف عفريت بعد ان أدى الخلاف السياسي الي توقف أعمال الحكومة واصابه جلسات بالشلل.

اقالة رئيس البرلمان سيناريو خطير

دعوة استقالة رئيس البرلمان لم تأت من فراغ، وانما هي جزء من خطة شاملة يريد أحد الأطراف توجيه رسالة الي المجتمع الدولي مفاذها بان لديه واراق عديدة وانه غير مستعدة للرضوخ أمام الضغوط التي تأتيها من قبل بعض الدول الغربية. وتمثل الدعوة رئيس البرلمان الي استقالة أيضا بالون اختبار لموقف رئيس البرلمان من الأزمة والضغط عليه للإنضام الي صفوف المتحالفين مع الرئيس والا سيواجه المصير الذي ينتظر رئيس الوزراء وهذا ليس أمر بعيد المنال وانما حدث أكثر من  مرة وكان الأخير عام ٢٠١٠ عندما أقال نواب من البرلمان أدم مدوبي رئيس البرلمان الأسبق. 

لكن ينبغي على من يفكر اللعب بهذا الوتر بأن الأمر خطير ولن يكون لمصلحة الوطن والسلم الأهلي  في البلاد، لأن البرلمان هو المؤسسة الوحيدة التي يجتمع تحته معظم ممثلي المكونات المجتمع الصومالي وكان من المفترض ان يكون بمنى عن التجاذبات السياسية داخل الحكومة، وان أعضاء البرلمان لم يتم اختيارهم على أساس الأحزاب  السياسية وانما  تم اختيارهم على توافق سياسي بين العشائر التي يمثلونها وهذا التوافق نفسه يكون  اليوم على المحك اذا استمر الضعظ على رئيس البرلمان والخلافات ستنتقل الي داخل العشائر نفسها التي بدأت تتنازع في من يؤيد أو يعارض ممثلوها في البرلمان وهذا النزاع يمكن ان يتحول في نهاية المطاف الي صراع مسلح بين القبائل أنفسهم. 

ولذلك يجب عدم الاستعجال في اتخاذ خطوات تعقد الأمور وتحول دون ايجاد توافق وطني، مثل مطالبة رئيس البرلمان بالإستقالة؛ لأن الديمقراطية ولا سيما في الدول الأفريقية ليست الأغلبية وحدها وانما يجب ايضا حماية الاقلية والبحث عن الأهداف المشتركة والابتعاد عن كل ما يمكن ان يعرقل سير عملية السياسية الناشئة في الصومال. وهذا هو الطريق الوحيد الذي يصلنا الي بر الأمان و الي اعادة بناء الدولة التي انهارت قبل ٢٤ عاما بسبب ذات الخلافات التي نعيش اليوم فيه.

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى