تحليل… لماذا اندلعت الحرب بين بوندلاند وجلمدغ؟

المعارك الأخيرة في مدينة جالكعيو بين إدارتي بونت لاند وجلمدج أبرزت خلافا عميقا بين الحكومة الفيدرالية وولاية بونت لاند، فالخلاف لم يكن وليد اللحظة كما لم يعد خافيا وطبيعيا هذه المرة ،وانما وصل الي درجة اتهام عبد الولي غاس ريئس ولاية بونت لاند الحكومة الاتحادية بعدم وقوفها علي الحياد فيما يخص بازمة جالكعيو وانحيازها الكامل الي جلمذغ، وذهبت ادارة بونت لاند الي ابعد من ذلك حيث وجهت (اتهمت) الحكومة تهمة مشاركة وحدات من الجيش الوطني في المعركة الاخيرة الي جانب جلمدغ، وهو الامر الذي تنفيه رئاسة اركان الجيش،صحيح ان كيفية تعاطي إعلام الحكومة الاتحادية حول تغطية احداث جالكعيو لم يكن يرقي الي المستوى المطلوب ولم يكن حياديا كما لاحظ الاعلامي الصومالي الشهير يوسف غراد، ولكن احتمال مشاركة الجيش في معارك جالكعيو ضعيف ،علي الرغم من ان اتهام الجيش الوطني بتورطه في الصراعات البينية والقبلية ليس امرا جديدا.

والسؤوال المطروح هنا ما جذور الخلاف بين الحكومة وادرة بونت لاند؟وما هي بواعث القلق لدي ادارة بونت لاند؟وما الاسباب الكامنة وراء تفجر هذه الا زمة بهذا التوقيت بالذات؟وما علاقة ازمة جالكعيو بهذه الامور؟هذا ما سنحاول الاجابة عنه في هذا التحليل واليكم قراءتنا. ولكن قبل الخوض في تفاصيل هذه القراءة ينبغي ان نفهم اولا ان الازمة اكبر من جالكعيو،فهي تمثل جزئية بسيطة من مسلسل الازمة السياسية بين بونت لاند والحكومة الفدرالية، وقد جرى توظيفها لكسب المعركة السياسية عن طريق الحرب، وأن الصراع حسب الخبراء لاينحصر في رصاصة ترد علي رصاصة،وانما يستمر بعد انكشاف غبار الحرب وسكوت الرصاص.

وهناك عدة نقاط يتمركز حولها الخلاف بين الحكومة وادارة بونت لاند واهم هذه النقاط:

  • حول شرعية إدارة جلمدغ، تعارض بوند لاند وبشدة وجود ادارة اقليمية مكونة من اقليم ونصف إقليم، بينما النصف الآخر منه يخضع لسيطرتها، وهذا انتهاك صارخ لدستور البلاد حسب بوند لاند،واعتراض بونت لاند حسب المراقبين حق وحقيقة، والمعلوم ان رئيس الجمهورية بذل جهودا جبارة واموالا طائلة لتشكيل ادراة جلمدغ،وسخر كل امكانات الدولة المادية والمعنوية لانجاح المؤتمر وفاز صديقه عبدالكريم حسين جوليد علي رئاستها،وهي اسباب معروفة لدي الجميع،وقدكانت بونت لاند تعرضها على طول الخط،وخاصة اثناء انعقاد الاجتماعات التشاورية حول رؤية انتخابات 2016،وأبدت عدم اعترفها لهذه الادراة.
  • – تهميش بونت لاند وتقزيم حجمها، فالادارة الحالية لبونت لاند لا تريد ان تلعب دورا أكبر من حجمها كما تقول، بل تريد احترام جهودها في مجال تحقيق الانتقال الديمقراطي،واعتبارها ام الإدارات الفيدرالية، وتم تاسيسها في عام1998 في حين كانت الاقاليم الجنوبية من البلاد غارقة في الفوضى وعدم الاستقرار، الحكومة الفدرالية – بحسب المراقبين – تمارس تهميشا ممنهجا علي بونت لاند ودورها في القضايا الوطنية الكبرى مثل رؤية انتخابات 2016،فالمقترح الذي تقدمت به بونت لاند جرى تجاهله من الحكومة الاتحادية
  • كما انها لم تستشر في تعيين القائد العام للقوات المسلحة اللواء محمد آدم احمد الذي ينحدر من قبيلة طلبهنتى احد القبائل الرئيسة في ادارة بونت لاند، ويقال انه يوالي ادراة خاتمو التي يترأسها ريس الوزراء الأسبق السيد علي خلف غلير الغريم السياسي لـ( بونت لاند) الامر الذي أثار حفظة عبد الولي غاس رئيس ادارة بونت لاند.
  • قضية النفط من القضايا التي اثارت غضب ادراة بونت لاند،فالحكومة الفدرالية طلبت من شركات تنقيب النفط العاملة في بونت لاند وقف اعمال البحث والتنقيب عن النفط ووصفت عمالها بالغير الشرعي، رغم ان هذه القضية لم تكن قضية تخص ادراة بونت لاند وحدها انها ساهمت في تأجيج مشاعر الغضب عند الادارة.
  • محاولة القيادة العليا في البلاد تشكيل ادارات اقليمية موالية لها بهدف كسب تأييدها في الانتخابات القادمة، وهي قضية معروفة لدي الجميع،وهذه النقطة بالذات اثارت قلق ومخاوف كبيرة لدي ادارة بونت لاند،فالولايات المشكلة حديثا في سياق هذا الاتجاه مثل جنوب غرب الصومال وجلمدغ تدعوا الي اتباع نظام المحاصصة القبلية المعروف ب4.5 وهو مايتعارض تماما مع مقترح بونت لاند وحليفتها جوبالاند.

وهناك نقاط خلافية اخرى تفرعت عن هذه المذكورة لكنها اقل اهمية منها ولانعرج على ذكرها في هذا المقام.

توقعات مجموعة المراقبة تتحقق:

تقرير  مجموع مراقبة الصومال وارتريا التابعة للامم المتحدة الصادر في شهر اكتوبر من هذا العام اشار الي احتمال تجدد النزاع في اقليم مدغ المنقسم الي شمال وجنوب وفق اتفاقية 1993 للسلام الموقعة بين الجنرال  محمد فارح عيد والعقيد عبد الله يوسف احمد،وبعد صدور هذا التقرير بشهر واحد بدأت المعارك بين إدارتي جلمدغ وبونت لاند ،هل كانت المجموعة على علم بالاستعدادات التي كانت تقوم بها الاطراف المتصارعة لخوض حرب جديد بهدف كسب المعارك السياسية ودعم المواقف السياسية بالمعارك العسكرية، لااحد يدري ولكن المتحقق هو ان توقعاتها كانت في محلها، كما نستنتج من تقريرها علي أنها علي دراية تامة بمجريات هذا البلد اكثر من صانع القرار.

احتمال وجود ايادي خفية تأجج الحرب

لايستبعد امكانية وجود جهات محلية او اقليمية او حتي دولية تقف وراء هذا التصعيد،

قد تكون هذه الجهات جهات اقليمية لا تريد استكمال عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد واجراء الانتخابات المقبلة في موعدها المقرر عام2016م، ويحتمل ان تقف واحدة علي الاقل من دول الجوار الافريقي المؤثرة في السياسة الصومالية خلف تأزم الموقف بين طرفي النزاع، وعند إيراد هذا الاحتمال في ثنايا تحليلنا لا ننطلق من نظرية التفسير التآمري للاحداث ولكن من واقع المعايشة مع التجارب السياسة.

دوافع الاطراف من منظور المصلحة الآنية:

لعل من اهم الاسباب التي من اجلها حركت آليات الحرب بين الادارتين دوافع سياسية شخصية آنية،وقد تختلف درجة هذه المصالح الآنية بين طرفي النزاع حسب الظروف السياسية الراهنة في كل ادراة، قد تكون بالنسبة الي جلمدغ مجرد استعراض القوة واثبات الذات،ربما تريد ايصال رسالة الي بونت لاند مفادها اننا موجودون علي الارض وقادرون علي الدفاع عن انفسنا اذا ماتطلب الامر ذلك، وانكم مهما بلغتم من القوة لايمكن لكم انكار حقنا في الوجود في اقليم مدغ، هذا اذا ما افترضنا جدلا في عدم تورط الحكومة الاتحادية في الصراع،أما اذا افترضا عن وجود دور ما للحكومة فانه يحتمل ان يكون الهدف من وراء تأجيج الصراع في هذه المرحلة الحرجة بالذات عرقلة الاجتماعات التشاروية بشأن الانتخابات في عام 2016م، وإضاعة الوقت في صراعات متجددة وإيجاد مبرر لتمديد فترة ولاية البرلمان الحالي والحكومة أيضا، والإثياب بعدم وجود مناخ يسمح لتنظيم الانتخابات 2016م.

أما بالنسبة لادارة بونت لاند فربما أرادت ارسال رسالة الي الحكومة الاتحادية عبر ادارة جلمدغ لأن جلمدغ متمثلة برئيسها مرتبطة بشكل وثيق برئاسة الجمهورية، وربما ينتقم غاس بهذه الحرب من الحكومة بسبب خلافاته السالفة الذكر وانها احجمت عن التعاون معه والاستماع الي آراءه، وقد يكون الهدف من وراء هذه الحرب صرف الأنظار الي قضية جلمدغ والانتهاكات الدستورية التي طالما تحدثت عنها بونت لاند، وهذا فعلا مانجحت فيه حتي الآن ان لم يكن قصدها، بدليل الزخم الذي اكتسبه موضوع صراع جالكعيو من حضور محلي واقليمي ودولي، حتي قال رئيس ادارة جوبا في تصريح مساء أمس إنه ينبغي تعليق أنشطة ومشاورات رؤية 2016م حتى يتم حل مشكلة غالكعيو.

 

زر الذهاب إلى الأعلى